على حافة الاحتياج.. 23 مليون أفغاني يواجهون الفقر والجوع وتراجع الخدمات
على حافة الاحتياج.. 23 مليون أفغاني يواجهون الفقر والجوع وتراجع الخدمات
تدخل أفغانستان عام 2026 وهي تواجه واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في تاريخها الحديث، حيث بات نحو نصف سكان البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية من أجل البقاء، هذا الواقع القاسي الذي يعكسه تقرير حديث للجنة الصليب الأحمر، لا يختزل في أرقام وإحصاءات فقط، بل يتجسد في حياة يومية مثقلة بالفقر والجوع والمرض وانعدام الأمان، تعيشها ملايين الأسر الأفغانية في المدن والقرى على حد سواء.
بحسب بيان للجنة الصليب الأحمر، نشرته شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" الثلاثاء، فإن ما يقارب 22.9 مليون شخص في أفغانستان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية خلال عام 2026، وهذا الرقم يعني فعلياً أن واحداً من كل اثنين من سكان البلاد يعيش في ظروف لا تمكنه من تلبية احتياجاته الأساسية دون دعم خارجي. ويعكس هذا المؤشر حجم التدهور الذي طال مختلف جوانب الحياة، من الغذاء والصحة إلى السكن والعمل.
أسباب متراكمة لأزمة عميقة
يحذر التقرير من أن الأزمة الحالية في أفغانستان ليست نتيجة عامل واحد، بل حصيلة تراكمات متعددة، فالاقتصاد الأفغاني لا يزال يعاني من الشلل، في ظل استمرار البطالة وغياب فرص العمل المستقرة، ما جعل ملايين الأسر عاجزة عن تأمين دخل منتظم، إلى جانب ذلك، تسببت الكوارث الطبيعية المتكررة، مثل الفيضانات والجفاف، في تدمير مصادر الرزق الزراعية، في حين فاقمت التغيرات المناخية من هشاشة الوضع البيئي والمعيشي.
يشير الصليب الأحمر إلى أن صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية تمثل تحدياً رئيسياً أمام السكان، فكثير من المرافق الطبية يعاني نقصاً حاداً في الكوادر والمعدات والأدوية، في حين يضطر المرضى إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز صحية محدودة القدرة، وهذا الوضع يترك أثراً مضاعفا في الفئات الأضعف، خاصة الأطفال وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة لا تتوفر في معظم المناطق.
الفئات الأكثر هشاشة
يوضح التقرير أن الأزمة الإنسانية تؤثر بشكل غير متناسب في فئات بعينها، فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يقفون في مقدمة المتضررين، حيث يهدد نقص الغذاء صحتهم ونموهم على المدى الطويل، كما يواجه كبار السن صعوبات مضاعفة في تأمين احتياجاتهم اليومية، في ظل غياب شبكات دعم اجتماعي فعالة. أما الأشخاص ذوو الإعاقة والأسر التي ترأسها نساء فيعيشون أوضاعاً أكثر تعقيداً، بسبب محدودية فرص العمل والاعتماد شبه الكامل على المساعدات.
تؤكد لجنة الصليب الأحمر أن هذه الفئات تعيش في ظروف غير مستقرة وغير واضحة المعالم، في ظل غياب مؤسسات داعمة قادرة على تقديم حلول طويلة الأمد، ومع تراجع قدرة المجتمع على التكيف مع الأزمات المتلاحقة، باتت الأسر الأفغانية تعيش يوماً بيوم، دون أفق واضح أو ضمانات للمستقبل.
عودة جماعية تضاعف الضغوط
أحد أبرز العوامل التي فاقمت الأزمة في 2025 هو عودة ملايين الأفغان من إيران وباكستان، هذه العودة الواسعة وضعت ضغوطاً هائلة على الخدمات الأساسية، خصوصاً في المناطق الحدودية التي تفتقر أصلاً إلى البنية التحتية الكافية، فالمرافق الصحية، وشبكات المياه، وبرامج الغذاء، وأنظمة الدعم الاجتماعي، وجدت نفسها أمام أعداد تفوق قدرتها الاستيعابية.
مناطق حدودية في دائرة الخطر
تشير تقارير ميدانية إلى أن المناطق الحدودية أصبحت من أكثر المناطق تضرراً، حيث يتنافس السكان المحليون والعائدون الجدد على موارد شحيحة، وهذا الواقع أدى إلى توترات اجتماعية متزايدة، وزاد من مخاطر انتشار الأمراض، خاصة مع ضعف خدمات الصرف الصحي ونقص المياه النظيفة.
في تقييماته للأوضاع الاقتصادية لعام 2025، أفاد البنك الدولي بأن الاقتصاد الأفغاني سجل نمواً محدوداً، غير أن هذا النمو، وفق البنك، لم ينعكس على حياة الناس اليومية، ولم يخفف من هشاشة سبل العيش، فغياب الاستثمارات الواسعة، وتقييد الأنشطة الاقتصادية، وانخفاض القدرة الشرائية، كلها عوامل أبقت غالبية السكان في دائرة الفقر.
الجوع يتصدر المشهد
من جهته، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن انعدام الأمن الغذائي يشكل التحدي الأكبر أمام السكان، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، وأشار البرنامج إلى أن تراجع القدرة الشرائية جعل ملايين الأسر غير قادرة على شراء الغذاء الكافي، حتى عندما يتوفر في الأسواق، ويزداد الوضع سوءاً مع انخفاض حجم المساعدات الدولية مقارنة بالسنوات السابقة.
ويمثل الشتاء في أفغانستان اختباراً قاسياً للأسر الفقيرة، حيث ترتفع الحاجة إلى الغذاء والتدفئة في وقت تتراجع فيه الموارد، ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن الجفاف، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وعودة اللاجئين، جميعها عوامل تتداخل لتفاقم الأزمة، ما يهدد بدفع المزيد من الأسر إلى حافة الجوع الحاد.
أصوات إنسانية تحذر
وتحذر منظمات إنسانية من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل فعال قد يؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة، فالأطفال المهددون بسوء التغذية اليوم قد يعانون إعاقات دائمة في المستقبل، والأسر التي تفقد قدرتها على الصمود قد تلجأ إلى آليات سلبية للبقاء، مثل إخراج الأطفال من المدارس أو تزويج القاصرات.
يرى خبراء إنسانيون أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب أكثر من مساعدات طارئة. فإلى جانب الغذاء والدواء، تحتاج أفغانستان إلى دعم طويل الأمد يعيد بناء سبل العيش، ويعزز قدرة المجتمعات على التكيف مع الصدمات الاقتصادية والمناخية، كما يشددون على أهمية دعم الخدمات الصحية والتعليمية لضمان عدم ضياع جيل كامل.
تعيش أفغانستان منذ سنوات أزمة إنسانية معقدة تفاقمت بعد التغيرات السياسية والاقتصادية الكبرى التي شهدتها البلاد، ومع تراجع الدعم الدولي وتزايد التحديات الداخلية، بات الملايين يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، وتشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى أن عام 2025 قد يكون من أكثر الأعوام صعوبة على السكان، في حال لم يتم تعزيز التمويل الإنساني وتوفير حلول مستدامة تعالج جذور الأزمة، لا مظاهرها فقط.











