"فايننشال تايمز": تبرئة "ديدي" من الاتجار بالبشر تثير مطالب بحماية ضحايا العنف الجنسي
"فايننشال تايمز": تبرئة "ديدي" من الاتجار بالبشر تثير مطالب بحماية ضحايا العنف الجنسي
أشعل حكم المحكمة الفيدرالية في نيويورك، الذي برّأ مغني الراب ورجل الأعمال شون "ديدي" كومبس من تهمتي الاتجار بالبشر والابتزاز، جدلاً واسعًا في الأوساط الحقوقية، إذ اعتُبر بمثابة ناقوس خطر حول ثغرات العدالة الجنائية في قضايا العنف الجنسي.
وذكر تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، اليوم الخميس، أنه رغم تبرئة كومبس من التهم الأشد، أدانته هيئة المحلفين بتهم تتعلق بالدعارة، ما دفع بعض النشطاء إلى المطالبة بتوسيع نطاق الحماية القانونية للضحايا، خصوصًا في قضايا تتداخل فيها النفوذ مع الانتهاكات.
وأصدرت هيئة المحلفين، المكوّنة من ثمانية رجال وأربع نساء، حكمها بعد أسابيع من الاستماع لشهادات تفصيلية، أبرزها رواية المغنية وعارضة الأزياء كاسي فينتورا، الشريكة السابقة لكومبس، التي وصفت علاقتها به بأنها مليئة بالعنف والإكراه والإساءة النفسية، ما دفعها في مراحل لاحقة إلى محاولة الانتحار.
قضية مثيرة للجدل
احتفل كومبس بالحكم على طريقته، رافعًا قبضتيه في قاعة المحكمة عقب إعلان النتيجة، قبل أن يظهر وهو يصلي وعانق محاميه وسط تصفيق أفراد عائلته، وعلى الرغم من نجاته من تهم قد تقوده إلى السجن المؤبد، فإنه لا يزال مهددًا بعقوبة تصل إلى 20 عامًا نتيجة إدانته بتهم نقل أشخاص بغرض ممارسة الدعارة.
وصرّح المحامي مارك أغنيفيلو، ممثل الدفاع، عقب الجلسة، قائلاً: "لقد حُكم على السيد كومبس بالسجن المؤبد من قِبَل الرأي العام.. لكنه يُقدّر هذه الفرصة التي أُتيحت له للدفاع عن نفسه أمام القضاء".
وتجمهر أكثر من 100 شخص أمام المحكمة لحظة النطق بالحكم، ورددوا هتافات مؤيدة لكومبس، من بينها "الحرية لديدي"، في مشهد عكس حجم الانقسام المجتمعي إزاء القضية.
تهم متعددة ووقائع صادمة
واجه كومبس، البالغ من العمر 55 عامًا، سلسلة من التهم شملت الاتجار بالبشر، ونقل أشخاص لممارسة الدعارة، والتآمر للابتزاز، على خلفية وقائع جرت بين عامي 2004 و2024، قدّمت النيابة العامة أدلة، من بينها تسجيلات مصورة، أبرزها مقطع أمني يُظهر كومبس وهو يعتدي بوحشية على فينتورا داخل فندق، بينما كان يرتدي منشفة فقط.
ورفض القاضي في وقت لاحق طلب الدفاع بالإفراج عن كومبس بكفالة قدرها مليون دولار لنقله إلى منزله في فلوريدا، وذلك بعد مرافعة قدمتها الحكومة طالبت فيها باستمرار احتجازه.
وقالت المحامية العامة الأمريكية مورين كومي، خلال جلسة المرافعة: "لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنه سيتصرف بشكل مختلف إذا أُطلق سراحه الآن"، مضيفة أن كومبس ارتكب "سلسلة من الجرائم" تتطلب استمرار توقيفه.
رأي الضحايا ودعوات للإصلاح
علّق المحامي دوغلاس ويغدور، ممثل الضحية كاسي فينتورا، على الحكم بالقول: "رغم أن هيئة المحلفين لم تجد كومبس مذنبًا بتهمة الاتجار بكاسي بما لا يدع مجالًا للشك، فإنها أثبتت قيامه بنقلها بغرض الدعارة"، مشيرًا إلى أن القضية فتحت المجال لـ"تغيير طال انتظاره في كيفية تعامل القانون مع العنف القائم على النوع الاجتماعي".
واعتبر مراقبون أن الحكم يعكس تردد المحاكم في تطبيق قوانين الاتجار بالبشر على قضايا تتعلق بالمشاهير، رغم توفر أدلة على استغلال النفوذ والسلطة لتسهيل الانتهاكات، وأشاروا إلى الحاجة لتعزيز الحماية القانونية للضحايا وتحديث أدوات التحقيق لتواكب أنماط الإساءة المعاصرة، لاسيما داخل صناعة الترفيه.
وأبدى عدد من مؤيدي كومبس ارتياحهم للحكم، واعتبروه تأكيدًا على "انتصار العدالة"، قال سيدني إدواردز، البالغ من العمر 49 عامًا، وأحد سكان نيويورك، والذي حضر الجلسة الختامية: "لقد نجح نظام العدالة الأمريكي.. هذا يوم تاريخي".
ورفع بعض المؤيدين قمصانًا كتب عليها "الغريب ليس قانونًا للفساد والابتزاز"، في إشارة إلى رفض استخدام قانون "ريكو"، الذي يُعنى بمكافحة الابتزاز والمنظمات الإجرامية، في محاكمة كومبس.
جادل ممثلو الادعاء بأن كومبس استغل موظفيه وشركاته الشخصية في إدارة شبكة من الاستغلال الجنسي، تمتد من حفلات مخدرات إلى جلسات جنسية جماعية، يُجبر خلالها الضحايا على الانصياع عبر الترهيب أو الإغراء بالمال أو التهديد بفقدان الفرص المهنية.
علاقات قائمة على التراضي
رفض فريق الدفاع تلك الاتهامات، وأكد أن علاقات كومبس الجنسية كانت قائمة على التراضي، وأن ما حدث لا يمكن تصنيفه ضمن نطاق الاتجار بالبشر أو الابتزاز.
وقال المحامي تيني جيراغوس خلال مرافعته: "ربما تظنونه أحمق أو لئيمًا، لكن العنف المنزلي لا يُعادل الاتجار بالجنس.. والسلوك السيئ لا يعني بالضرورة وجود شبكة إجرامية".
وأضاف فريق الدفاع أن موكلهم لم يُجبر أحدًا على الصمت، ولم يستخدم شركاته للتغطية على انتهاكات، بل كان يعيش "أسلوب حياة اختاره الجميع بمحض إرادتهم".
من نجم موسيقى لمحور قضية
أسس المنتج الموسيقي شون كومبس شركته الشهيرة "باد بوي ريكوردز" عام 1993 بشراكة مع "أريستا ريكوردز"، وأسهم في دفع موسيقى الهيب هوب إلى الواجهة العالمية.
حصل على ثلاث جوائز "غرامي" وحقق نجاحًا جماهيريًا بأغنيته "سأفتقدك"، التي قدّمها بعد مقتل صديقه مغني الراب نوتوريوس بي آي جي، لاحقًا، اتسعت شهرة كومبس لتشمل مجالات الأزياء والمشروبات، ليُصبح شخصية بارزة في صناعة الترفيه الأمريكية.
ومع مرور الوقت، تراكمت حوله دعاوى ومزاعم تتعلق بسوء السلوك الجنسي واستغلال النساء، حتى تحولت هذه القضية إلى أبرز فصول محاكمته الجماهيرية والقانونية.
ومن المقرر أن تعود المحكمة خلال الأيام المقبلة لمواصلة جلسات النظر في طلبات الإفراج أو إصدار الحكم النهائي بالعقوبة، وتُعد هذه القضية محطة مفصلية في النقاش حول ما إذا كانت القوانين الأمريكية قادرة على مساءلة الشخصيات ذات النفوذ العالي بنفس المعايير التي تُطبّق على المواطنين العاديين، خاصةً حين يتعلق الأمر بالاتجار بالبشر والعنف الجنسي.