من "خلع الركبة" إلى إطلاق النار.. العنف العقابي يثير أزمة في أيرلندا الشمالية

من "خلع الركبة" إلى إطلاق النار.. العنف العقابي يثير أزمة في أيرلندا الشمالية
آثار أعمال الشغب في بليمينا، أيرلندا الشمالية - أرشيف

لا يزال العنف العقابي في أيرلندا الشمالية، يمثل جرحًا مفتوحًا في جسد المجتمع، حيث تختلط ذكريات الماضي بالصدمات الحاضرة، وتتجدد صور الخوف والوصمة في حياة الأفراد والعائلات.

تناولت صحيفة "الغارديان"، اليوم الاثنين، قصة عائلة مكابي التي واجهت لعنة ما يسمى بـ "خلع الركبة"، إذ سردت تفاصيل حياة وُسمت بالخوف والمعاناة نتيجة ممارسة قديمة لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الظاهرة التي ارتبطت بالعقوبات الجماعية من قبل الجماعات المسلحة لم تنته بانتهاء سنوات الصراع، بل استمرت إرثاً ثقيلاً يحمله الأفراد والمجتمعات.

عقوبة ذات أثر بالغ

وصفت الصحيفة البريطانية، كيف كانت عبارة "خلع الركبة" تحمل في طياتها تهديدًا واضحًا، لا يحتاج إلى شرح إضافي، لم يكن الأمر مجرد إصابة جسدية، بل عقوبة ذات أثر نفسي واجتماعي بالغ.

عاشت عائلة مكابي في دوامة من الألم والوصمة، حيث أصبح أفرادها محاصرين بذكرى الاعتداء وآثاره الممتدة على حياتهم اليومية، فلم يكن هذا النوع من العنف يستهدف الجسد فقط، بل الهوية والمكانة الاجتماعية، محوِّلاً الضحايا إلى رموز للترهيب.

وأضافت "الغارديان" أن استمرار هذه الممارسات يعكس فشلًا في معالجة جذور العنف في المجتمع الأيرلندي الشمالي، حيث لا تزال الجماعات المسلحة تفرض قواعدها الخاصة على الناس، بعيدًا عن سلطة القانون.

وكيف تحولت العقوبات الجسدية إلى أداة لإعادة إنتاج الخوف والسيطرة، مع ما يصاحبها من صمت اجتماعي وتردد في الإفصاح عن التجارب بسبب وصمة العار والخشية من الانتقام، ولم تكن عائلة مكابي حالة فردية، بل مثال على آلاف القصص التي بقيت طي الكتمان أو محصورة في دوائر ضيقة.

تحقيقات ستايسي دولي

أما "بي بي سي" فقد تناولت القضية من زاوية أخرى، من خلال فيلم وثائقي حمل عنوان "تحقيقات ستايسي دولي: الرجال الذين أطلق عليهم جيرانهم النار"، أوضح التحقيق أن كثيرًا من هذه الهجمات نفذها أشخاص يعرفون الضحايا معرفة شخصية، بل في بعض الأحيان كانوا جيرانًا أو أبناء الحي ذاته.

أكدت بي بي سي أن هذا القرب الاجتماعي جعل الجروح أعمق وأكثر إيلامًا، إذ لم يكن المعتدي غريبًا، بل شخص مألوف يعرف تفاصيل الحياة اليومية للضحية، وسردت شهادات لضحايا تعرضوا لإطلاق النار على أيدي جماعات شبه عسكرية، مشيرة إلى أن هذه الهجمات لم تكن مجرد حوادث فردية، بل جزء من نظام عقابي غير رسمي، يهدف إلى فرض سلطة وهيمنة خارج نطاق الدولة.

ركز التحقيق على أن هؤلاء الرجال الذين أُطلق عليهم النار لم يُنظر إليهم أنهم أفراد لهم حقوق، بل أمثلة لتحذير الآخرين، بحيث يتحول جسد الضحية إلى رسالة صامتة لبقية المجتمع، أوضحت "بي بي سي" أن الألم لم يتوقف عند لحظة الاعتداء، بل امتد لسنوات، محولًا حياة الضحايا إلى مسار مليء بالمعاناة الجسدية والنفسية والاجتماعية.

ارتبطت هذه الممارسات غالبًا بجرائم يُتهم بها الضحايا، من دون وجود أي عملية قانونية أو محاكمة عادلة، ما جعل من هذه العقوبات شكلاً من أشكال العدالة الموازية، ومع ذلك، لم يكن الهدف الحقيقي تحقيق العدالة بقدر ما كان فرض السيطرة وتثبيت سلطة الجماعات المسلحة.

أبرز التحقيق أن هذه الهجمات استمرت حتى بعد اتفاق السلام في أيرلندا الشمالية، لتكشف أن إنهاء النزاع السياسي لم يكن كافيًا لإنهاء ممارسات العنف العقابي، وأن العديد من الضحايا لا يزالون يعيشون في خوف، محاصرين بين الألم الجسدي والوصمة الاجتماعية.

ظاهرة "خلع الركبة"

بينما ركزت "الغارديان" على الأثر النفسي والاجتماعي لظاهرة "خلع الركبة"، سلطت "بي بي سي" الضوء على الطابع الممنهج للهجمات ودور الجماعات المسلحة في استدامتها، ما يعني أن هذا العنف يتجاوز الأفراد ليطول المجتمع بأسره، ولم يكن الصراع السياسي وحده سبب هذه الانتهاكات، بل أيضًا إرث ثقافي واجتماعي رسّخ فكرة أن العقوبة البدنية وسيلة فعالة للسيطرة، حتى لو جاء ذلك على حساب كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.

وفي الوقت الذي بينت فيه "الغارديان" أن إرث العنف لا يزال حيًا في الذاكرة الجماعية لأيرلندا الشمالية، شددت "بي بي سي" على أن الحاضر لا يقل قسوة عن الماضي، فالهجمات لم تتوقف تمامًا، وإن تغيرت أشكالها.

وأوضحت أن استمرار هذا النمط من العنف يعكس هشاشة النظام الاجتماعي والسياسي، ويكشف حدود تأثير المؤسسات الرسمية في حماية الأفراد.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية