غربة وفقر ومساعدات شحيحة.. كيف تنتهك حقوق اللاجئين في رمضان؟

غربة وفقر ومساعدات شحيحة.. كيف تنتهك حقوق اللاجئين في رمضان؟
الاحتفال بشهر رمضان - أرشيف

تتفاقم معاناة ملايين اللاجئين والمشردين مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات معيشية صعبة وسط أزمات اقتصادية وسياسية تعصف بعدة دول، من بينها لبنان والأردن وفلسطين، ففي وقت يُفترض فيه أن يكون رمضان شهر التكافل والتضامن، يكافح هؤلاء لتأمين وجبة إفطار بسيطة، ما يجعل الحديث عن تحسين أوضاعهم ضرورة عاجلة تتجاوز نطاق الشهر الفضيل.

وأثرت الأزمة الاقتصادية الخانقة بلبنان في أوضاع اللاجئين السوريين والفلسطينيين، الذين يُقدر عددهم بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري وأكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومع تجاوز نسبة الفقر 80% من السكان، بات اللاجئون، الذين يعتمدون في معظمهم على المساعدات الدولية، غير قادرين على تأمين وجبات الإفطار والسحور.

ووفقًا لتقارير برنامج الأغذية العالمي، فإن 90% من اللاجئين السوريين في لبنان يعانون انعدام الأمن الغذائي، حيث يلجؤون إلى تقليل عدد الوجبات أو تناول أطعمة منخفضة الجودة، ما يزيد من معدلات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن، وبينما يسعى الجميع لتوفير وجبات رمضانية متكاملة، يقتصر طعام العديد من اللاجئين على الخبز والشاي وبعض الأطعمة المعلبة.

نقص التمويل يزيد من الضغوط

يواجه اللاجئون السوريون في الأردن، حيث يُقدر عددهم بنحو 760 ألف لاجئ مسجل، تحديات مشابهة؛ إذ يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية التي شهدت تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. 

ويعيش العديد منهم في مخيمات مكتظة مثل الزعتري والأزرق، حيث تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن 50% من اللاجئين يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي.

وفي المجتمعات الحضرية، حيث يعيش نحو 80% من اللاجئين السوريين، ازدادت الضغوط بسبب ارتفاع الأسعار وضعف فرص العمل، ما اضطر الكثير من الأسر إلى تقليل وجباتها خلال رمضان، في وقت يُفترض فيه أن يكون هذا الشهر مناسبة لتناول طعام متكامل.

أزمة مضاعفة بسبب الحصار

في فلسطين، تزداد الأوضاع سوءًا، ولا سيما في قطاع غزة، حيث يعاني 65% من السكان انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، ويعيش أكثر من مليون شخص على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا، فيما تحولت وجبة الإفطار المتكاملة إلى رفاهية لا يحلم بها كثيرون.

وفي الضفة الغربية، رغم أن الوضع الاقتصادي أفضل نسبيًا، فإن التوسع الاستيطاني والقيود المفروضة على الحركة تضعف قدرة الفلسطينيين على تأمين قوت يومهم، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع القدرة الشرائية.

يتحول رمضان بالنسبة للاجئين والمشردين إلى موسم إضافي من المعاناة، حيث تمر العائلات بجوار المحال التجارية التي تعرض أنواعًا متعددة من الأطعمة، لكن القدرة على الشراء شبه معدومة. 

وحتى بعض الأسر التي تعتمد على المساجد والمبادرات الخيرية، غالبًا لا تكفيها المساعدات في ظل تزايد الطلب، حيث انخفضت التبرعات الغذائية بنسبة 40% مقارنة بالأعوام السابقة، وفق تقارير المنظمات الإنسانية.

تداعيات صحية خطرة

يفاقم نقص الغذاء وسوء التغذية المشكلات الصحية التي تواجه اللاجئين، حيث تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية أن 45% من الأطفال اللاجئين يعانون فقر الدم، ما يعرضهم لمضاعفات صحية خطرة. 

ومع الصيام، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا، إذ يؤدي تناول وجبات غير متكاملة إلى ضعف القدرة على تحمل الصيام، ما يضطر البعض إلى الإفطار بسبب الإجهاد ونقص الطاقة.

ويتطلب تحسين أوضاع اللاجئين والمشردين خلال رمضان جهودًا متكاملة تتجاوز الحلول المؤقتة، حيث ينبغي على الدول المستضيفة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني العمل معًا لضمان حصول هذه الفئات على الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية.

كما ينبغي زيادة الدعم المالي للمنظمات الإغاثية، مثل برنامج الأغذية العالمي والأونروا والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لتأمين استمرار المساعدات الغذائية، ولا سيما مع التراجع الحاد في التمويل الذي أدى إلى خفض قيمة القسائم الغذائية بنسبة 30% في الأردن ولبنان خلال العام الماضي.

بالإضافة إلى تمكين اللاجئين اقتصاديًا عبر توفير فرص عمل، بدلاً عن الاعتماد الكلي على المساعدات، حيث تشير تقارير البنك الدولي إلى أن دمج اللاجئين في سوق العمل يمكن أن يخفف الضغط عن المساعدات الإنسانية، ما يمنحهم القدرة على تأمين احتياجاتهم الغذائية بأنفسهم.

ورغم وجود بعض المبادرات الإيجابية، مثل توفير فرص عمل في قطاعات الزراعة والإنشاءات في الأردن، فإن الوضع في لبنان يبقى أكثر تعقيدًا، حيث يواجه اللاجئون قيودًا صارمة على العمل، ما يزيد من هشاشة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

في ظل هذه الأوضاع، يظل رمضان شهر الاختبار الحقيقي لقيم التكافل والتضامن، لكن هذه القيم لن تتحقق إلا بجهود مستدامة تضمن للاجئين والمشردين حياة أكثر استقرارًا وأمانًا، بدلاً من أن يكون رمضان موسمًا إضافيًا للمعاناة.

صيام اللاجئين بين الحرمان والتكيف

عن تجربته تحدث سامر زيدان، طبيب سوري لاجئ بألمانيا، قائلًا: إن رمضان في الغربة تجربة مختلفة تمامًا عن تلك التي عرفناها في الوطن، لكنه بالنسبة للاجئين ليس مجرد شعور بالغربة، بل اختبار حقيقي للقدرة على التكيف مع واقع لا يشبه ما كان مألوفًا يومًا، هنا في ألمانيا، حيث تتوفر كل الأشياء المادية التي يحتاجها الإنسان ليعيش حياة كريمة، يبدو من السهل أن أتناسى تلك التفاصيل الصغيرة التي تشكل جوهر رمضان في بلدي، لكن ما إن أسمع عن أوضاع اللاجئين في المخيمات، أو أرى العائلات التي تكافح هنا في أوروبا، حتى أدرك أن ما نعده نحن تحديات في الغربة، ليس سوى رفاهية مقارنة بما يمر به من لا يزال عالقًا بين فقدان الوطن وصعوبة الحياة الجديدة.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، المشكلة الأساسية التي يواجهها اللاجئون في رمضان ليست فقط فقدان الأجواء الروحانية والاجتماعية التي كانت تملأ الشهر بالدفء، بل الصراع اليومي مع ظروف معيشية غير عادلة في المخيمات، حيث يعيش الآلاف من اللاجئين في ظروف سيئة، يصبح الحديث عن رمضان كوقت للراحة والعبادة نوعًا من الترف كيف يمكن للصيام أن يكون عبادة خالصة لمن لا يجد طعامًا يكفي لإفطار أطفاله؟ كيف يمكن الشعور بالسعادة الروحية في شهر الرحمة، عندما يكون أقصى ما يتمناه المرء هو ألا يضطر إلى الوقوف في طوابير المساعدات لساعات فقط ليحصل على كيس أرز أو علبة حليب؟

وأوضح أنه في المدن الأوروبية، حيث يعيش العديد من اللاجئين حياة تبدو من الخارج أكثر استقرارًا، فإن التحديات لا تقل قسوة، كثير من العائلات السورية هنا تعتمد على المساعدات الاجتماعية التي بالكاد تغطي الاحتياجات الأساسية، ومع ارتفاع الأسعار، يصبح تجهيز مائدة رمضانية أمرًا صعبًا، خاصة لمن لديهم عائلات كبيرة. في بعض الأحيان، يصبح رمضان شهر التقشف بدلًا من شهر الكرم، حيث يضطر اللاجئون إلى حساب كل نفقات الطعام بدقة خوفًا من انتهاء المعونات قبل نهاية الشهر.

ورغم أن الجمعيات الإسلامية والمساجد تحاول تقديم وجبات إفطار مجانية، فإن ذلك لا يعوض الشعور بالغربة، ولا يملأ الفراغ الذي يشعر به كثيرون عندما يحل موعد الإفطار دون أن يكون هناك أهل أو أصدقاء كما في الماضي. أحيانًا يصبح الذهاب إلى تلك الموائد الجماعية محاولة لتعويض شيء مفقود، لكنه لا يكون كافيًا، فهناك شعور داخلي دائم بأن هذا ليس رمضان الذي نعرفه، وأن شيئًا أساسيًا قد سُرق منا منذ أن فقدنا بيوتنا.

وأشار إلى أن الأطفال هم الأكثر تأثرًا بهذا الواقع، ففي المخيمات، يعاني الأطفال سوء التغذية حتى خارج رمضان، فما بالك بشهر يتطلب طعامًا مغذيًا بعد ساعات طويلة من الصيام! في أوروبا، ورغم توفر الطعام، يشعر الأطفال اللاجئون بالعزلة، حيث يجدون أنفسهم في مدارس ومجتمعات لا تحتفي برمضان كما كانوا معتادين، كثير منهم لا يفهمون لماذا لم يعد هناك زيارات عائلية، ولماذا لم تعد هناك سهرات رمضانية تمتد حتى السحور، ولماذا أصبح الاحتفال بالشهر مقتصرًا على نطاق ضيق جدًا.

وتابع، ربما يكون التحدي الأكبر في رمضان هو الإحساس المستمر بالتناقض، ففي الوطن، كان الفقر موجودًا، لكن كان هناك تكافل اجتماعي يعوض بعضًا من قسوته، في الغربة، تتوفر وسائل الحياة، لكن دون ذلك الشعور بالأمان الاجتماعي والانتماء الذي كان يجعل حتى الفقراء يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر. رمضان هنا قد يكون مليئًا بالطعام، لكنه فارغ من معانٍ كثيرة جعلته يومًا ما شهرًا مميزًا، ورغم كل شيء، فإن اللاجئين يحاولون التكيف؛ فبعضهم يخلق مجتمعات صغيرة تعيد إنتاج الأجواء الرمضانية بطريقة ما، وبعضهم الآخر يكتفي بما هو متاح، ويحاول أن يجد في الصيام معنى جديدًا يتجاوز الظروف الصعبة.

انتهاك كرامة الاجئين

وقال الخبير الاجتماعي والأكاديمي فهمي قناوي، إنه في شهر رمضان حيث تتجلى قيم العدالة الاجتماعية والتكافل الإنساني، تبرز المفارقة الصارخة بين روح الشهر الفضيل والواقع القاسي الذي يعيشه اللاجئون والمشردون في مناطق النزاعات واللجوء، هؤلاء الأفراد الذين أجبرتهم الظروف على العيش في هامش الحياة محرومين من أبسط الحقوق الأساسية، يجدون أنفسهم أمام تحديات تفاقم أوضاعهم الإنسانية، في انتهاك صارخ للمبادئ التي أرستها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتابع قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، الحق في الغذاء، كجزء أساسي من الحق في مستوى معيشي لائق، منصوص عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكنّ اللاجئين والمشردين خلال رمضان يُحرمون من هذا الحق في ظل تراجع المساعدات الإنسانية، وارتفاع الأسعار، وتقييد حركتهم في بعض الدول المضيفة. وجود ملايين الأشخاص في حالة انعدام الأمن الغذائي ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو انتهاك ممنهج لحقوقهم الأساسية، حيث يواجهون تحديات تفاقمت بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية، في حين تقف الحكومات عاجزة أو غير راغبة في اتخاذ إجراءات حقيقية تضمن لهم حياة كريمة، حتى خلال شهر يفترض أن يكون عنوانًا للرحمة والتضامن.

وتابع، الحق في السكن الملائم، الذي أكدته المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يكاد يكون معدومًا بالنسبة للاجئين الذين يعيشون في المخيمات المكتظة، أو في مساكن غير آمنة تفتقر إلى أبسط المقومات في كثير من الدول المضيفة، مثل لبنان والأردن، يواجه اللاجئون قيودًا مشددة على فرص السكن والعمل، ما يفاقم أوضاعهم المعيشية، ويجعلهم عرضة للابتزاز والاستغلال، وفي فلسطين، حيث الحصار والعدوان المستمر، تحوّل رمضان إلى شهر آخر من الصراع من أجل البقاء.

وقال إن الحق في الكرامة الإنسانية، الذي يشكل حجر الأساس في جميع مواثيق حقوق الإنسان، يتعرض يوميًا للانتهاك في المخيمات ومراكز الإيواء التي تفتقر إلى أدنى معايير الحياة الكريمة. إجبار اللاجئين على الوقوف في طوابير طويلة للحصول على وجبة إفطار، أو اضطرارهم لقبول الفتات من المساعدات غير المنتظمة، لا يمكن اعتباره إلا تجريدًا لهم من أبسط حقوقهم في العيش بكرامة، اعتماد الدول المضيفة على المساعدات الدولية دون تبني سياسات إدماج حقيقية يُعد هروبًا من المسؤولية الأخلاقية والقانونية.

وأتم، المجتمع الدولي بما في ذلك الدول المضيفة، مطالب بالالتزام بمسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه اللاجئين والمشردين، خصوصًا في هذا الشهر الذي يُفترض أن يكون شهر الرحمة والعدل، لا يمكن الاستمرار في التعامل مع قضية اللاجئين باعتبارها أزمة مؤقتة أو ملفًا خاضعًا للمزايدات السياسية، بل ينبغي النظر إليها كمسألة حقوقية تستوجب حلولًا مستدامة، تضمن للاجئين والمشردين حياة تليق بكرامتهم الإنسانية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية