انتصار لحرية التعبير.. القضاء الأمريكي يُسقط عقوبات على قانونيين دعموا المحكمة الجنائية

انتصار لحرية التعبير.. القضاء الأمريكي يُسقط عقوبات على قانونيين دعموا المحكمة الجنائية
القضاء الأمريكي- أرشيف

في سابقة قانونية تعيد الاعتبار لقيم حرية التعبير والدفاع عن العدالة الدولية، أصدرت محكمة فيدرالية أمريكية حكمًا يقضي بعدم دستورية العقوبات التي هددت بفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على شخصيات أكاديمية وقانونية بسبب تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

ولم تكن القضية التي نظرت فيها المحكمة مجرد نزاع قانوني، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرة القضاء الأمريكي على حماية الحقوق الأساسية، في وجه محاولات ترهيب أكاديميين ومحامين بسبب آرائهم أو عملهم لصالح منظومة العدالة الدولية.

جذور القضية

منع قاضٍ فيدرالي في نيويورك الحكومة نهائيًا من السعي لفرض عقوبات على الأستاذين بسبب مساعدتهما للمحكمة الجنائية الدولية، معتبرًا أن التهديد ينتهك حقوقهما المكفولة بالتعديل الأول للدستور.

وفي رأي من 22 صفحة، نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" خلص القاضي جيسي م. فورمان من المحكمة الفيدرالية للمنطقة الجنوبية من نيويورك إلى أن الرئيس استخدم التهديد بعقوبات قانونية لإجبار غابور رونا وليزا ديفيس، وكلاهما أستاذان للقانون في نيويورك، على التخلي عن علاقتهما بالمحكمة الدولية في لاهاي، التي تُعنى بقضايا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومنع القاضي الحكومة نهائيًا من اتخاذ أي إجراء لتنفيذ هذا التهديد.

وقدّم كلٌّ من رونا و ديفيس استشاراتٍ للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أو دعما عمل مكتبه من خلال تحقيقاته ومحاكماته، ولهما كتاباتٌ ونقاشاتٌ مُوسّعةٌ حول القانون الدولي.

يذكر أن الولايات المتحدة ليست من بين الدول الـ125 الأطراف في نظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها دعمت عددًا من تحقيقاتها، بما في ذلك في قضايا تتعلق بأوكرانيا والسودان وميانمار.

عقوباتٍ جنائية ومدنية

وبموجب أمرٍ تنفيذي وقّعه الرئيس ترامب في فبراير، واجه الأستاذان إمكانيةَ فرض عقوباتٍ جنائيةٍ ومدنيةٍ عليهما بسبب ارتباطهما بالمحكمة، بعد أن حقّقت المحكمة الجنائية الدولية في الولايات المتحدة وإسرائيل، وأصدرت العام الماضي مذكراتِ توقيفٍ بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق في ما يتعلق بتعاملهما مع الحرب في غزة.

ونصّ أمر الرئيس ترامب على إمكانية فرض عقوباتٍ بالسجن تصل إلى 20 عامًا على أي شخصٍ يدعم المحكمة الجنائية الدولية في عملها.

عكس حكم القاضي فورمان استنتاجات قاضٍ آخر خلال الفترة الأولى للرئيس ترامب، والذي خلص في يناير 2021 إلى أن أمرًا تنفيذيًا مماثلاً وقّعه ترامب قد أجبر رونا وثلاثة أساتذة آخرين على التخلي عن أو إعادة النظر في حرية التعبير والدعوة القانونية خوفًا من إمكانية تطبيق الأمر عليهم.

وعند توليه منصبه، ألغى الرئيس السابق جوزيف ر. بايدن، الأمر الأصلي لترامب، ولكن عندما عاد ترامب إلى منصبه هذا العام، أعاد إحياء الكثير من جوهره -وبعض الصياغة المتطابقة- في الأمر الذي وقّعه في فبراير.

قانون سلطات الطوارئ

واستشهد الأمر القضائي بالصلاحيات الرئاسية بموجب قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية -وهو القانون نفسه الذي استخدمه لتبرير العديد من التعريفات الجمركية- واتهم المحكمة الجنائية الدولية بإساءة استخدام سلطتها.

في رأيه الصادر يوم الأربعاء، صرّح القاضي فورمان، المُعيّن من قِبل أوباما، بأنّ المخاوف التي أثارها القاضي فايلا في الدعوى الأصلية لا تزال قائمة.

وكتب: "في القانون، كما في الحياة، لا يُصبح الخطأ صوابًا".

واختتم القاضي فورمان كلامه مُشيرًا إلى التأثير المُخيف لأمر الرئيس الصادر في فبراير على رونا وديفيس، ما دفعهما إلى تقليص عملهما في دعم المحكمة وفي الكتابة عن القانون الدولي.

ولا يعني الحكم بالضرورة أن العلاقة بين واشنطن ولاهاي ستتغير جذريًا، لكنّه يُشكل سابقة مهمة في حماية الحريات الأكاديمية، ويبعث برسالة مفادها أن المؤسسات الأمريكية –على الأقل القضائية منها– لا تزال قادرة على التصدي للقرارات الجائرة حتى إن صدرت من أعلى مستويات السلطة.

 

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية