احتفالات تجمع العالم.. كيف يُعزز «الكريسماس» التسامح الديني والتقارب الثقافي بين الشعوب؟
احتفالات تجمع العالم.. كيف يُعزز «الكريسماس» التسامح الديني والتقارب الثقافي بين الشعوب؟
تلعب احتفالات الكريسماس دورًا مهمًا في تعزيز التسامح الديني والتقارب الثقافي بين الشعوب في مختلف دول العالم، وتعد هذه الاحتفالات فرصة للمجتمعات المختلفة للتعرف على تقاليد المسيحيين الكاثوليك، ما يعزز الإدراك والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة.
وتصادف ليلة عيد الميلاد 24-25 ديسمبر لدى الطوائف المسيحية الغربية، و6-7 يناير لدى طوائف المسيحية الشرقية، وسبب وجود الفارق بين اليومين هو اختلاف التقويمين اليولياني والغريغوري اللذين يعودان للسنة الرومانية والمصرية القديمة التي تشمل 365 يوما و6 ساعات (السنة الشمسية).
ويعتبر الكريسماس فرصة عالمية لتوحيد الجهود الإنسانية وتعزيز السلام والمحبة في وقت يحتاج فيه العالم بشدة إلى هذه القيم، حيث تساهم بشكل كبير في نشر رسالة السلام والمحبة عالميًا من خلال القيم التي تمثلها والتأثيرات الإيجابية التي تحققها على الأفراد والمجتمعات.
ويصاحب الاحتفال بالكريسماس العديد من الأنشطة والفعاليات المبهجة، مثل تزيين الأشجار وتوزيع الهدايا والتجمعات العائلية، وهي المظاهر التي تحمل طابعًا إنسانيًا عامًا وغير مقصور على دين معين، ومن ثم فإن المشاركة في مثل هذه الأنشطة تخلق جسورًا بين الأديان والثقافات المختلفة.
ويحمل الكريسماس في جوهره رسالة المحبة والسلام التي تتماشى مع القيم الإنسانية المشتركة، وبالتالي فإن التركيز على هذه الرسائل يمكن أن يساعد في بناء تفاهم أكبر بين المجتمعات، فضلا عن كونه مناسبة للعطاء والتضامن مع الفقراء والمحتاجين، وهي قيم مشتركة بين الأديان.
ويوفر إقامة فعاليات تعليمية أو ثقافية حول الكريسماس وتاريخه ورموزه فرصة للتعرف على الجوانب الثقافية والدينية المرتبطة به، ما يثري فهم المجتمعات لبعضها، إذ تنظم بعض البلدان فعاليات بشكل يفتح المجال للأشخاص من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة للمشاركة والاستمتاع، ما يعزز التفاعل الإيجابي.
احتفالات تنعش الأسواق
وتنتعش الأسواق التقليدية التي تقام في المدن الكبرى، على خلفية الاحتفالات بالكريسماس، حيث تستقطب الزوار من مختلف الخلفيات، كما تنتشر المبادرات الخيرية المشتركة مثل توزيع الهدايا والوجبات للفقراء بغض النظر عن دينهم.
ورغم الفوائد والمكاسب الثقافية، تواجه الاحتفالات بالكريسماس بعض التحديات مثل التأويلات الخاطئة أو الاستخدام السياسي، ما يتطلب حساسية واحترامًا لتنوع الآراء، لا سيما وأن تلك الاحتفالات تعد أداة فعالة لتعزيز التفاهم والتسامح إذا تم التعامل معها كفرصة للحوار والتفاعل البناء.
في المناطق التي تعاني من الحروب أو النزاعات، يمكن أن تكون احتفالات الكريسماس مناسبة لتخفيف التوتر والدعوة إلى التهدئة والتسامح، لا سيما وأن مظاهر الاحتفالات العالمية تقوم على أضواء الزينة والأشجار والأغاني، ما يساهم في التقارب بين الثقافات وتبادل الأفكار وخلق إحساس بوحدة الإنسانية.
وغالبا ما تحمل الأفلام والأغاني والإعلانات المرتبطة بالكريسماس رسائل تدعو إلى السلام والمحبة والتعايش المشترك، وهذه الوسائط تصل إلى ملايين الأشخاص، مما يعزز نشر قيم التسامح والأخوة والإنسانية على الصعيد العالمي.
الكريسماس في دول النزاعات
وانتشرت التغريدات المهنئة باحتفالات الكريسماس من مختلف الدول العربية على منصات التواصل الاجتماعي، كما انتشرت الصور والمقاطع المصورة "فيديو" التي تدعو إلى ترسيخ قيم المحبة والسلام والأمان في عالم تغمره الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة.
وقال النائب والمحامي اللبناني، ملحم خلاف، نقيب المحامين السابق في بيروت، إنه في احتفالات الكريسماس تنشد الأناشيد وتصدح الأصوات فرحاً ومسرةً وسلاماً للبشرية في جميع أنحاء المعمورة، حيث تبدلت فيه المفاهيم والقواعد والسلوكيات، حيث سقط العنف أمام المحبة، وتحول البغض والكراهية إلى حب، وأصبحت المجانية عنوان الخدمة، من دون معيار أو تمييز.
وأضاف خلاف في تغريدة عبر حسابه على منصة "X": أن هذه المناسبة تمثل "نهجا لخلاص البشرية مما تتخبط فيه من مصالح وكراهية وحسد وبغض وتمييز وإقصاء، ونهجا للحب والعطاء المجاني، ونهجا للتسامح اللامحدود والخدمة المتواضعة المتفانية والمتساوية بين الجميع".
وقالت سفيرة دولة فلسطين لدى تشيلي، فيرا بابون، إن شهر ديسمبر هو وقت للتأمل العميق والاحتفال والتجدد، إذ يمثل الموسم المقدس لميلاد السيد المسيح الدعوة لتكريم وتجديد قيم السلام والأمل والعدالة وخاصة ونحن كفلسطينيين نواجه نكبتنا الثانية في غضون 76 عامًا.
وأوضحت بابون في تغريدة عبر حسابها على منصة "X": "بالنسبة للكثيرين، السلام هو حق يعيشونه بشكل تلقائي، أما بالنسبة للفلسطينيين، فالسلام هو طموح عميق، نعمة عزيزة لم تتحقق بعد، بينما نحتفي بالموسم المقدس لعيد الميلاد، تتجه أفكارنا إلى بيت لحم، المدينة التي شهدت ميلاد أمير السلام والتي تبقى رمزًا خالدًا للرحمة وحسن النية وإنسانيتنا المشتركة".
وأضافت: "أن رسالة بيت لحم الدائمة تدعونا إلى الدفاع عن العدالة وصون كرامة كل إنسان، مع تصور مستقبل يكون فيه السلام ليس امتيازًا لبعضٍ فقط، بل واقعًا مشتركًا للجميع، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، عيد ميلاد مجيد، وسنة جديدة 2025 فيها السلام عنوان".
وقال البابا تواضروس الثاني بطريرك الأقباط الأرثوذكس: "قلوبنا تعتصر ألمًا من أجل إخوتنا، ونصلي طالبين لهم سلامًا، والسلام هو طلبتنا الدائمة في صلواتنا (..) في نهاية السنة نحتاج دومًا أن نشكر الله على نعمه التي منحنا إياها خلال أيام السنة، ونقدم توبة ونطلب غفرانًا".
وأضاف البابا تواضروس، بمناسبة احتفالات الكريسماس: "في ضوء الأوضاع من حولنا في بعض المناطق فإن قلوبنا تعتصر ألمًا من أجل إخوتنا، ونصلي طالبين لهم سلامًا، والسلام هو طلبتنا الدائمة في صلواتنا: (يا ملك السلام أعطنا سلامك، قرر لنا سلامك)".
الكريسماس وثقافة السلام
وكتب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك لبنان، بمناسبة احتفالات الكريسماس: "تسلّم الأرض السلام لكي يصنعه بنو البشر، فالسلام عطيّة سماويّة ثمينة (..) هذا السلام مؤسّس على الحقيقة، ومبنيّ على العدالة، تنعشه المحبّة، وتجسّده الحريّة، والإنماء الشامل للإنسان والمجتمع هو الاسم الجديد للسلام، وطريق السلام يمرّ عبر الإنماء".
وأضاف البطريرك الراعي: "الرجاء فضيلة إلهيّة متأصّلة في الإيمان، وتغتذي بالمحبّة، والرجاء صلة وصل بين الإيمان والمحبّة، وبالتالي هي الفضيلة الأحبّ على قلب الله (..) إن الثقافة اللبنانيّة هي ثقافة العيش المشترك، والحوار بين المسيحيّين والمسلمين، على مستوى الحياة والثقافة والمصير المشترك، وثقافة الحريات العامة والانفتاح على الدول".
وتأتي احتفالات الكريسماس كفرصة عالمية مهمة لتجسيد قيم الإنسانية عبر العمل الخيري، لتحقيق أثر مستدام، وتمكين الفئات المهمشة وتعزيز العدالة الاجتماعية بين الشعوب، بما يساهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا.