ثماني سنوات من النضال الإنساني.. كيف غيرت ناتاليا كانيم حياة ملايين النساء والفتيات؟

ثماني سنوات من النضال الإنساني.. كيف غيرت ناتاليا كانيم حياة ملايين النساء والفتيات؟
ناتاليا كانيم خلال زيارة إلى السودان

مع اقتراب نهاية فترة عملها التي امتدت قرابة ثماني سنوات كمديرة تنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، تأملت ناتاليا كانيم، في صورة راسخة بذاكرتها وهي طفلة في العاشرة من عمرها، تقف على أعتاب المراهقة، يتربص بها الزواج المبكر، والفقر، والممارسات الضارة.. وقتها تساءلت بحسرة: "هل ستكمل تعليمها وتحقق أحلامها، أم ستعترض طريقها تلك العقبات القاسية؟".

جعلت كانيم من تلك الصورة حجر الزاوية في مسيرتها، حاملةً رسالة الدفاع عن حق كل فتاة في حياة آمنة وصحية وكريمة.

وُلدت كانيم في بنما، وتخرجت طبيبة، ثم التحقت بالصندوق عام 2014 بعد مسيرة ثرية في القطاع الخيري، قادها الشغف إلى تنزانيا، حيث تأثرت بعزيمة فرق العمل الميدانية. وروت: "أدركت أننا نُثبت جدارتنا على أرض الواقع، وسط المجتمعات الأكثر هشاشة"، وفقاً لموقع أخبار الأمم المتحدة.

قيادة في وجه التحديات

تسلمت كانيم قيادة الصندوق عام 2017 في فترة صعبة، إذ واجهت المنظمة تمويلاً غير مستقرًا ومقاومةً فكريةً شرسة. ومع ذلك، ارتفعت الميزانية إلى 1.7 مليار دولار، وانتقل الصندوق من الانطواء إلى صدارة النقاشات العالمية حول الصحة الإنجابية.

وقالت: عندما بدأتُ، كنا نصف أنفسنا بأننا منظمة صغيرة محاصرة. الآن، بات دورنا أوضح وأعمق.

تبنّت كانيم أسلوب القيادة الفكرية لتغيير المفاهيم حول الخصوبة والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وخلال سنواتها، درّبت الوكالة مئات الآلاف من القابلات، وزّعت المليارات من وسائل منع الحمل، ووصلت بخدماتها إلى أماكن الأزمات: من أوكرانيا إلى كوكس بازار، مرورًا بغزة وسوريا.

قالت: وجودنا هناك ليس لوجستيًا فحسب؛ بل يمنح النساء شعورًا بالأمان والكرامة في أحلك اللحظات.

دفاع مستمر عن الحقوق

دفعت كانيم الصندوق إلى الانخراط في نقاشات شائكة مثل حمل المراهقات، والتحرش الرقمي، وتأثير المناخ على الخصوبة، استثمرت أيضًا في بناء قواعد بيانات وطنية تساعد الحكومات على اتخاذ قرارات مستنيرة.

وفي تقرير حالة سكان العالم الأخير، حذّرت من التهويل بشأن الانهيار السكاني، مؤكدة أن التحدي الحقيقي هو تمكين الأسر من إنجاب ما يستطيعون رعايته.

رافقت فترة ولايتها موجات تشكيك بالحقوق الإنجابية، وتراجع التمويل، خاصة من الولايات المتحدة، رغم ذلك، حافظ الصندوق على حضوره، متعاونًا مع القطاع الخاص؛ مثل إطلاق خدمات رقمية في كينيا لحماية المراهقات.

شدّدت كانيم: علينا أن نثبت جدارتنا كل يوم. والمصداقية أهم من المال وحده.

تغيير العقليات.. لا القوانين فقط

ركّزت كانيم على تغيير العقليات الاجتماعية تجاه ختان الإناث وزواج الأطفال، مؤكدة أن: “التقدم يتحقق عندما ينضم إلينا الزعماء الدينيون والمحليون، وتفهم الفتيات المخاطر بأنفسهن”.

ورغم أن الجائحة تسببت في انتكاسات، رأت بوادر أمل بفضل جهود الشباب المناصرين في مجتمعاتهم.

أعلنت كانيم تنحيها قبل نهاية ولايتها، مفضّلة إفساح المجال لجيل جديد. قالت لموظفيها: حان وقت تسليم الراية، الصندوق يمتلك إمكانيات هائلة للمستقبل.

تنوي قضاء إجازة قصيرة مع العائلة والموسيقى، لكنها أكدت أن شغفها بالدفاع عن النساء والفتيات سيبقى حيًا.

واختتمت رسالتها بتذكير العالم: عندما تنجح تلك الطفلة ذات العشر سنوات، ينجح العالم كله.

صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) هو وكالة أممية تُعنى بالصحة الجنسية والإنجابية، تأسس عام 1969، ويعمل في أكثر من 150 دولة لتحسين صحة النساء والفتيات، إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي، ومواجهة الممارسات الضارة كزواج الأطفال وختان الإناث.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية