«الإيكونوميست»: حجب التمويل يضع جامعات النخبة الأمريكية أمام معركة وجودية

«الإيكونوميست»: حجب التمويل يضع جامعات النخبة الأمريكية أمام معركة وجودية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- أرشيف

شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة غير مسبوقة ضد عدد من أبرز الجامعات الأمريكية، وعلى رأسها جامعات رابطة اللبلاب، مستخدمًا أدوات الدولة لمعاقبتها ماليًا وإداريًا.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، الجمعة، اتخذت هذه الحملة شكل خطوات مباشرة وصارمة تمثلت في تجميد التمويل، وإلغاء تأشيرات طلاب، وفرض قيود على إدارة الجامعات، فيما بدت المؤسسات الأكاديمية عاجزة عن المقاومة أو حتى الدفاع عن نفسها قانونيًا.

وحجبت إدارة ترامب مئات الملايين من الدولارات من منح فيدرالية كانت موجهة إلى جامعات كبرى، أبرزها كولومبيا، وهارفارد، وبرينستون، وكورنيل، ونورث وسترن.

وصلت التهديدات إلى حد سحب تمويل بقيمة 9 مليارات دولار من جامعة هارفارد ما لم تلغِ برامج التنوع والإنصاف والشمول، وتُراجع أقسامًا أكاديمية يُعتقد أنها تُشجع على "مضايقات معادية للسامية".

لم تكتفِ الإدارة بذلك، بل ألغت تأشيرات عدد من الطلاب الأجانب الذين شاركوا في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، وتم ترحيل بعضهم في ظروف غامضة بعد توقيفهم من قبل رجال أمن بملابس مدنية، كما فرضت سقفًا على النفقات العامة في الأبحاث العلمية، ما أدى إلى تسريح آلاف الموظفين والباحثين في الجامعات المتضررة.

رسائل تهديد رسمية

أرسلت إدارة ترامب رسائل رسمية إلى إدارات الجامعات، تطلب فيها تغييرات جذرية مقابل إعادة التمويل، فقد وجهت الرسالة الأولى إلى جامعة كولومبيا في 13 مارس، بعد وقت قصير من تجميد تمويل بقيمة 400 مليون دولار، طالبت الرسالة بطرد طلاب شاركوا في الاحتجاجات، وإصلاح سياسات القبول، ووضع قسم دراسات الشرق الأوسط تحت رقابة أكاديمية.

ورضخت الجامعة للمطالب بالكامل، واستقالت رئيستها بعد أسبوع، اعتبر المحافظون هذه الاستجابة "نقطة تحول"، وقال الناشط اليميني كريس روفو إن ضعف الجامعة وسرعة استسلامها كان "مدهشًا ومخزيًا".

وتواصلت التهديدات في الأسابيع التالية، ففي 19 مارس، كتب رئيس جامعة برينستون أن تصرفات الإدارة تمثل "أكبر تهديد تتعرض له الجامعات الأمريكية منذ موجة ملاحقة الشيوعيين في خمسينيات القرن الماضي".

وبعد ذلك بأيام، علّقت الحكومة منحًا بحثية لجامعة برينستون بقيمة 210 ملايين دولار، مستندةً إلى مزاعم بوجود مناخ معادٍ للسامية.

وفي 3 أبريل، أرسلت الحكومة تهديدًا جديدًا إلى جامعة هارفارد، وطالبت بإلغاء برامج أكاديمية محددة كشرط للإبقاء على دعم مالي ضخم، وهذا الأسبوع، جُمّد تمويل إضافي بقيمة مليار دولار لجامعة كورنيل، و790 مليون دولار لجامعة نورث وسترن.

تراجع ثقة الرأي العام

استفادت حملة ترامب من تحول التعليم العالي إلى خط انقسام سياسي في أمريكا، واتجه خريجو الجامعات إلى دعم الديمقراطيين، ما أثار غضب المحافظين، في السبعينيات، كان عدد الأكاديميين الليبراليين مساوٍ تقريبًا للمحافظين، أما اليوم فقد بلغت النسبة ستة إلى واحد لصالح الليبراليين.

وهاجمت كليات العلوم الإنسانية على وجه التحديد الأفكار المحافظة، وروّجت لمفاهيم مثل "العنصرية البنيوية" و"الهوية الجندرية"، ما زاد من فجوة الثقة بين الجامعات والناخب الأمريكي العادي.

وفي عام 2015، بلغت نسبة الثقة العامة في الجامعات 60%، لكنها انخفضت إلى 36% في السنوات الأخيرة، مع انخفاض النسبة إلى 20% فقط بين الجمهوريين، مقابل 56% بين الديمقراطيين.

احتجاجات غزة تؤجج الصراع

أعادت الاحتجاجات الصاخبة التي شهدتها الجامعات الأمريكية ضد الحرب على غزة خلال الأشهر الـ18 الماضية، الجدل حول "الانفصال الأكاديمي" عن الرأي العام.

واتهمت الإدارة الجامعات بعدم توفير الحماية للطلبة وأعضاء هيئة التدريس اليهود، واستخدمت مزاعم "معاداة السامية" ذريعة للمطالبة بإصلاحات واسعة، واعترض أكاديميون على شرعية هذه الإجراءات.

وأشار أستاذ القانون والصحافة بجامعة كولومبيا، جميل جعفر، إلى أن الباب السادس من قانون الحقوق المدنية لا يجيز هذه العقوبات إلا بعد تحقيق رسمي.

وأضاف أن المطالب المفروضة لا تستند إلى أي أساس قانوني، وتتعارض مع مبدأ الحرية الأكاديمية المكفول بموجب التعديل الأول للدستور.

قيود ومخاوف من الانتقام

يمكن الطعن قانونيًا في سحب المنح، استنادًا إلى سوابق قضائية مثل قضية "كيشيان ضد مجلس الأمناء" (1967)، والتي أكدت أن التدخل في حرية التعليم يمثل خرقًا دستوريًا.

واعتُبرت إجراءات ترحيل الطلاب الأجانب، مثل حالة محمود خليل، غير قانونية، استنادًا إلى حكم المحكمة العليا في قضية "بريدجز ضد ويكسون" (1945) الذي أكد حق الأجانب في حرية التعبير.

واستندت إدارة ترامب في هذه الحالة إلى قانون نادر يسمح بإلغاء تأشيرة المهاجرين لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية، رغم أن هذا القانون أُلغي سابقًا من قِبل قاضية فيدرالية هي ماريان ترامب باري، شقيقة الرئيس نفسه.

رضوخ وتغيير السياسات

أدى الضغط الحكومي إلى تغييرات ملموسة، حيث أغلقت جامعة ميشيغان مكتب التنوع والإنصاف والشمول، الذي أنفقت عليه 250 مليون دولار خلال عقد.

وألغت جامعة كاليفورنيا سياسة طلب "بيانات تنوع" من المتقدمين للوظائف، وهي ممارسة كانت تهدف إلى تشجيع التمثيل العادل في التوظيف الأكاديمي.

ويرى رئيس جامعة ويسليان، مايكل روث،  أن الجامعات باتت تتصرف وكأنها في "لحظة فيشي"، في إشارة إلى حكومة فرنسا المتعاونة مع الاحتلال النازي، ويُضيف: "يمكنك حماية جامعتك على المدى القصير، لكنك تُسهم في ترسيخ الاستبداد على المدى الطويل".

أضرار على البحث العلمي

طالت حملة العقوبات تمويل البحث العلمي أيضًا، رغم أنه ليس هو الهدف المباشر، حيث  فرضت الإدارة قيودًا على نسبة التمويل التي يمكن إنفاقها على النفقات العامة في الأبحاث، ما أثّر سلبًا على المشاريع العلمية في كل الجامعات، وليس فقط جامعات النخبة.

ويُحذر خبراء من أن النهج العدائي قد يُحبط الجامعات عن إجراء مراجعات ذاتية حقيقية لأخطائها، ويُقوض البحث العلمي الذي يُعد ركيزة من ركائز التقدم الأمريكي.

وأكد العميد السابق لكلية الحقوق في جامعة ييل، أنتوني كرونمان، أن "أي إصلاح لا يصحبه سرد شامل لما حدث في العقود الأخيرة، لن يُحدث فرقًا طويل الأمد".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية