نساء غزة في مواجهة التحرش.. النزوح يزيد معاناتهن والصمت يحمي الجناة
نساء غزة في مواجهة التحرش.. النزوح يزيد معاناتهن والصمت يحمي الجناة
في قلب الكارثة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب، تتفاقم معاناة النساء في مراكز النزوح والمنازل المكتظة، حيث تضطر العائلات للعيش في ظروف لا تضمن أبسط مقومات الأمان أو الخصوصية، ما يجعل النساء والفتيات أكثر عرضة للتحرش الجنسي، دون وجود منظومة حماية حقيقية، أو ضمان لمحاسبة المعتدين.
يعيش الكثير من الفلسطينيين النازحين في شقق تتكدس فيها ثلاث إلى خمس عائلات، في حين يتشارك آلاف آخرون غرفاً في مدارس الإيواء أو المساجد، ما أدى إلى انتهاك الخصوصية وارتفاع حالات التحرش اللفظي والجسدي ضد النساء، وسط صمت اجتماعي وقانوني مقلق، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأحد.
"أسماء محمد" (اسم مستعار)، واحدة من عشرات النساء اللواتي تعرضن للتحرش خلال النزوح، تقول: "في البداية، كانت مجرد نظرات مزعجة من شقيق زوجي، ثم لمسة ليدي حين أعطيته كوب ماء، تمالكت نفسي، لكن عندما لمس مؤخرتي، انفجرت، أخبرت زوجي بما جرى.. لكنه بدل أن يحميني، انهال عليّ بالضرب والشتائم".
لم يتوقف الأمر عند الزوج، بل استدعى أهلها في اليوم التالي، ليتحول ما كان من المفترض أن يكون بلاغاً عن اعتداء، إلى ما وُصف بـ"فضيحة"، دفعت الجميع لمهاجمتها.
وتابعت: "لم أُطلق.. فقط طُرد شقيقه وسكن في شقة منفصلة، لكنني أصبحت منبوذة، محط تهم وسمعة سيئة، كأنني أنا من ارتكبت الجريمة".
ورغم الألم، تؤكد أسماء أنها لن تصمت مجدداً: "المرأة التي يُعتدى عليها وتُضرب يجب أن تحارب، المرة القادمة، إن تكرر الأمر، سأضرب المعتدي كما ضربني الجميع".
غياب الحماية يزيد من المعاناة
قالت المحامية والناشطة الحقوقية ناريمان حلس، إن ما تتعرض له النساء النازحات في غزة من تحرش، يمثل "اعتداءً جنسياً صريحاً"، موضحة أن ظروف النزوح والاكتظاظ أسهمت في تفاقم هذه الظاهرة، في ظل غياب مراكز الشرطة الفاعلة والمؤسسات القضائية.
وتابعت: "التحرش الجنسي ازداد بشكل واضح بعد النزوح القسري، والمرأة لا تجد من يحميها، على العكس، تصمت خوفاً من العار، رغم أنها الضحية".
تُرجع حلس السبب في صمت النساء إلى الخوف من وصمة العار المجتمعية، وليس فقط غياب القانون، مؤكدة أن كثيراً من الضحايا لا يُبلغن عن الجريمة، لأن ثقافة "العيب" ما زالت تُغلب على العدالة والكرامة.
وتشير إلى وجود شبكات أمان بديلة بدأت بالتشكل، مثل "سند" و"همة"، والتي توفر خطوطاً ساخنة وخدمات استشارية بسرية تامة، وتسعى لحماية الضحايا ومحاسبة الجناة بالتعاون مع جهات حقوقية مختصة.
قوانين لا تحمي النساء
سلطت حلس الضوء على الإشكالية القانونية، موضحة أن قانون العقوبات المعمول به في قطاع غزة يعود لعام 1936، وهو لا يتضمن حتى مصطلح "التحرش الجنسي".
وقالت: "القانون يتحدث عن أفعال منافية للحياء، لكنه غامض ولا يعكس الواقع الحالي، العقوبات غير رادعة؛ سنتان فقط إن لم تكن هناك قوة، وخمس سنوات فقط إن وُجدت".
وأكدت حلس أن النساء في غزة اليوم يتحملن أدواراً لم تكن على عاتقهن سابقاً: "أصبحن المعيل الأساسي، يواجهن الفقر، النزوح، فقدان المنازل، وتكلفة الحماية الذاتية، وفي المقابل، يتعرضن لتحرش وعنف مبني على النوع الاجتماعي، دون غطاء قانوني أو مجتمعي حقيقي."
وختمت بقولها: "على النساء أن يتخلين عن الخوف من الوصمة الاجتماعية. صمت الضحية هو ما يجرّئ الجاني، أما التبليغ فوسيلة النجاة، حتى لو كان المعتدي من أقرب المقربين أو من مزودي الخدمات".