«هربتُ من الموت فوجدت السجن».. معاناة سودانيين في سجون اليونان
«هربتُ من الموت فوجدت السجن».. معاناة سودانيين في سجون اليونان
فرّ صموئيل، طالب القانون البالغ من العمر 19 عامًا، من بلدته الجنينة بعدما اجتاحتها موجة من العنف الدموي، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدتها الحرب الأهلية المستعرة في السودان، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 13 مليون شخص.
نجح صموئيل وفق ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، اليوم الاثنين، في عبور الصحراء والوصول إلى ليبيا برًا، قبل أن يخوض مغامرة مروعة عبر البحر الأبيض المتوسط في يونيو، استغرقت يومين، انتهت بإنقاذه بواسطة سفينة شحن نقلته إلى جزيرة كريت بمرافقة خفر السواحل اليوناني.
من النجاة إلى الزنزانة
اقتيد صموئيل إلى سجن أفلونا للشباب، الواقع على بعد 45 كيلومترًا شمال أثينا، حيث يحتجز إلى جانب نحو 50 شابًا سودانيًا آخرين، ووفقًا لمحامين وناشطين، فإن معظم هؤلاء الشبان لاجئو حرب تم اعتقالهم فور طلبهم اللجوء في اليونان، بعدما وُجهت لهم تهم بتهريب المهاجرين.
تعرف بعض ركاب القارب على صموئيل كقائد للرحلة البحرية، ما جعله عرضة للملاحقة بتهم انتهاك عدة قوانين يونانية تتعلق بنقل مهاجرين بطريقة غير شرعية، وفي حال إدانته، قد يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى 15 عامًا، وأكد صموئيل، خلال شهادته أمام المدعين العامين اليونانيين، أنه لم يكن مهربًا بل لاجئًا يبحث عن الأمان، موضحًا أنه دفع للمهربين 12 ألف دينار ليبي، مقابل السماح له بالركوب بقيادة القارب تحت تهديد القتل.
قوانين صارمة تلتهم الأبرياء
واجه مئات المهاجرين اعتقالات مماثلة بموجب قانون مكافحة التهريب الذي أقرته اليونان عام 2014، والذي ينص على عقوبات تصل إلى 25 عامًا من السجن، وأصبح المهاجرون المدانون بتهم التهريب يشكلون ثاني أكبر مجموعة من السجناء بعد المحكومين في قضايا المخدرات.
أوضح ناشطون أن المهربين الحقيقيين نادرًا ما يكونون على متن القوارب، فيما يُجبر اللاجئون الضعفاء على قيادة المراكب مقابل تخفيض أجرة الرحلة، وقال المحامي سبيروس بانتازيس، الذي يتولى الدفاع عن صموئيل: "القانون الحالي لا يكافح التهريب، بل يسجن أبرياء لا علاقة لهم بشبكات الجريمة المنظمة".
انتقد بانتازيس ضعف الأدلة المقدمة ضد موكله، مبينًا أن ملف القضية يعتمد فقط على شهادات خفر السواحل دون تسجيلات مرئية أو أدلة مالية، كما لم يُسمح لصموئيل بمواجهة الشهود ضده، ما يعد خرقًا لحقوقه الأساسية في الدفاع عن نفسه.
قال صموئيل في شهادته: "تشتت عائلتي. أنا الأكبر بين ستة إخوة، أعلم أن والديّ وأشقائي يعيشون في مخيمات لاجئين، لكنني لم أسمع صوتهم منذ أكثر من عام".
كريت تصبح البوابة الجديدة للمهاجرين
برزت جزيرة كريت مؤخرًا كأهم نقطة دخول للمهاجرين إلى اليونان، متخطية بذلك الجزر التقليدية مثل ليسبوس وساموس، ووصل أكثر من 2500 شخص إلى كريت قادمين من إفريقيا منذ مطلع عام 2025، بحسب مسؤولين يونانيين.
أصبح السودانيون يشكلون رابع أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في اليونان، متجاوزين اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد الوافدين إلى كريت تضاعف ست مرات خلال عام واحد.
اعتبرت الباحثة غابرييلا سانشيز من جامعة جورج تاون أن محاكمة اللاجئين السودانيين تتعارض مع بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة تهريب المهاجرين، الذي ينص على عدم معاقبة المهاجرين لمجرد قيامهم بتسهيل عبورهم.
حكايات أخرى من الظلم
واجه لاجئ سوداني آخر، جاستن أنجوي، المصير ذاته، حيث أدين الشهر الماضي بتهمة التهريب وهو في التاسعة عشر من عمره، وقال للمحكمة إنه شاهد والده يُقتل أمام عينيه، فهرب إلى ليبيا، عمل هناك ليجمع تكاليف الرحلة، ثم اعتقل فور وصوله إلى اليونان. وأضاف بحزن: "لم أعد أرى والدتي وشقيقتيّ منذ ستة أشهر، أشعر أنني غارق في الظلام".
أشارت عالمة السياسة جوليا وينكلر إلى أن ما يجري في كريت يمثل "صورة قاتمة لحرب أوروبا على التهريب"، مؤكدة أن هذه السياسات تجرم حق الإنسان في الهجرة بدلًا من ملاحقة المهربين الحقيقيين.
يعيش السودان أزمة إنسانية خانقة منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، ما تسبب في موجة نزوح هائلة داخليًا وخارجيًا، ومع اشتداد القتال وارتفاع معدلات العنف الطائفي والعرقي، يسلك آلاف اللاجئين السودانيين طرقًا محفوفة بالأخطار نحو شمال إفريقيا وأوروبا، وبينما يأملون في العثور على الأمان، يصطدم كثير منهم بسياسات أوروبية متشددة أدت إلى تجريم الهجرة، وزج الأبرياء في السجون بدل حمايتهم وفق القوانين الدولية.