"تقصي الحقائق الأممية".. غياب المساءلة في السودان يُغذي انتهاكات حقوق الإنسان
"تقصي الحقائق الأممية".. غياب المساءلة في السودان يُغذي انتهاكات حقوق الإنسان
أطلقت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان تحذيرًا صارخًا من تصاعد حدة الحرب الأهلية في البلاد، مشيرة إلى أن تداعياتها باتت "مميتة لعدد لا يُحصى من المدنيين العالقين في النزاع".
وخلال استعراض تقريرها الجديد يوم الثلاثاء أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، دعت البعثة إلى فرض حظر دولي على الأسلحة، ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، مشددة على أن غياب المساءلة يُغذي الصراع ويعطّل جهود السلام في السودان وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
أسلحة ثقيلة في قلب المناطق المأهولة
وثّقت البعثة تصاعدًا في استخدام الأسلحة الثقيلة داخل المناطق المأهولة بالسكان، ما تسبب في ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بشكل حاد، كما رصدت انتهاكات واسعة النطاق شملت عنفًا جنسيًا ممنهجًا، واستخدام المساعدات الإنسانية أداةَ حرب، إلى جانب استهداف مباشر للمستشفيات والمرافق الطبية.
وأكد رئيس البعثة، محمد شاندي عثمان، أن الصراع لم يقترب من نهايته، بل يزداد دموية بسبب تفكك الحكم، وعسكرة المجتمع، وتدخل جهات أجنبية. وأضاف: "حجم المعاناة الإنسانية يتفاقم يومًا بعد يوم".
صراع دموي يدخل عامه الثالث
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، قُتل آلاف المدنيين، فيما نزح أكثر من 13 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها، متعرضين للعنف، والنهب، والاغتصاب، وفقدان الخدمات الأساسية.
وقالت عضو البعثة، منى رشماوي، إن "ما بدأ كأزمة سياسية وأمنية تحول إلى حالة طوارئ خطِرة على مستوى حقوق الإنسان، وصلت إلى حد ارتكاب جرائم دولية تُلطخ سمعة جميع المتورطين فيها".
انتهاكات متبادلة وأعمال انتقامية
رصدت البعثة أعمال قتل واحتجاز وحرق للقرى ونهب للممتلكات ارتكبتها قوات الدعم السريع، منها مجزرة استمرت ثلاثة أيام في الفاشر من 10 إلى 13 أبريل، أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مدني.
وفي المقابل، وثّقت تقارير أعمالًا انتقامية نفذتها القوات المسلحة السودانية في الخرطوم وسنار والجزيرة، شملت اعتقالات تعسفية وتعذيبًا وإعدامات خارج القانون بحق أشخاص يُشتبه بدعمهم قوات الدعم السريع، بينهم أطباء وحقوقيون وعمال إغاثة.
الإغاثة الإنسانية تتحول إلى سلاح حرب
اتهمت البعثة طرفي النزاع باستخدام الإغاثة سلاحاً: إذ فرضت القوات المسلحة السودانية قيودًا بيروقراطية مشددة، في حين قامت قوات الدعم السريع بنهب القوافل ومنع إيصال المساعدات، ما دفع البلاد نحو هاوية المجاعة، خصوصًا في إقليم دارفور.
كما قصفت قوات الدعم السريع مستشفيات ومراكز طبية، أبرزها المستشفى السعودي في الفاشر الذي تعرض لعشرات الهجمات، ومستشفى الأبيض الدولي في شمال كردفان، ما أدى إلى مقتل مدنيين وإغلاق آخر المرافق الصحية العاملة هناك.
عنف جنسي
أظهر تقرير البعثة ارتفاعًا صادمًا في العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والزواج القسري، والاستعباد الجنسي، خاصة داخل مخيمات النزوح الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، حيث تتعرض نساء وفتيات لانتهاكات مروعة ومنهجية.
التحقيق مستمر رغم رفض السلطات
ورغم رفض السلطات السودانية السماح للبعثة بدخول البلاد، تمكن الفريق من جمع الأدلة من أوغندا وتشاد، وأجرى أكثر من 240 مقابلة ميدانية، وتحليل 30 مقطع فيديو، مع تحديد هوية جناة محتملين.
وقالت خبيرة البعثة جوي نغوزي إزييلو: "المساءلة ليست ترفًا بل ضرورة. من دون عدالة، لا سلام في السودان. ويجب أن تكون العدالة محور أي اتفاق سياسي لإنهاء الحرب".
الحرب في السودان
اندلعت الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023 بعد انهيار مفاوضات دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني. وسرعان ما تحولت المواجهات إلى صراع دموي شامل، خصوصًا في الخرطوم ودارفور وكردفان.
وتتنافس القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" على السيطرة، في حين يدفع المدنيون الثمن الأكبر من المجاعة والتشريد والانتهاكات.
يُعد هذا النزاع من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم حاليًا، وسط شلل دولي، وتعقيدات إقليمية، وخوف من أن يتحول السودان إلى دولة فاشلة بالكامل في حال استمرار الحرب دون حلول سياسية شاملة.