الطرد الجماعي للمهاجرين.. صورة قاتمة لحقوق النازحين في زمن الأزمات
الطرد الجماعي للمهاجرين.. صورة قاتمة لحقوق النازحين في زمن الأزمات
تشهد دول عدة حول العالم، وفي إفريقيا بشكل خاص، تصاعداً مقلقاً في عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، هذه العمليات التي تُنفذ غالباً عبر قرارات إدارية عاجلة، تثير أسئلة إنسانية وقانونية عميقة حول احترام الحقوق الأساسية للأفراد الذين يفرون من النزاعات أو الفقر أو الاضطهاد، وفي هذا السياق، دعا المقرر الأممي الخاص بحقوق الإنسان للمهاجرين، جهاد ماضي، يوم الجمعة، إلى وقف هذه الممارسات وإرساء نظام قانوني عادل يضمن مراجعة فردية لكل حالة، مؤكداً أن المهاجرين واللاجئين "أصحاب حقوق وليسوا مصدراً للتهديد" وفق وكالة الأنباء الألمانية.
موريتانيا بوصفها نموذجاً.. إنقاذ الأرواح في بحر الأزمات
كشفت تقارير الأمم المتحدة أن موريتانيا أنقذت في عام 2024 نحو 8000 مهاجر، إضافة إلى 2000 آخرين منذ بداية عام 2025، لكن هذه الجهود الإنسانية تترافق مع تحديات متنامية، مراكز الاحتجاز والإيواء تعاني من اكتظاظ شديد، في حين يفتقر معظمها إلى المعايير الإنسانية الأساسية من حيث النظافة، المساحة، والرعاية الطبية، ولا يوجد سوى مركز واحد بدعم من الاتحاد الأوروبي يلبي المعايير المطلوبة، ما يجعل الحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي أكثر إلحاحاً.
الطرد الجماعي: أسباب وتداعيات
تعود أسباب تصاعد عمليات الطرد الجماعي إلى مزيج من الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية، وترى الحكومات في هذه الإجراءات وسيلة سريعة للحد من التدفقات البشرية التي ترهق بنيتها التحتية الضعيفة، لكن التداعيات الإنسانية جسيمة، ففقدان المهاجرين الحماية القانونية يعرضهم لخطر الإعادة إلى بلدان قد يواجهون فيها اضطهاداً أو عنفاً، كما يعد انتهاكاً لحقهم في طلب اللجوء.
على المستوى المجتمعي، تولد هذه السياسات مناخاً من التوتر والخوف، ليس فقط بين المهاجرين بل أيضاً بين المجتمعات المضيفة التي تتأثر بانتهاكات حقوق الإنسان.
القانون الدولي والالتزامات المنتهكة
ينص مبدأ عدم الإعادة القسرية، الوارد في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، على حظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للاضطهاد أو الخطر، كما يحمي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في محاكمة عادلة وحق اللجوء إلى القضاء، لكن معظم قرارات الطرد تُنفذ اليوم عبر أوامر إدارية دون مراجعة قضائية، ما يجعلها عرضة لاعتبارها خرقاً مباشراً للقانون الدولي.
الأمم المتحدة والمنظمات الأممية الأخرى، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تؤكد أن المهاجرين يجب أن يتمتعوا بفرصة حقيقية لتقديم طلب لجوء والنظر فيه بشفافية، بدلاً من ترحيلهم بشكل جماعي إلى المجهول.
شهادات وتقارير حقوقية
منظمة العفو الدولية وصفت الطرد الجماعي بأنه "عقوبة جماعية مقنعة"، مشيرة إلى أن العديد من المرحلين يتعرضون لانتهاكات جسيمة فور إعادتهم، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب.
هيومن رايتس ووتش بدورها أشارت إلى أن مراكز الاحتجاز في بعض الدول الإفريقية "أشبه بثكنات عسكرية مكتظة" تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية.
على الصعيد المحلي، انتقدت منظمات حقوقية موريتانية ما وصفته بـ"تسييس ملف المهاجرين"، ودعت إلى اعتماد سياسة أكثر شفافية تتماشى مع المعايير الدولية.
ضغوط على الحكومات وضعف الدعم الدولي
تزايد أعداد المهاجرين يضع ضغوطاً هائلة على حكومات دول العبور مثل موريتانيا والنيجر وليبيا، والإمكانيات المحدودة لهذه الدول تجعلها غير قادرة وحدها على استيعاب الأزمة، المقرر الأممي شدد على ضرورة أن يقدم المجتمع الدولي دعماً ملموساً لبناء قدرات هذه الدول في التعامل مع ملفات الهجرة وحماية الحقوق.
لكن الواقع يعكس فجوة كبيرة بين الخطاب الدولي والدعم الفعلي، الاتحاد الأوروبي، مثلاً، يقدم بعض التمويل لمراكز الإيواء والرقابة الحدودية، لكنه في الوقت ذاته يواصل الضغط لوقف تدفق المهاجرين بأي ثمن، حتى على حساب حقوق الإنسان.
من الأمل إلى الأزمات
الهجرة في غرب إفريقيا ليست ظاهرة جديدة، بروتوكول حرية التنقل الصادر عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عام 1979 منح المواطنين حق التنقل والإقامة والعمل بين الدول الأعضاء، غير أن الضغوط الاقتصادية والأمنية خلال العقدين الماضيين دفعت الحكومات إلى تقييد هذه الحقوق عملياً، خصوصاً مع تصاعد الضغوط الأوروبية للحد من تدفقات المهاجرين.
التاريخ يُظهر أن سياسات الطرد الجماعي لم تحقق سوى نتائج محدودة على المدى القصير، لكنها أسهمت في تفاقم الأزمات الإنسانية وإشعال دوامات جديدة من النزوح.
التداعيات الإنسانية: بين البحر والصحراء
المهاجرون المطرودون غالباً ما يُتركون في مناطق حدودية أو يُرجعون إلى بلدان تفتقر إلى الاستقرار، البعض يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الصحراء الكبرى أو البحر المتوسط، وقد وثقت المنظمة الدولية للهجرة وفاة أكثر من 3 آلاف مهاجر في عام 2024 على طرق العبور المختلفة إلى أوروبا، في حين لا تزال أعداد المفقودين مجهولة.
هذه المآسي لا تنفصل عن سياسات الطرد الجماعي، إذ تدفع المهاجرين إلى سلوك طرق أكثر خطورة للهروب من الإعادة القسرية.
نحو مقاربة إنسانية شاملة
الأمم المتحدة شددت على ضرورة إصلاح القوانين الوطنية بما يتيح مراجعة فردية لكل حالة، وتدريب قوات الأمن على التعامل مع المهاجرين باحترام، وتوسيع فرص الحصول على بطاقات الإقامة. المطلوب ليس فقط تحسين ظروف الاحتجاز، بل التحول من عقلية "الإدارة الأمنية للأزمة" إلى رؤية إنسانية تعترف بأن المهاجرين أصحاب حقوق.
المنظمات الحقوقية الدولية تدعو أيضاً إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، ليس لتمويل مراكز احتجاز جديدة، بل لتوفير بدائل إنسانية تحترم الكرامة وتوفر الحماية.
أزمة الطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء ليست أزمة دولة بعينها، بل هي اختبار للضمير العالمي. والتعامل مع المهاجرين باعتبارهم تهديداً أمنياً يكرس سياسات قصيرة النظر، فالمطلوب سياسات مستدامة تعالج جذور الهجرة من فقر ونزاعات وانتهاكات حقوقية.
التاريخ سيحكم على المجتمع الدولي، ليس بخطاباته وبياناته، بل بما إذا كان قادراً على تحويل الالتزامات القانونية والأخلاقية إلى أفعال ملموسة تحمي حياة البشر وكرامتهم.