من موائد الإفطار لروح التضامن.. رمضان يُشكل مفهوم التعايش بين المسلمين والمسيحيين بالعالم
من موائد الإفطار لروح التضامن.. رمضان يُشكل مفهوم التعايش بين المسلمين والمسيحيين بالعالم
يتجلى التضامن الإنساني بأسمى صوره خلال شهر رمضان المبارك، حيث يعكس المسيحيون في العالم العربي تعاطفًا عميقًا مع المسلمين الصائمين، خاصة عند تزامن الصيام الإسلامي مع فترات الصيام المسيحي، هذا التفاعل المتبادل ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تاريخ طويل من التعايش المشترك، ما يُبرز النسيج الاجتماعي الفريد الذي يميز المنطقة العربية.
ويحرص المسيحيون في مصر على احترام طقوس رمضان بشكل لافت، إذ يتجنب كثيرون تناول الطعام والشراب علنًا خلال النهار، تقديرًا لمشاعر المسلمين الصائمين، ووفقًا لاستطلاع أجراه مركز "بيو للأبحاث" عام 2022 فإن 89% من المسيحيين المصريين يلتزمون بعدم الأكل أو الشرب في الأماكن العامة خلال نهار رمضان، ما يُبرز مدى ترسخ هذه الثقافة داخل المجتمع المصري، كما يرى 76% منهم أن هذا السلوك يُعزز الوحدة الوطنية ويقوي العلاقات بين الطوائف المختلفة.
ويمثل لبنان نموذجًا للتعددية الدينية، حيث تظهر مشاعر التضامن جلية خلال رمضان، ففي بيروت، تُنظم موائد إفطار مشتركة تجمع المسلمين والمسيحيين على مائدة واحدة عقب أذان المغرب، ما يعكس قيم التسامح والاحترام المتبادل، ووفقًا لتقرير صادر عن "المجلس الوطني للسياسات الاجتماعية" عام 2023، يؤيد 67% من اللبنانيين فكرة الموائد المشتركة، بينما يرى 82% أنها تُسهم في ترسيخ التماسك الاجتماعي وتعزز الانسجام الوطني.
ثقافة الاحترام المتبادل
في الأردن، يُعتبر احترام مشاعر الصائمين تقليدًا راسخًا بين مختلف الطوائف.. تُظهر إحصاءات "الجمعية الأردنية للعلوم الاجتماعية" لعام 2023 أن 74% من المسيحيين الأردنيين يحرصون على عدم تناول الطعام أو الشراب علنًا خلال نهار رمضان، في مؤشر على الاحترام المتبادل، بينما يرى 68% أن هذه الممارسات تُعزز اللُحمة الوطنية.
وفي ظل الظروف السياسية الصعبة، يُعزز شهر رمضان مظاهر الوحدة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، ففي بيت لحم، تُقام موائد إفطار مشتركة تجمع أبناء الطائفتين في تعبير عن التعايش المشترك، ووفقًا لتقرير "مركز فلسطين للدراسات الاجتماعية" لعام 2023، فإن 72% من الفلسطينيين يؤيدون الموائد المشتركة، فيما يرى 85% أنها تُعزز الترابط الاجتماعي، ما يؤكد أن التضامن خلال رمضان يتجاوز البعد الديني ليصبح جزءًا من الهوية الوطنية.
وفي العراق وسوريا، حيث يواجه المجتمع تحديات اقتصادية وسياسية، تتجلى مظاهر التضامن بوضوح خلال رمضان.. في بغداد ودمشق، تُقام موائد إفطار مفتوحة تجمع المسلمين والمسيحيين، ما يُجسد قيم التسامح، ووفقًا لتقرير "مركز العراق للدراسات الاجتماعية" لعام 2023 فإن 65% من العراقيين يؤيدون الموائد المشتركة، فيما يرى 78% أنها تُعزز التماسك الاجتماعي، أما في سوريا فقد أظهر تقرير "مركز سوريا للدراسات الاجتماعية" أن 70% من السوريين يؤيدون هذه الممارسات، فيما يعتبر 80% أنها تُرسخ الروابط الوطنية.
ويؤكد التضامن بين المسلمين والمسيحيين خلال شهر رمضان أن العيش المشترك في العالم العربي ليس مجرد شعارات، بل ممارسة يومية تنعكس في احترام المعتقدات والتقاليد، ومن خلال هذه المظاهر يُرسَّخ مفهوم التلاحم الاجتماعي، ليظل رمضان مناسبة تُجسد معاني الأخوة والتعايش السلمي.
التضامن بين المسلمين والمسيحيين
وعن تجربته تحدث محمود طه، سوري عاش فترة في تركيا من أجل العمل وعاد إلى سوريا مؤخرا، قائلا إننا لا يمكننا إنكار أن هناك اختلافات عقائدية، لكنها لا تمنع روح التضامن التي تجمع الطرفين في لحظات تتجاوز البعد الديني إلى عمق إنساني عفوي في رمضان، فيصبح الامتناع عن الطعام والشراب ليس مجرد طقس ديني، بل تجربة مجتمعية تُشرك الجميع، سواء كان ذلك عن وعي وتقدير أو ببساطة بدافع الاحترام، وكمسلم سوري، لا أجد أي غرابة في أن يمتنع جيراني المسيحيون عن تناول الطعام في الأماكن العامة خلال الصيام، لم يطلب أحد منهم ذلك، ولم تُفرض عليهم هذه العادة بأي شكل، لكنها تحولت إلى نوع من الإحساس الجمعي الذي يجعل من رمضان شهرًا يشمل الجميع في دمشق.
وتابع طه، في تصريحات لـ"جسور بوست": يأخذ التضامن أشكالًا أخرى، أعمق من مجرد الامتناع عن الأكل أو الشرب في كثير من الأحيان، تجد مسيحيين يشاركون في موائد الإفطار الجماعية التي تنظمها الجمعيات الخيرية أو حتى العائلات المسلمة، هناك أصدقاء مسيحيون يحضرون مائدة الإفطار لا لتناول الطعام فحسب، بل لأنهم يعتبرونها لحظة اجتماعية لا تقل أهمية عن أي مناسبة أخرى، بعضهم يسأل عن تفاصيل الصيام وأحكامه، وبعضهم يشارك في توزيع التمر والماء على الصائمين في الطرقات، وكأن رمضان بالنسبة لهم أيضًا موسم لفعل الخير، لا يقتصر على المسلمين وحدهم.
واسترسل: في سوريا، حيث لا تزال جراح الحرب حاضرة، برزت هذه العلاقة أكثر، وكنتُ شاهدًا على مبادرات قادها شبان مسيحيون لإعداد وجبات إفطار للنازحين المسلمين، وهي مبادرات لم تكن بهدف الظهور الإعلامي أو تحقيق مكاسب، بل بدافع إنساني بحت، ومن المثير للتأمل أن بعض المسيحيين اختاروا الصيام جزئيًا تضامنًا مع أصدقائهم المسلمين، ليس كالتزام ديني، بل كشكل من أشكال التقارب الشعوري، هذه التفاصيل الصغيرة تجعل من رمضان شهرًا عامًا، لا يقتصر على فئة دون أخرى، بل يشمل كل من يعيش في هذا الفضاء الجغرافي والثقافي المشترك.
وتابع: لا يمكن إنكار أن هناك تفاوتًا في هذه المظاهر بين دولة وأخرى، وبين مدينة وأخرى، وحتى بين حي وآخر داخل المدينة ذاتها، ففي بعض المجتمعات المغلقة أو المتشددة قد يكون التفاعل أقل بين المسلمين والمسيحيين، بل وقد تُطرح تساؤلات حول مدى صحة هذه الممارسات، هناك أيضًا فئة من المسلمين لا ترى ضرورة لأن يُبدي المسيحيون هذا النوع من التضامن، باعتبار أن رمضان عبادة تخص المسلمين وحدهم. وبالمثل، هناك مسيحيون لا يرون ضرورة للامتناع عن الطعام في نهار رمضان، باعتبار أن لكل ديانة شعائرها الخاصة التي لا تُلزم الآخرين.
وأتم: ليس المطلوب من المسيحيين أن يصوموا، ولا من المسلمين أن يحتفلوا بعيد الميلاد، لكن الاحترام المتبادل يجعل الجميع قادرًا على العيش في مساحة مشتركة دون أن يشعر أحد بالإقصاء أو الإحراج، ما يميز رمضان في مجتمعاتنا ليس فقط كونه شهر الصيام، بل كونه فصلًا اجتماعيًا بامتياز، حيث تتحول العلاقات إلى مستوى أكثر حميمية في عالم يزداد فيه الاستقطاب والتوتر الطائفي، تبدو هذه المشاهد وكأنها نافذة مشرقة تذكرنا بأن التعدد لا يعني التباعد، وأن التضامن لا يعني الذوبان، بل يعني فقط أن يكون الإنسان إنسانًا.
تعايش ووحدة اجتماعية
وقال روني السيد، طبيب: إنني كمواطن لبناني، أرى أن التضامن المسيحي مع المسلمين خلال شهر رمضان هو جزء لا يتجزأ من نسيجنا الاجتماعي والثقافي الذي نعتز به لبنان، بتركيبته الفريدة وتنوعه الديني، يُعتبر نموذجًا للتعايش بين الأديان، رغم كل التحديات التي مر بها خلال رمضان، تتحول الشوارع والأحياء إلى فضاء مشترك يعكس الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، ففي بيروت، على سبيل المثال، يصعب أن تجد مسيحيًا يتناول طعامه أو شرابه علنًا خلال نهار رمضان، ليس لأن القانون يفرض ذلك، بل لأن الثقافة المجتمعية تُرسخ هذا السلوك كتعبير عن التضامن والاحترام.
وتابع السيد، في تصريحات لـ"جسور بوست": في لبنان، رمضان ليس شهرًا للمسلمين فقط، بل هو مناسبة اجتماعية وروحانية يشترك فيها الجميع، فالكثير من المسيحيين يشاركون في موائد الإفطار، سواء بدعوة من جيرانهم أو أصدقائهم المسلمين، أو من خلال المشاركة في المبادرات الاجتماعية التي تنظمها الجمعيات الخيرية المشتركة، هذه الموائد ليست مجرد لحظات لتناول الطعام، بل هي فرصة للحوار والتفاهم وتعزيز الروابط الإنسانية، أذكر مرةً أنني دعيت إلى إفطار في منزل صديق مسلم، وكانت تلك التجربة غنية بالحوارات حول القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية.
مسترسلًا: لكن هذا التضامن لا يقتصر على رمضان فقط، ففي لبنان نرى نفس الروح خلال الأعياد المسيحية، حيث يُظهر المسلمون احترامًا كبيرًا لطقوس إخوانهم المسيحيين، هذه العلاقة التبادلية تُعزز فكرة أن التعايش ليس مجرد شعار، بل هو أسلوب حياة، ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك تحديات تواجه هذا النموذج، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، فالتوترات الطائفية أحيانًا تُهدد هذا التوازن، لكنها تظل استثناءً وليست القاعدة.
وتابع: من وجهة نظري، التضامن خلال رمضان هو تعبير عن الهوية اللبنانية التي تتجاوز الانتماءات الدينية، ففي لبنان نتعلم منذ الصغر أن الاحترام المتبادل هو أساس العيش المشترك، هذا لا يعني أننا نتفق دائمًا على كل شيء، لكننا نتعلم كيف نختلف.. احترام رمضان، بالنسبة لي، هو تذكير بأننا كبشر، رغم اختلافاتنا، نستطيع أن نجد أرضية مشتركة تُعزز قيم المحبة والتسامح.
وأتم: أرى أن التضامن المسيحي مع المسلمين في رمضان هو جزء من تراثنا اللبناني الذي يجب أن نحافظ عليه ونعززه، ففي ظل كل التحديات التي نواجهها، تظل هذه الروح التضامنية بمثابة شمعة تُضيء طريقنا نحو مستقبل أكثر استقرارًا ووحدة؛ لبنان، بكل تنوعه، يُعلمنا أن التعايش ليس فقط ممكنًا، بل هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع قوي ومتماسك.