قيرغيزستان بين إصلاحات دستورية وضغوط حقوقية.. توصيات دولية لمستقبل أكثر شفافية

قيرغيزستان بين إصلاحات دستورية وضغوط حقوقية.. توصيات دولية لمستقبل أكثر شفافية
قيرغيزستان

عقد الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل دورته الثامنة والأربعين في الفترة من 28 أبريل إلى 9 مايو 2025، واستعرضت الدورة الحالة في قيرغيزستان، واعتمد الفريق العامل التقرير المتعلق بها في جلسته العاشرة المنعقدة في 2 مايو، فيما اختار مجلس حقوق الإنسان فريق المقررين من إثيوبيا وكوبا والمالديف.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، والمقرر عرضه خلال الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تتواصل فعالياتها حتى 8 أكتوبر المقبل، فإن قيرغيزستان قدّمت نفسها باعتبارها دولة تعيش مرحلة تحول عميق في بنيتها الدستورية والقانونية، مؤكدة التزامها بمواءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

إصلاحات دستورية وتحول سياسي

أكد الوفد القيرغيزي أن بلاده مرت منذ عام 2021 بمسار متسارع من الإصلاحات السياسية، بدأ باستفتاء شعبي على دستور جديد يُعلي من شأن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويضع أسسًا أكثر صرامة لمكافحة الفساد وضمان سيادة القانون. 

وأبرز الدستور الجديد مواد صريحة تكفل حرية التعبير والمساواة بين المواطنين، إلى جانب النص على حماية حقوق الطفل ومنع استغلاله في سوق العمل.

وأشار التقرير إلى أن قيرغيزستان أجرت انتخابات رئاسية اعتُبرت نزيهة وشفافة، كما تبنت آليات لتوسيع نطاق مشاركة المجتمع المدني وتعزيز الحوار مع المنظمات غير الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لطي صفحة من التوترات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية.

التعليم والتنمية المستدامة

على صعيد التنمية، عرضت قيرغيزستان برامج طموحة، أبرزها "برنامج تطوير التعليم 2021-2040"، الذي يستهدف تحديث البنية التعليمية ورفع مستوى جودة التعليم العام والجامعي. 

كما تبنت استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة للفترة من 2025 إلى 2030، تركز على الحد من الفقر، وتوسيع نطاق الخدمات الاجتماعية، وتعزيز دور المرأة في الحياة العامة.

وبحسب التقرير، فقد حققت البلاد نموًا اقتصاديًا ملحوظًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ترافق مع زيادة في حجم الناتج المحلي الإجمالي، ما مكّن الحكومة من استثمار أكبر في البنية التحتية الصحية والتعليمية. 

كما أطلقت الدولة برامج دعم للفئات الأكثر هشاشة، بمن في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن والأسر ذات الدخل المحدود.

العدالة ومكافحة الجريمة

في مجال العدالة، أعلنت قيرغيزستان اعتماد تشريعات جديدة لمكافحة الجريمة المنظمة، وتبني بدائل للعقوبات التقليدية، مثل "الأساور الإلكترونية"، بهدف تقليل معدلات الاحتجاز وضمان عدالة أكثر إنصافًا. 

كما جرى تعزيز استقلال القضاء من خلال إصلاحات مؤسسية تضمنت إدخال الرقمنة في عمل المحاكم، وتبني آليات للشفافية تتيح للجمهور الاطلاع على جلسات المحاكمات.

وأكد الوفد القيرغيزي أن البلاد تعمل على تطوير نظام وطني للوقاية من التعذيب، بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى جانب إنشاء مؤسسات وطنية جديدة لتتبع تنفيذ التوصيات الأممية ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخليًا.

حقوق المرأة والفئات المهمشة

حازت حقوق المرأة على مساحة معتبرة من التقرير، إذ أشار إلى زيادة نسبة تمثيل النساء في البرلمان إلى 30 في المئة، وإقرار قوانين جديدة لتجريم العنف الأسري وتشديد العقوبات على مرتكبيه. 

كما اعتمدت الدولة الاستراتيجية الوطنية للمساواة بين الجنسين للفترة من 2025 إلى 2030، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية.

وفي ما يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، تعهدت قيرغيزستان بمواءمة قوانينها مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب تعزيز خدمات الدعم والرعاية، وضمان وصولهم إلى التعليم والعمل دون تمييز.

توصيات دولية

وتلقت قيرغيزستان سيلًا من التوصيات خلال جلسة الاستعراض، وطالبت عدة دول بضرورة التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وهو مطلب تكرر من اليابان وأوكرانيا والعراق وسريلانكا. 

كما دُعيت الدولة إلى النظر في التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وطالبت وفود أخرى بضرورة تعديل التشريعات الوطنية بما يضمن مكافحة جميع أشكال التمييز، بما في ذلك التمييز القائم على أساس الجنس أو الميل الجنسي أو الهوية الجنسانية. 

كما أوصت تقارير الدول بضرورة اعتماد خطة عمل وطنية جديدة لحقوق الإنسان للفترة 2025-2027، بما يترجم الالتزامات الدولية إلى سياسات واقعية.

البيئة والحوكمة الرشيدة

التوصيات لم تقتصر على الملفات التقليدية، بل شملت أيضًا قضايا البيئة والتنمية المستدامة. فقد دعت بعض الوفود قيرغيزستان إلى تعزيز جهودها في مكافحة الفساد، وضمان الشفافية في إدارة الموارد الطبيعية، خاصة المياه. 

وأُشير إلى أن 95 في المئة من السكان يحصلون على مياه شرب نظيفة، لكن تحسين البنية التحتية في المناطق الريفية ما زال يمثل تحديًا.

وشجعت التوصيات على تعزيز التعاون مع المجتمع المدني وضمان استقلال المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بما يتماشى مع "مبادئ باريس"، إلى جانب دعم دور أمين المظالم كهيئة رقابية مستقلة وفعّالة.

وأنهي التقرير الأممي المخصص لقيرغيزستان باستعراض التزامات أساسية يُنتظر أن تعمل عليها الدولة خلال المرحلة المقبلة، في مقدمتها المضي في التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والنظر في التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية