حين تُزرع الأرض بالأفكار العنصرية.. كيف تُعيد رؤية ترامب الزراعية إنتاج الصور العرقية؟
حين تُزرع الأرض بالأفكار العنصرية.. كيف تُعيد رؤية ترامب الزراعية إنتاج الصور العرقية؟
في مزارع الشمال والجنوب، وبين صفوف المحاصيل الممتدة عبر آلاف الأميال، لا يدور الجدل في الولايات المتحدة الأمريكية فقط حول التربة والماء والطقس، بل عمن يحق له زراعة الأرض ومن يُعتبر أصلًا "ملائمًا طبيعيًا" لها، وفي قلب هذا الجدل، تتجلّى سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رؤية زراعية مشبعة بالصور النمطية العرقية والتصنيفات العنصرية، التي لا تعكس فقط موقفًا من العمالة، بل أيضًا نظرة إلى البشر كأنهم أدوات، على أساس العرق والهوية.
وفق ما جاء في تقرير نشره موقع "أكسيوس"، اليوم الأربعاء، إنها ليست مجرد تصريحات عابرة، بل مواقف مؤسساتية تستند إلى تاريخ طويل من التمييز والاستغلال والطرد والتجريم، تجعل من الأرض الزراعية رمزًا لنزاع أخلاقي عنيف بين المساواة والعنصرية.
خطاب ترامب وتكريس النمطية
في مقابلة مع قناة CNBC، علّق الرئيس دونالد ترامب على نقص العمالة في القطاع الزراعي بالقول: "سكان الأحياء الفقيرة لا يقومون بهذا العمل.. هؤلاء الناس يفعلون ذلك بشكل طبيعي".
هذه الجملة، التي قد تبدو بريئة للوهلة الأولى، تنطوي على افتراض عنصري قديم: أن بعض المجموعات العرقية "مُهيأة بيولوجيًا" لأداء أعمال معينة، وهي سردية طالما استخدمت لتبرير استعباد السود في الماضي، واستغلال العمال المهاجرين في الحاضر.
حسب تحليل الحقوقية الأمريكية اللاتينية دولوريس هويرتا، المؤسسة المشاركة لمنظمة "عمال المزارع المتحدة"، فإن هذا الطرح ليس جديدًا: “قالوا إن المزارعين المكسيكيين مُهيؤون طبيعيًا لاستخدام المعاول القصيرة لأنها ”أقرب إلى الأرض" الأمر كله عنصرية وتمييز".
العودة إلى الجذور
التاريخ الأمريكي الزراعي ليس منفصلًا عن سجل التمييز العرقي، فمنذ قانون "استبعاد الصينيين" عام 1882 الذي طرد آلاف العمال الصينيين الذين حوّلوا أراضي كاليفورنيا إلى جنات زراعية، مرورًا بقانون أراضي الأجانب في كاليفورنيا الذي استهدف اليابانيين، ووصولًا إلى عمليات الترحيل المكثفة للمكسيكيين في ثلاثينيات وخمسينيات القرن العشرين.
“السيطرة على الأرض كانت دومًا انعكاسًا للسيطرة على من يُعتبر ”أمريكيًا" بما يكفي للبقاء"، يقول الباحث راسل كونتريراس من موقع أكسيوس.
خلال الحرب العالمية الثانية، صادرت ولاية كاليفورنيا أراضي ما يقرب من 80 مزارعًا يابانيًا وممتلكات تقدر قيمتها بـ250 ألف دولار، في محاولة ممنهجة لإقصاء "غير البيض" من الملكية الزراعية.
عنصرية بقناع السيادة الزراعية
في 2025 يتجدد الخطاب، لكن بتقنيات جديدة، وزيرة الزراعة بروك رولينز صرّحت بأن الوزارة ستدرس ما إذا كان "يسمح للأمريكيين الصينيين" بامتلاك أراضٍ زراعية، رغم أن تقرير وزارة الزراعة يؤكد أن الصينيين لا يملكون سوى 277,000 فدان، أي أقل من 1% من الأراضي الزراعية الأجنبية، فإن الخطاب السياسي يضخم الخطر "الآسيوي" ويعيد إنتاج الخوف من "الآخر".
هذا يوازي ما يحدث في 28 ولاية أمريكية -على الأقل- سنت قوانين تقيد ملكية الأراضي الزراعية من قبل الأجانب، في تصعيد يُخفي خلفه نزعة قومية قائمة على نقاء الملكية العرقية.
العمالة المهاجرة
تعليق الرئيس ترامب حول استعداد المهاجرين "الطبيعي" للعمل الزراعي لا يعكس فقط نظرة دونية إلى العمال المهاجرين، بل يبرر أيضًا البنية الاقتصادية التي تستغلهم بأجور متدنية، وتمنع عنهم حقوق الحماية والتنظيم النقابي.
تُظهر إحصاءات 2024 أن: 73% من العمال الزراعيين في الولايات المتحدة هم من أصول لاتينية، 45% منهم لا يحملون وثائق إقامة قانونية، ومتوسط الدخل السنوي للعامل الزراعي لا يتجاوز 18,000 دولار.
وهذا الوضع يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات، من ساعات العمل القاسية إلى غياب التأمين الصحي، وحتى العنف الجنسي والتهديد بالطرد، بحسب تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
مقاومة التمييز باسم المساواة
المنظمات الحقوقية لم تقف صامتة، حيث قالت منظمة "كونكتاس" لحقوق الإنسان في البرازيل: "تصريحات ترامب تُشرعن الصورة النمطية ضد المهاجرين، وتُحوّلهم إلى أدوات بدلًا من مواطنين".
الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) أوضح أن "التمييز على أساس العرق في سياسات العمل الزراعي يُشكل انتهاكًا صارخًا للدستور وقيم المساواة".
مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قال: "إن السياسات الزراعية يجب أن تُبنى على الكفاءة والعدالة، لا على افتراضات بيولوجية تنتمي إلى قرون الاستعمار".
تسليح اللغة لتبرير التفرقة
تستخدم إدارة ترامب لغة تُضفي الشرعية على التمييز: "التزام بدعم المزارعين الأمريكيين"، "حماية الأراضي من الاستثمار الأجنبي"، "توفير العمالة اللازمة"، لكن وراء هذه العبارات يكمن خطاب يربط ملكية الأرض وحق الزراعة بالهوية البيضاء، ويُشكّك في شرعية وجود الملايين من المهاجرين وأحفادهم في الاقتصاد الزراعي الأمريكي.
التحدي أمام الولايات المتحدة: هل تتسع الأرض للجميع؟
أمريكا، في جوهرها، أُسّست على فكرة أن الأرض متاحة "لمن يزرعها"، لكن في خطاب ترامب، يبدو أن هذا الحق محصور لعرق دون آخر، وهو ما يتعارض مع روح الدستور ومع مبدأ العدالة الاقتصادية.