قيود السفر الأمريكية الجديدة.. هل تعزز الأمن أم تضعف صورة واشنطن؟

تستهدف شعوبًا بأكملها

قيود السفر الأمريكية الجديدة.. هل تعزز الأمن أم تضعف صورة واشنطن؟
أحد المطارات الأمريكية- أرشيف

في تكرار لقراراته المثيرة للجدل، خصوصًا تلك المتعلقة بالهجرة، تبحث إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض حظر سفر على مواطني أكثر من 40 دولة، بينها خمس دول عربية.

ووفقًا لتصريحات أدلى بها خبراء في الشأن الأمريكي والدولي لـ"جسور بوست"، من المتوقع صدور قرارات أمريكية جديدة تقيد السفر، في خطوة تعيد إلى الأذهان سياسات ترامب لعام 2017، التي أثارت جدلًا واسعًا آنذاك.

ويرى البعض أن هذه القرارات تكرّس سياسات التمييز، ما يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية، ويضعف صورة الولايات المتحدة كدولة تفصل بين الشعوب المحتاجة للدعم والحماية، وبين الأنظمة والتنظيمات المتورطة في الإرهاب والعنف الطائفي.

الحظر الجديد

بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن إدارة ترامب تدرس فرض حظر السفر على 43 دولة، مقسمة إلى ثلاث فئات رئيسية وهي: الفئة الحمراء (حظر كامل للتأشيرات) تشمل 11 دولة، يُمنع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة بشكل كامل، مع تعليق جميع التأشيرات.

وتضم هذه القائمة: أفغانستان، بوتان، كوبا، إيران، كوريا الشمالية، فنزويلا، و5  دول عربية هي: ليبيا، الصومال، السودان، سوريا، اليمن.

أما الفئة البرتقالية (قيود صارمة على التأشيرات) تشمل 10 دول، حيث يُسمح فقط لرجال الأعمال الأثرياء بالحصول على تأشيرات دخول، في حين يُمنع المهاجرون والسائحون. كما يجب على المتقدمين من هذه الدول اجتياز مقابلات شخصية للحصول على التأشيرة.

والدول المشمولة هي: بيلاروسيا، إريتريا، هايتي، لاوس، ميانمار، باكستان، روسيا، سيراليون، جنوب السودان، تركمانستان.

والفئة الصفراء (مهلة لمعالجة المخاوف الأمنية) تشمل 22 دولة أمامها مهلة 60 يومًا لمعالجة المخاوف الأمنية الأمريكية، وإلا فسيتم تصعيدها إلى إحدى الفئتين الأخريين. 

ومن بين هذه الدول: أنغولا، بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، كمبوديا، الكاميرون، تشاد، باكستان.

بحسب مسؤولين نقلت عنهم "نيويورك تايمز"، فإن هذه القائمة أُعدت من قبل وزارة الخارجية قبل أسابيع، لكنها قد تخضع لتعديلات قبل اعتمادها من البيت الأبيض، حيث تنتظر موافقة الإدارة، بما في ذلك وزير الخارجية ماركو روبيو.

في 20 يناير الماضي، ومع انطلاق ولايته الثانية، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتكثيف عمليات الفحص الأمني لجميع الأجانب الساعين لدخول الولايات المتحدة، وذلك بهدف الكشف عن أي تهديدات محتملة للأمن القومي.

كما وجّه أعضاء إدارته بتقديم قائمة بحلول 21 مارس تتضمن الدول التي ينبغي تعليق السفر منها جزئيًا أو كليًا بسبب "قصور خطِر في إجراءات التدقيق والفحص".

وكان ترامب قد استعرض خطته خلال حملته الانتخابية، في خطاب ألقاه في أكتوبر 2023، حيث تعهد بفرض قيود صارمة على دخول القادمين من قطاع غزة، ليبيا، الصومال، سوريا، اليمن، بالإضافة إلى أي منطقة أخرى يرى أنها تهدد الأمن الأمريكي.

انتقادات دولية

يعتزم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إقرار حظر جديد على السفر خلال الأسبوع المقبل، في خطوة تُذكّر بقراره الشهير عام 2017، الذي عُرف إعلاميًا بـ"حظر المسلمين.

وكان ذلك القرار قد استهدف المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وهي: إيران، العراق، ليبيا، الصومال، السودان، سوريا، واليمن.

وعند توقيع ذلك الحظر عام 2017، صرّح ترامب بأن القرار، الذي حمل عنوان "حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة"، يستهدف منع دخول من وصفهم بـ"إرهابيي الإسلام المتطرف". وأضاف: "نريد فقط قبول هؤلاء الذين يدعمون بلادنا ويحبون شعبنا بعمق".

وقد أثار القرار آنذاك إدانات دولية واسعة، كما واجه سلسلة من الطعون القضائية في الولايات المتحدة، ما أدى إلى تعديله عدة مرات قبل أن تؤيده المحكمة العليا في عام 2018.

وأكدت وكالة رويترز، السبت، صحة هذه المعلومات، استنادًا إلى مصادر مطلعة ومذكرة أمريكية داخلية، مشيرة إلى أن إدارة ترامب تعمل على إعداد قائمة جديدة بالدول التي سيُفرض عليها الحظر أو القيود الصارمة على السفر.

قيود أوسع 

وتأتي هذه الخطط ضمن سلسلة من السياسات المتشددة ضد المهاجرين غير الشرعيين، إذ تعهّد ترامب قبل تنصيبه للمرة الثانية بتنفيذ أكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إلغاء برامج الهجرة التي سمحت لأكثر من 1.3 مليون مهاجر بدخول البلاد بشكل قانوني.

وتعدّ أزمة اللاجئين في الولايات المتحدة معقدة ومتشابكة، حيث تتداخل فيها العوامل السياسية، والإنسانية، والاقتصادية، ولا سيما مع الارتفاع المستمر في أعداد المهاجرين غير الشرعيين، خصوصًا من دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا وغواتيمالا، إلى جانب مناطق أخرى مثل أفغانستان وأوكرانيا.

وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، وفقًا لمركز "بيو" للأبحاث، علمًا بأن هذه التقديرات لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على الحدود مع المكسيك، حيث شهدت عمليات الترحيل ارتفاعًا قياسيًا منذ مارس 2021.

في تعليق لـ"جسور بوست"، قال الدكتور مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والباحث والمحلل السياسي، إنه من المتوقع أن يدخل قرار ترامب الجديد بحظر السفر حيز التنفيذ قريبًا، مؤكدًا أن سياسات ترامب السابقة تُرجّح تكرار الأمر ذاته خلال الأيام المقبلة.

وأضاف عفيفي أن قرارًا كهذا سيؤدي بلا شك إلى موجة من الانتقادات المحلية والدولية، لكنه ينسجم مع وعود ترامب الانتخابية الهادفة إلى تشديد سياسات الهجرة.

قرارات عشوائية

ومن جانبه قال الباحث والمحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن قرار إدارة ترامب بفرض قيود سفر جديدة على مواطني بعض الدول، ولا سيما الدول العربية مثل اليمن وسوريا وليبيا والسودان، إضافة إلى إيران، يحمل تداعيات خطِرة تمتد إلى ما هو أبعد من الجانب الأمني، لتشمل الأبعاد الإنسانية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأشار أبو زينب إلى أن محاربة الإرهاب والتصدي للكيانات المتطرفة، مثل الحوثيين وغيرهم من التنظيمات التي تهدد الأمن والاستقرار، هو أمر مشروع وضروري لضمان سلامة الدول والمجتمعات، لكنه شدد على أهمية التمييز الواضح بين الأنظمة التي ترعى الإرهاب والعنف الطائفي، وبين الشعوب التي غالبًا ما تكون ضحية لهذه السياسات.

وأوضح أن استهداف شعوب بأكملها عبر قرارات شاملة وعشوائية يمثل ظلمًا فادحًا، حيث يتم مساواة الأبرياء الذين يسعون لحياة كريمة وآمنة مع الجهات التي تنشر العنف والتطرف.

كما لفت إلى أن القرار يتجاهل حقيقة أن الكثير من مواطني هذه الدول فرّوا أصلًا من الأنظمة والتنظيمات الإرهابية التي يدّعي القرار مكافحتها، ليجدوا أنفسهم الآن محرومين من حقهم في البحث عن الأمان أو فرص العمل أو لمّ شمل أسرهم في الولايات المتحدة.

وأوضح أن الأمن القومي لا يتحقق بمجرد فرض الحظر على شعوب بأكملها، بل يتطلب سياسات دقيقة ومبنية على استهداف الجهات الحقيقية التي تهدد الأمن، بدلًا من اتخاذ قرارات عامة تؤدي إلى مزيد من المعاناة.

التداعيات الإنسانية

ويرى أبو زينب أن التعميم في فرض القيود يسهم في تفاقم المعاناة الإنسانية، كما أنه يضعف صورة الولايات المتحدة كونها دولة تميّز بين الشعوب التي تحتاج إلى الدعم والحماية، وبين الأنظمة والتنظيمات التي تمارس الإرهاب والعنف الطائفي.

وعلى المستوى الدبلوماسي، يعزز القرار حالة العزلة بين الولايات المتحدة والدول المستهدفة، ما يؤدي إلى إضعاف التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. 

كما أن عزل شعوب بأكملها قد يدفعها إلى فقدان الثقة في السياسات الأمريكية، وهو ما قد تستغله التنظيمات المتطرفة لتعزيز أجنداتها، عبر الترويج لفكرة أن هذه الشعوب مستهدفة بشكل ممنهج.

وأكد أبو زينب أهمية اتخاذ إجراءات حازمة ضد الكيانات الإرهابية مثل: الحوثيين وغيرهم، ولكن ضمن إطار سياسة عادلة لا تُلحق الضرر بالأبرياء. وقال: "بدلًا عن فرض قرارات عامة تضر بالشعوب وتزيد من معاناتها، يجب أن تستند السياسات إلى استهداف الجهات الفعلية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار".

مع تصاعد الحديث عن هذا الحظر الجديد، يبقى السؤال: هل سيواجه القرار المصير نفسه الذي واجهه "حظر المسلمين" الأول من اعتراضات قانونية وتعديلات؟ أم أن الإدارة الحالية ستتمكن من فرضه دون مقاومة تُذكر؟



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية