اعتقال أستاذة يشعل احتجاجات تعليمية ويعيد الجدل حول الحريات النقابية في المغرب
اعتقال أستاذة يشعل احتجاجات تعليمية ويعيد الجدل حول الحريات النقابية في المغرب
أثار اعتقال الأستاذة والناشطة التعليمية نزهة مجدي موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط النقابية والحقوقية في المغرب، حيث تزامن هذا التطور مع تصاعد احتجاجات مهنية متفرقة في عدد من المدن، وأعاد الملف إلى الواجهة نقاشا قديما متجددا حول أوضاع العاملين في قطاع التعليم وحدود حرية التعبير والاحتجاج السلمي، في ظل سياق اجتماعي يتسم بتوتر متواصل داخل المنظومة التعليمية العمومية.
يشهد قطاع التعليم في المغرب خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في وتيرة الاحتجاجات، تجسد في وقفات تضامنية وإضرابات إقليمية وبيانات نقابية متتالية.
وتعود هذه التحركات وفق ما أوردته وكالة أنباء المرأة الخميس إلى مطالب اجتماعية ومهنية متراكمة، تتعلق بالاستقرار الوظيفي وتحسين ظروف العمل وجودة التعليم، وجاءت المتابعة القضائية في حق نزهة مجدي لتضيف بعدا جديدا لهذا الاحتقان، إذ اعتبرها فاعلون نقابيون مؤشرا على تضييق يطول الأصوات المنتقدة داخل القطاع.
وقفة تضامنية في طنجة
في هذا السياق، شهد محيط محكمة الاستئناف بمدينة طنجة، يوم أمس الأربعاء، تنظيم وقفة احتجاجية سلمية، شارك فيها أساتذة وحقوقيون وفاعلون مدنيون، ورفع المشاركون شعارات تطالب بإطلاق سراح الأستاذة نزهة مجدي وضمان تمتيعها بكامل حقوقها القانونية، مع التأكيد على الطابع السلمي للتحرك.
وعبر المحتجون عن رفضهم ما وصفوه باستهداف العاملين في قطاع التعليم بسبب مواقفهم النقابية أو مشاركتهم في احتجاجات مهنية، واعتبروا أن متابعة الأستاذة تمس بحقوق دستورية، في مقدمتها حرية التعبير وحق الاحتجاج السلمي، وهما حقان يكفلهما الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
ولم تقتصر ردود الفعل على مدينة طنجة، بل امتدت إلى عدد من الجهات في المغرب، حيث أعلنت تنسيقيات ونقابات تعليمية عن برامج احتجاجية تضامنا مع نزهة مجدي واحتجاجا على ما تعتبره تدهورا مستمرا في أوضاع المنظومة التعليمية.
في جهة الداخلة وادي الذهب، أصدر تنسيق نقابي بيانا عبّر فيه عن متابعته لمسار القضية القضائية، معلنا تنظيم وقفات احتجاجية داخل المؤسسات التعليمية، إضافة إلى وقفة أمام مقر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، إلى جانب أشكال رمزية للتضامن. وأكد البيان أن هذه الخطوات تأتي دفاعا عن كرامة نساء ورجال التعليم وعن الحق في التعبير عن المطالب المهنية دون خوف من المتابعة.
وفي إقليم الناظور، أعلنت التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد خوض إضراب إقليمي، احتجاجا على ما تصفه باختلالات بنيوية تعاني منها المنظومة التعليمية على المستويين الإقليمي والوطني، وربطت التنسيقية بين هذه الاختلالات وملف اعتقال الأستاذة نزهة مجدي، معتبرة أن المقاربة الأمنية لا يمكن أن تشكل بديلا عن الحوار.
أوضاع تعليمية مقلقة
وسلطت البيانات النقابية الضوء على جملة من المشاكل التي يعاني منها القطاع، من بينها الخصاص في الأطر التربوية والإدارية، ونقص الوسائل التعليمية في عدد من المؤسسات، خاصة في المناطق الهامشية، واعتبرت التنسيقيات أن هذه الأوضاع تؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ، وتزيد من الضغط على الأطر التعليمية.
كما جددت التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد مطلبها بإسقاط نظام التعاقد والإدماج الكامل في أسلاك الوظيفة العمومية، معتبرة أن هذا المطلب يشكل مدخلا أساسيا لتحقيق الاستقرار المهني وضمان استمرارية العمل بالمرفق العمومي في المملكة المغربية.
ويأتي هذا الحراك في سياق نقاش وطني مستمر حول إصلاح منظومة التعليم العمومي في المغرب، خاصة منذ اعتماد نظام التوظيف الجهوي عبر الأكاديميات عام 2016. وقد قُدم هذا النظام حينها كحل لمعالجة الخصاص في الموارد البشرية وتسريع وتيرة التوظيف، غير أنه سرعان ما تحول إلى بؤرة توتر داخل القطاع.
ومنذ إطلاقه، عبّر عدد كبير من العاملين في قطاع التعليم عن رفضهم لهذا النظام، معتبرين أنه يكرس الهشاشة الوظيفية ويحد من الاستقرار المهني، في حين تؤكد السلطات أن التوظيف الجهوي يندرج ضمن رؤية شاملة لإصلاح القطاع وتحسين الحكامة وضمان استمرارية الخدمة العمومية.
وشهد القطاع خلال السنوات الماضية موجات متكررة من الإضرابات والاحتجاجات، تخللتها جولات من الحوار بين الوزارة الوصية والنقابات التعليمية، أسفرت عن إدخال تعديلات على الوضعية الإدارية لبعض الفئات، ومع ذلك، لا يزال مطلب الإدماج الكامل في الوظيفة العمومية مطروحا بقوة لدى شريحة واسعة من نساء ورجال التعليم.
قضية نزهة مجدي
تعود قضية الأستاذة نزهة مجدي، وفق معطيات صادرة عن تنسيقيات ونقابات تعليمية، إلى متابعتها قضائيا على خلفية مشاركتها في احتجاجات سابقة مرتبطة بملفات مطلبية تخص قطاع التعليم. وقد أثار توقيفها موجة تضامن داخل الأوساط التعليمية والحقوقية، حيث اعتبر نشطاء نقابيون أن هذه المتابعة تشكل سابقة مقلقة وتمس جوهر الحق في الاحتجاج.
في المقابل، تؤكد الجهات الرسمية في سياقات مشابهة أن التعامل مع مثل هذه القضايا يتم في إطار تطبيق القانون والمساطر الجاري بها العمل، مع التشديد على ضرورة احترام النظام العام واستمرارية المرافق العمومية.
في انتظار المآل النهائي للقضية، ما تزال متابعة ملف نزهة مجدي تثير نقاشا واسعا داخل القطاع التعليمي، بين من يدعو إلى تغليب المقاربة الحوارية في معالجة الملفات المطلبية وتفادي التصعيد، ومن يشدد على ضرورة احترام القانون في جميع الحالات، ويجمع عدد من الفاعلين على أن غياب حلول جذرية للمشكلات البنيوية يسهم في تأجيج الاحتقان ويدفع نحو تكرار الأزمات.
دعوات لتخفيف الاحتقان
وتأتي هذه التطورات في سياق عام يتسم بتوتر اجتماعي داخل قطاع التعليم، نتيجة تراكم مطالب مهنية واجتماعية ونقاش مستمر حول النظام الأساسي الجديد وإصلاح المنظومة التربوية، وفي هذا الإطار، تتعالى دعوات نقابيين وحقوقيين لاعتماد الحوار الجاد والمسؤول كمدخل أساسي لتخفيف الاحتقان وضمان الاستقرار الاجتماعي، بما يخدم مصلحة المدرسة العمومية وكرامة العاملين فيها.
يعد قطاع التعليم في المغرب من أكثر القطاعات العمومية حيوية وحساسية، نظرا لدوره المركزي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومنذ اعتماد إصلاحات متتالية خلال العقود الأخيرة، ظل هذا القطاع مسرحا لتجاذبات بين الدولة والنقابات التعليمية حول قضايا التوظيف والاستقرار المهني وجودة التعليم، ويأتي نظام التوظيف الجهوي الذي أطلق عام 2016 في قلب هذا الجدل، حيث ترى فيه الحكومة آلية إصلاحية، في حين يعده معارضوه مصدرا للهشاشة.
وفي هذا السياق، تبرز قضايا المتابعة القضائية لأساتذة وناشطين نقابيين، مثل قضية نزهة مجدي، كمؤشر على عمق الأزمة وتعقيدها، وعلى الحاجة الملحة إلى مقاربة شاملة تقوم على الحوار واحترام الحقوق والحريات، لضمان مستقبل أكثر استقرارا للمنظومة التعليمية في المغرب.











