نازحو شرق الكونغو الديمقراطية بين الموت جوعاً ونيران المتمردين
نازحو شرق الكونغو الديمقراطية بين الموت جوعاً ونيران المتمردين
“إما أن نموت جوعًا، أو نخاطر بجني محصول حقلنا” ونتعرض لنيران متمردي حركة "إم 23"، هكذا تقول فراها نييموتوزو بلسان حال آلاف النازحين من العنف والقتال في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية.
و"إم 23" (حركة 23 مارس) هي حركة تمرد سابقة للتوتسي الكونغوليين بدعم من رواندا وأوغندا، هُزمت في عام 2013، وتُتهم الحركة منذ نوفمبر 2021 بمهاجمة مواقع الجيش في الكونغو.
ومذّاك الحين، سجّلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو "200 ألف نازح جديد" في روتشورو، بحسب المسؤول الإعلامي في إقليم شمال كيفو بلاز نغوي الذي لفت إلى أن "معظم النازحين يعيشون مع عائلات مضيفة"، والمفوضية تدعم "4 آلاف أسرة"، بحسب فرانس برس.
أمام ملعب روغابو الذي كان يستضيف مباريات لكرة قدم قبل الحرب، تلفت أنظار الحشد خيم بيضاء تحمل أحرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين باللون الأزرق، بالإضافة إلى دخان منبعث من خشب الطهي.
تنام في الملعب 1500 أسرة موزّعة على خيم تستوعب كلّ منها 40 أسرة، كحدّ أقصى، ويبلغ حجم الأسرة في المعدل 6 أفراد.
ويقول مدير مكتب المفوضية في غوما بيار أتشوم، خلال لقاء مع صحفيين من وكالة فرانس برس، "نحن بحاجة إلى 225 مليون دولار للاستجابة إلى حاجات النازحين في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، لكن حتى هذا اليوم، حصلنا على 43 مليون دولار فقط، أي 19%".
ويتابع "الحاجات هائلة والأزمة تزداد عمقًا"، مبديًا خوفه من التداعيات الضارة للوقف الدائم المحتمل لأنشطة المفوضية في هذه المنطقة التي لا تحظى بالاهتمام نفسه مثل الحرب في أوكرانيا على سبيل المثال.
حقول الموزّ فخّ
تقول جوليين نييرامانا، وهي أمّ لأربعة أطفال، "الأمر صعب بالنسبة لمن لديه عائلة، نطلب المساعدة لكي نتمكّن من العودة إلى قرانا".
أمّا النازح إيمانويل هاكزيموامي (35 عامًا)، الأب لأربعة لأطفال، فيقول "سيقضي علينا الجوع بمجرّد أن تجد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نفسها غير قادرة على التدخّل لمساعدتنا".
والحياة في الملعب ليست سهلة.. حيث تقول أنطوانيت سيموشو (25 عامًا) الأمّ لطفلين وهي تبكي "كان أطفالي يأكلون 3 مرّات على الأقلّ يوميًا عندما كنّا نعيش في قريتنا، هنا، بالكاد نأكل مرّة واحدة".
يحتلّ قريتها متمرّدون من حركة "إم 23"، وتتساءل "ماذا سيحلّ بنا حين لن يكون هناك أي شيء من قبل المفوضية؟"
تلعب إينيس (10 أعوام)، وهي ترتدي قميصًا أسود ممزّقًا، مع شقيقها الهزيل تحت أشعّة الشمس الحارقة، وتظهر على أطفال آخرين أيضًا علامات سوء التغذية.
المشهد نفسه يتكرّر في قرية نتاموغينغا الواقعة في وادٍ تطلّ عليه تلّة تستخدمها حركة "إم 23" كموقع متقدّم، وتنتشر نحو 7200 أسرة في 4 مواقع، ويقع خطّ المواجهة على بعد 500 متر من القرية التي تضمّ 4 مواقع لإيواء اللاجئين.
وتشكّل حقول أشجار الموز، التي تفصل بين الجيش الكونغولي ومتمرّدي حركة "إم 23"، فخًّا لمن يحاول التسلّل إليها للحصول على طعام.
ويوضح رئيس القرية سيليستان نياموغيرا "بالنسبة للمتمرّدين، يُعتبر من يقترب من الحقول جنديًا أو مخبرًا، أي جاسوسًا للجيش".. ويتابع "غالبًا ما يطلقون النار دون سابق إنذار".
وتقول إسبيرانس (32 عامًا)، الأمّ لثلاثة أطفال، "حاولنا، أنا و3 نساء نازحات أخريات، البحث عن الطعام، سرق المتمردون ما حصدناه وجُلدنا على صدورنا، انتهى بنا المطاف في المستشفى".
ونوّه نياموغيرا إلى ضرورة أن تتوصل الحكومة إلى "حلّ لإعادة السلام"، من أجل استعادة السكان مساكنهم و"تجنّب موت الأطفال وكبار السنّ من الجوع هنا".
ومنذ نهاية نوفمبر 2021، ينفّذ الجيشان الكونغولي والأوغندي عمليات مشتركة في محاولة للقضاء على القوات الديموقراطية المتحالفة، لكنهما فشلا حتى الآن في وضع حد للمجازر والعنف.
وتنشط أكثر من 120 ميليشيا في شرق الكونغو الديموقراطية منذ نحو 30 عامًا، بينها متمردو "القوات الديمقراطية المتحالفة" التي يقول تنظيم داعش الإرهابي إنها فرعه في وسط إفريقيا.
بلغ عدد النازحين الهاربين من أعمال العنف في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية نحو 900 ألف منذ مطلع العام، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وجاء في تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن "أكثر من 877 ألف شخص هم في حالة نزوح داخلي منذ بداية عام 2022" في الكونغو الديموقراطية.
وفي الفترة نفسها، بحسب التقرير، عاد أكثر من 446 ألف شخص إلى أماكن عيشهم المعتادة.
وبحسب أوتشا، تعد الكونغو الديموقراطية حاليا 4,86 مليون نازح، تشكل النساء 51% منهم.
وأشار تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن "أكثر من 80% من عمليات النزوح (في صفوف سكان الكونغو الديموقراطية) سببها الهجمات والمواجهات المسلّحة" الناجمة عن الأنشطة غير المشروعة لجماعات مسلّحة محلّية وأجنبية تنشط في هذه المنطقة من البلاد.