تحسين الأسطل لـ«جسور بوست»: الصحفيون في مرمى نيران إسرائيل منذ اليوم الأول للعدوان
الجيش الإسرائيلي منع نحو 4 آلاف صحفي عربي وأجنبي من دخول غزة
يأتي الاحتفال باليوم الدولي لحقوق الإنسان هذا العام والذي يوافق 10 ديسمبر، وقد بلغ السيل الزبي في قطاع غزة الذي انهارت فيه الحقوق في كافة المجالات الصحية والتعليمية والغذائية وحتى الحق في الحياة، إذ لا يزال آلاف الضحايا في الشوارع وتحت الأنقاض، جراء مواصلة قوات الجيش الإسرائيلي اجتياحها البري والبحري والجوي منذ 7 أكتوبر 2023.
وأدى الهجوم الإسرائيلي إلى استشهاد أكثر من 44.600 مدني فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 105 آلاف شخص آخرين، فيما أدى الحصار المشدد إلى قطع الضروريات الأساسية من الغذاء والمياه والكهرباء والوقود عن غزة، والهجمات على البنية التحتية وانهيار الرعاية الصحية والمجاعة الوشيكة وأزمة إنسانية غير مسبوقة.
وجاء الصحفيون الفلسطينيون في مقدمة المدنيين المستهدفين من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، إذ استشهد 191 صحفيا وإعلاميا ومصورا على يد قوات الجيش الإسرائيلي، منذ بداية الحرب على غزة قبل أكثر من عام، وهو عدد غير مسبوق مقارنة بالنزاعات السابقة.
وبحسب تقديرات نقابة الصحفيين الفلسطينية، استُهدف الكثير من الصحفيين أثناء تغطيتهم للأحداث أو قُتلوا مع أسرهم في غارات جوية على المناطق السكنية، وأدى هذا الاستهداف المتعمد للصحفيين في غزة، إلى أن يكون القطاع ضمن أخطر بيئات العمل في العالم، حيث كانت عمليات القتل جزءاً من نمط متكرر يستهدف الصحفيين لمنع إيصال الحقائق عن الأوضاع المأساوية في غزة إلى المجتمع الدولي.
"جسور بوست" حاورت الكاتب الصحفي الفلسطيني تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ليكشف عن أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين في أكبر منطقة إبادة جماعية في الشرق الأوسط، وضمانات حماية الصحفيين الميدانيين في غزة، ودور الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي في القضية الفلسطينية.
وإلى نص الحوار..
ما أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي بات أكبر منطقة إبادة جماعية بالشرق الأوسط؟
بداية يجب التأكيد على أن قطاع غزة لم يعد منطقة نزاع فحسب، بل أصبح أكبر منطقة إبادة جماعية بحق المدنيين الأبرياء والعزل في التاريخ، حيث يستهدف الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد ومباشر جميع المدنيين في مختلف المناطق، وفي مقدمتهم الصحفيون، الذين يتعرضون للقتل والتشريد والترويع والاعتقالات، واستهداف أفراد العائلة والمنازل والممتلكات بشكل ممنهج، لطمس الجرائم الوحشية ضد النساء والأطفال خلال العدوان الغادر على القطاع.
وبالتالي الاختلاف يكمن في أن جميع أماكن الصراع والنزاع، كان الصحفيون يسقطون أو يصابون نتيجة خطأ أو عدم تقدير موقف أو نتيجة اتخاذ إجراءات خاطئة من أي طرف من أطراف الصراع، ولكن في الحالة الفلسطينية في غزة، كان هناك تعمد من الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الصحفيين في إطار الاستهداف العام والتدمير العمدي لكل الحياة المدنية والعصرية بمختلف كياناتها ومؤسساتها في غطاء غزة.
المشهد العام في غزة بعد أكثر من عام على الحرب يثبت أن الجيش الإسرائيلي يخوض حربا ضد الحقيقة باستهداف وقتل أكثر من 190 صحفيا وإصابة أكثر من 300 آخرين وتدمير 88 مؤسسة إعلامية، بخلاف تدمير عشرات المنازل للصحفيين والتهجير القسري لأكثر من 1000 صحفي من أماكن إقامتهم إلى أماكن أخرى، حيث يعيشون الآن في المخيمات ومراكز الإيواء، الأمر الذي يصنف وفق القانون الدولي الإنساني على أنه "جريمة حرب" أرادت السلطات الإسرائيلية من خلالها أن ترسل روايتها فقط للعالم وتخفي رواية المدنيين الفلسطينيين.
برأيك هل الإعلام الفلسطيني قادر رغم التحديات والتهديدات على مواجهة التشويه الإسرائيلي للرواية الفلسطينية؟
يواصل الصحفيون الفلسطينيون نضالهم الشجاع لنقل الحقيقة وفضح الممارسات الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين، غير عابئين بالمخاطر التي تهدد حياتهم. ومع ذلك، يواجه هؤلاء الصحفيون تحديات جسيمة، أبرزها التضييق المتعمد والاستهداف المباشر الذي يعيق إيصال الصورة الكاملة لحجم الجرائم المرتكبة إلى العالم.
تشير الإحصائيات إلى أن ما يُنقل من الجرائم التي تحدث بحق سكان غزة لا يتجاوز 2% فقط من الواقع المأساوي. ويعود ذلك إلى سلسلة من الانتهاكات الممنهجة، بما في ذلك اغتيال الصحفيين وتدمير المؤسسات الإعلامية، في محاولة لطمس الحقيقة وتكميم الأصوات التي تسعى لفضح هذه الجرائم أمام المجتمع الدولي.
رغم ذلك، يثبت الصحفيون الفلسطينيون يومًا بعد يوم التزامهم برسالتهم السامية، متحدّين كل القيود لإيصال صرخات شعبهم إلى العالم، آملين أن يساهم توثيقهم لهذه المآسي في تحقيق العدالة وإنهاء معاناة المدنيين.
بشكل واضح السلطات الإسرائيلية لا تريد أن تصل الرواية الفلسطينية الحقيقية إلى العالم، ولا يريد حتى أن يكشف الرواية المستقلة التي توثق ما يرتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، وبالتالي خاض من اللحظات الأولى حربا ممنهجة بحق كل وسائل الإعلام، من خلال ملاحقة الصحفيين وتدمير منازلهم على رؤوسهم مع عائلاتهم، حتى أصبح الصحفي الفلسطيني لا يأمن على حياته أو حياة ذويه أو حياة مصادره في ظل ما يرتكب من جرائم من قبل الجيش الإسرائيلي.
ما وصفك لدور الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل في القضية الفلسطينية على مدى أكثر من عام على الحرب؟
الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن ساهمت بشكل كبير في فضح ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من جرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى حشد تضامن عالمي مع الشعب الفلسطيني بفضل ما نقل من صور حية لما يتعرض له المدنيون في كل مناحي الحياة، من خلال القصص الإنسانية الخطيرة التي استطاعت أن تصل إلى العالم بعدة لغات من خلال الفضاء الإلكتروني.
وهو ما دفع جيش إسرائيل إلى مواصلة آلة التدمير والقتل وقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت لتحجيم العمل الصحفي وكتم صوت صراخ الشعب الفلسطيني الأعزل، والشعب الفلسطيني الآن في أشد الاحتياج إلى التفاعل العالمي مع قضيته العادلة في جميع وسائل الإعلام العربية والدولية ومنصات التواصل الاجتماعي، لزيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لوقف هذه الجريمة التي ترتكب يوميا بحق الإنسانية في قطاع غزة تحت مسمع ومرأى العالم.
في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية الممنهجة، ما الذي يلزم لضمان حماية الصحفيين الفلسطينيين ميدانياً من وجهة نظرك؟
بحسب دراسة أعدها مركز التضامن الإعلامي التابع لنقابة الصحفيين الفلسطينية، فإن السلطات الإسرائيلية منعت أكثر من 4 آلاف صحفي أجنبي وصلوا من دول العالم لتغطية الحرب على غزة، حيث لم يتم قبول أي طلب لدخول القطاع، وجميعهم كانوا خاضعين للرقابة العسكرية الإسرائيلية لنقل رواية من جانب واحد فقط دون نقل عذابات الفلسطينيين خلال العدوان في القطاع إلى العالم.
وهذا العدد الكبير يفوق 3 أضعاف عدد الصحفيين الذين قاموا بتغطية الحرب الأوكرانية الروسية، الأمر الذي يعد جريمة بحق الصحفيين والصحافة في العالم، ومع ذلك ساد الصمت داخل وسائل الإعلام الأجنبية وغالبية الاتحادات والنقابات العالمية عن هذه الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي.
ومن هنا نقول إن حماية الصحفيين في ميدان الحرب تبدأ من ضمان حريتهم في الحركة والوصول إلى مواقع الأحداث ومصادر المعلومات، وكذلك ضمان وصول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة لنقل الحقائق وفضح الجرائم التي يرتكبها يوميا الجيش الإسرائيلي على مدى أكثر من عام بحق المدنيين العزل، ما يستدعي تدخلا دوليا عاجلا على كافة المستويات لتوفير الحماية الدولية للصحفيين الفلسطينيين باعتبارهم الفئة المنوط بها المهمة الإنسانية الأولى لفضح الجرائم الإسرائيلية بحق الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني.
ما الدور الذي تلعبه نقابة الصحفيين الفلسطينية لدعم الصحافة والعاملين بها؟ وهل هناك خطط للتعاون مع النقابات الصحفية في الدول العربية والإسلامية؟
نقابة الصحفيين الفلسطينيين حريصة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على التواصل الدائم مع كل النقابات والاتحادات الدولية في العالم، من أجل حشد التأييد والتضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وتقديم استغاثات عاجلة لضمان حماية الصحفيين الميدانيين، حيث تم تنظيم مؤتمر الإعلام الفلسطيني الأول بالتعاون مع منظمة "اليونسكو" بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، بهدف تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية بصورة كاملة وفي القلب منها ما يتعرض له الصحفيون الفلسطينيون.
وبالفعل لدينا اتفاقيات تعاون مع الاتحاد العام للصحفيين العرب، إضافة إلى جميع نقابات واتحادات الصحفيين العربية، وفي مقدمتها نقابة الصحفيين المصريين، والتي فتحت أبوابها للصحفيين الفلسطينيين وقدمت كل الدعم والتضامن والمساعدة، يأتي ذلك إضافة إلى إنشاء 3 مراكز للتضامن الإعلامي في خان يونس، ودير البلح، ومدينة غزة، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين والأمم المتحدة، لتقديم الدعم للصحفيين في قطاع غزة.