أنجيلا ميركل.. «امرأة حديدية» قادت ألمانيا 16 عاماً
أنجيلا ميركل.. «امرأة حديدية» قادت ألمانيا 16 عاماً
“هل أريد أن أكتب، هل أريد أن أتحدث، هل أريد أن أقوم برحلات في الطبيعة، هل أريد أن أبقى في المنزل، هل أريد أن أجوب العالم؟ قررت ألَّا أقوم بأي شيء في الوقت الحاضر.. سأبدأ بإغلاق عيني لأنني متعبة، سأنام قليلا، وبعدها سنرى إلى أين سيقودني ذلك”.. هكذا قالت أنجيلا ميركل عقب انتهاء فترة ولايتها في المستشارية الألمانية.
وتغادر أنجيلا ميركل اليوم الأربعاء، منصبها لتتقاعد في سن الـ67، إذ ينتهي اليوم فصل طويل من تاريخ ألمانيا المعاصر مع انتخاب مجلس النواب (البوندستاج) الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس، مستشارًا للبلاد، طاويًا صفحة حكم ميركل، الذي استمرّ 16 عامًا و15 يوماً.
وبذلك تكون ميركل أمضت في السلطة 5860 يومًا، إلا أنها ستغادر قبل تسعة أيام من تمكنها من كسر الرقم القياسي الذي سجّله هيلموت كول في الحكم، وستُسلّم ميركل مقاليد الحكم إلى اليسار الوسطي للمرة الأولى منذ كان غيرهارد شرودر مستشارًا للبلاد.
وحتى الساعات الأخيرة قبل أن تغادر منصبها، بقيت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منشغلة بمهامها الرسمية، تتصل بزعماء العالم من مكتبها داخل مقر المستشارية الألمانية قبل أن تغادره اليوم للمرة الأخيرة.
حلم المعلمة
وعملت أنجيلا ميركل “نادلة” في حانة بينما كانت تدرس الفيزياء في ألمانيا الشرقية الشيوعية وانتقلت فيما بعد للعيش في شقة في برلين، وفقا لما كتبته الصحفية الألمانية باتريشيا ليسنير كراوس في كتاب صدر مؤخرا لها يتحدث عن السيرة الذاتية لأول مستشارة ألمانية وحمل عنوان: “ميركل.. السلطة.. السياسة”.
وكانت ميركل خلال مرحلة المراهقة الطالبة الأولى على مدرستها وكانت ترغب في أن تصبح معلمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبها بها، بسبب عمل والدها.
وكان والدها الذي عمل قِساً قدم إلى الغرب من الشرق ولكن عمله أعاده إلى الشرق مرة أخرى، وكانت والدتها تعمل في تدريس اللغتين الإنجليزية واللاتينية في ألمانيا الغربية ولكنها منعت من العمل بسبب عمل زوجها في الكنيسة.
ودرست ميركل في لايبزيج من عام 1973 وحتى عام 1978، وحصلت على درجة الدكتوراه في برلين الشرقية عام 1986 تحت إشراف البرفسور يواكيم زاور الذي أصبح في ما بعد زوجها الثاني.
وعملت أنجيلا ميركل خبيرة في الكيمياء بالمعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم من 1978 إلى 1990.
دخول عالم السياسة
لم تنخرط أنجيلا ميركل في الحياة السياسية إلّا بعد سقوط حائط برلين في عام 1989 حيث عملت في المساعدة في ربط أجهزة الحاسوب في مكتب حزب ديمقراطي جديد، ثم التحقت في ما بعد بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل شهرين من توحيد ألمانيا.
وفور سقوط جدار برلين عام 1989 انضمت ميركل إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، وعينت في حكومة هلموت كول وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية.
وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عينت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002.
وفي انتخابات عام 2005، فازت ميركل بفارق ضئيل على المستشار، غيرهارت شرويدر، وبعد التحالف بين “المسيحي الديمقراطي” و”الاجتماعي الديمقراطي”، عينت ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضا أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة.
وأعيد انتخابها لفترة ثانية عام 2009، ثم لفترة ثالثة عام 2013.
“المرأة الحديدية”
أطلقت وسائل الإعلام المختلفة حول العالم على “أنجيلا ميركل” العديد من الألقاب منها “المرأة الحديدية”، وذلك لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، كما يطلق عليها الألمان لقب “الأم”، لما يجدون فيها من عاطفة وتفاعل مع متطلباتهم الاجتماعية.
وصنفتها مجلة “فوربس” الأمريكية “أقوى امرأة في العالم” نظرا لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت تودي بأخرى إلى الإفلاس.
وفاجأت المستشارة الألمانية العالم عندما فتحت حدود بلادها لجميع اللاجئين في 2005 عندما اشتدت أزمة المهاجرين الهاربين من الحروب والمجاعة نحو أوروبا، ومقتل الآلاف منهم في البحر الأبيض المتوسط.
وواجهت تأنجيلا ميركل معارضة كبيرة في بلادها بعد دخول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا، وتراجعت شعبيتها في الانتخابات، لكنها تمسك بموقفها من اللاجئين، وكان يتوقع أن تفوز بجائزة نوبل للسلام.
ولكن صورة ميركل مختلفة في دول مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، إذ تصفها وسائل الإعلام هناك بالشدة والتجبر، لأنها فرضت، من خلال الاتحاد الأوروبي، على هذه الدول إجراءات تقشف صارمة، عانت منها طبقات اجتماعية واسعة.