قرارات أمنية أم حسابات سياسية؟.. «تيك توك» تحت نيران الحجب في العراق
رغم تصاعد شعبيته
في عودة رسمية لجهود حجب تطبيق "تيك توك" في العراق، جدّدت وزيرة الاتصالات ذات التوجه الشيعي، هيام الياسري، مطلبها للبرلمان العراقي بضرورة حظر التطبيق، الذي يستخدمه أكثر من 34 مليون شخص في البلاد، تحت مبرر "تحصين المجتمع".
ورغم هذا الطلب، لم تصدر حكومة محمد شياع السوداني أي موقف رسمي، وسط صمت برلماني حتى الآن، ما عده خبراء تحدّثوا لـ"جسور بوست" استمرارًا في استهداف الحريات الرقمية ومحاولة لقياس ردود الفعل.
ولفتوا إلى أن التطور اللافت في هذا الملف، المطروح منذ سنوات، يتمثل في طرحه الآن للنقاش داخل البرلمان، ما قد ينذر بأزمة حقيقية في البلاد، خاصة مع اعتماد شرائح واسعة من الشباب على التطبيق كمصدر دخل وأداة لترويج أعمالهم، لكونه أحد أبرز المنصات التي تتيح الربح المالي عبر التفاعل اليومي.
وأعربت الوزيرة هيام الياسري عن أملها في أن يصدر البرلمان قرارًا رسميًا بحجب "تيك توك"، الذي وصفته بأنه التطبيق الأكثر استخدامًا بين منصات التواصل الاجتماعي في العراق، تمهيدًا لتطبيق القرار فعليًا.
وقالت الياسري في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) يوم السبت: "قدّمنا سابقًا طلبًا رسميًا لحظر تطبيق التيك توك، بعد تلقي آلاف المناشدات من معظم العوائل العراقية، نظرًا لما يحتويه من محتوى لا يليق بشعبنا وقيمنا الأسرية".
وأضافت: "لسنا الجهة الوحيدة صاحبة القرار، فقدّمنا طلبنا ولم نجد تفاعلًا، ونتمنى من البرلمان أن يصدر قرارًا وسنلتزم بتطبيقه فورا".
مواقف متباينة
وفي رد مباشر على تصريحات الوزيرة، قال هيثم الزركاني، عضو لجنة الاتصالات النيابية، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: "هذا الموضوع ليس بجديد، فقد عبّرت الوزيرة مرارًا عن نيتها حظر التطبيق داخل العراق، لكننا نرى أن هذا القرار غير صائب، نظرًا لأن (تيك توك) يعد مصدر رزق للكثير من الشباب، ومنصة لنشر الأعمال والمعلومات، ويستخدمه أيضًا العديد من السياسيين للترويج لفعالياتهم".
وأكد الزركاني أن لجنة الاتصالات هي الجهة المخولة بمثل هذه القرارات، مشيرًا إلى أنه "عند وصول طلب الوزيرة للجنة، سيتم مناقشته والرد عليه داخليًا دون الحاجة لعرضه على البرلمان، نظرًا لأن القرار يُنفّذ أجندات أمريكية"، بحسب تعبيره.
ويُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الياسري نيتها حجب "تيك توك"، إذ سبق أن طالبت بذلك في مارس 2024 خلال مؤتمر صحفي، مؤكدة أن التطبيق "أسهم في تفكك النسيج الاجتماعي العراقي".
وأوضحت أن القرار النهائي يعود إلى الحكومة العراقية، مع الإشارة إلى أن العراق ليس الدولة الوحيدة التي تسعى إلى حظر المنصة، فقد أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لحظر التطبيق لأسباب تتعلق بالخصوصية والأمن، مطالبًا شركة "بايت دانس" الصينية بسحب استثماراتها من مالكة المنصة.
وأشارت إلى أن دولًا عدة فرضت حظرًا جزئيًا أو كليًا على التطبيق، منها دول في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أستراليا، وأفغانستان، والأردن، والمملكة المتحدة، والهند، وتايوان، وكندا، ونيوزيلندا.
وبناءً على تعليمات من وزارة الاتصالات، وجّه البنك المركزي العراقي في ديسمبر 2024 بوقف الحوالات المالية إلى وكلاء شركة "تيك توك" داخل البلاد، وفقًا لوثيقة رسمية.
قرارات قضائية سابقة
وفي مارس 2024، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارًا بحجب المواقع والتطبيقات التي تتضمن محتوى "مخلًا بالأخلاق والآداب، أو يسيء للذات الإلهية، أو يتجاوز على الكتب المقدسة، أو الرموز الدينية، أو يروّج للفجور والانحراف الجنسي والإساءة إلى الآخرين".
وفي سبتمبر 2022، دعا الادعاء العام في إقليم كردستان العراق إلى حظر "تيك توك" بالكامل، بحجة تأثيره السلبي على المجتمع الكردي والتسبب بمشكلات عدة بين الشباب.
كما سبق أن راجت تقارير إعلامية في ديسمبر 2021 حول نية السلطات حظر التطبيق، على خلفية محتوى قيل إنه يخدش الذوق العام ويحضّ على العنف والإباحية.
وأكد مركز الإعلام الرقمي العراقي (DMC)، في بيان صدر في مارس 2025، تسجيل زيادة ملحوظة في عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" داخل العراق، حيث بلغ العدد الإجمالي 34.3 مليون مستخدم، بعد أن كان 31.95 مليون مستخدم في العام السابق، بزيادة قدرها 2.35 مليون مستخدم جديد.
وأشار المركز إلى أن هذه الزيادة تعكس بوضوح أن التطبيق أصبح الوجهة المفضلة لشريحة واسعة من المستخدمين العراقيين، ولا سيما الشباب والمؤثرين وصنّاع المحتوى الذين باتوا يستقطبون ملايين المتابعين عبر المنصة.
وفي المقابل، سجّلت منصة يوتيوب تراجعًا طفيفًا في عدد المستخدمين، حيث انخفض العدد إلى 22.3 مليون مستخدم مقارنة بـ22.8 مليون في العام الماضي، ما يدل على تحوّل في سلوك المستخدمين نحو المحتوى القصير والسريع والتفاعلي الذي يقدمه "تيك توك"، مقابل عزوف نسبي عن الفيديوهات الطويلة.
أما منصة فيسبوك، فقد شهدت ارتفاعًا في عدد المستخدمين إلى 20.1 مليون، بعد أن كانت 19.3 مليون العام الماضي، بحسب الأرقام الصادرة عن مركز الإعلام الرقمي.
آراء وتحليلات
وفي ظل هذا الانتشار الواسع لـ"تيك توك"، دعا الدكتور غازي فيصل، رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في حديث لـ"جسور بوست"، إلى التمهل وانتظار مناقشات البرلمان بشأن قرار الحجب، مشيرًا إلى أن القانون المقترح "لا يزال قيد التشكّل، لكن يبدو أن هناك توجهًا فعليًا لتطبيقه".
من جهته، عبّر المحلل السياسي العراقي المقيم خارج البلاد، حسين السبعاوي، خلال تصريحه لـ"جسور بوست" عن تحفظه الشديد تجاه دعوات الحجب، مشددًا على أن "تيك توك بات منصة ذات تأثير واسع، وتشهد مقاطع الفيديو القصيرة فيه انتشارًا كبيرًا يفوق نظيراتها على باقي المنصات".
وتساءل سبعاوي: "إذا كانت المشكلة مع تيك توك تحديدًا وتم حظره، فماذا سيحدث إذا ظهر تطبيق مشابه؟ هل ستتم المطالبة بحظره أيضا؟"، مجيبًا بأنه من غير الممكن حجب مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها تيك توك، فقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية".
ورأى السبعاوي أن العراق بحاجة إلى ضوابط قانونية وأخلاقية في استخدام المنصات الرقمية، لكن دون اللجوء إلى سياسة المنع والحجب، معتبرًا أن "تيك توك يمثل منصة شخصية للبث المباشر تختلف عن وسائل الإعلام التقليدية، ولا يمكن التحكم بها أو مراقبتها بالطريقة نفسها، كما أن الملايين من المستخدمين لن يقبلوا بتكميم أفواههم أو فرض قيود عليهم".
وأكد أن مطالب الوزيرة قد تحمل أبعادًا سياسية أكثر من كونها اجتماعية أو عائلية، لافتًا إلى أن السيطرة على "تيك توك" أو غيره من المنصات لم تعد ممكنة لا من الناحية السياسية ولا من الناحية المجتمعية، مضيفا أن كل فرد مسؤول عن محتواه وتصرفاته، ولا بد من محاسبة المخالفين وفق القانون، وليس عبر حجب جماعي يطال الجميع.
وأشار السبعاوي إلى أن "تيك توك أصبح أداة لكشف بعض الجرائم، ويجب دعم هذا الجانب لتعزيز سيادة القانون"، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يُقِرّ البرلمان ذو الأغلبية الشيعية قانونًا لحجب التطبيق، مختتمًا حديثه بالقول: "لكنها ستبقى محاولة فاشلة، ولن تثمر سوى مزيد من الانتشار".
في ظل تنامي عدد مستخدمي "تيك توك" في العراق، يبدو أن محاولات الحظر تواجه تحديات شعبية وتقنية متزايدة، في حين تلوح في الأفق نيات تشريعية لتقييد المنصة، تبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي ذلك إلى صدام مع الحريات الرقمية، فيما يظل التوازن بين حماية المجتمع وحرية التعبير هو التحدي الأكبر.