إثر انتقادات سياسية وأمنية.. واشنطن توقف قرعة البطاقات الخضراء ضمن سياسة الهجرة

إثر انتقادات سياسية وأمنية.. واشنطن توقف قرعة البطاقات الخضراء ضمن سياسة الهجرة
وقف برنامج قرعة البطاقات الخضراء للمهاجرين في الولايات المتحدة

أعلنت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم الثلاثاء أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت وقف برنامج قرعة البطاقات الخضراء للمهاجرين، في خطوة تعكس تحولاً حاداً في مقاربة ملف الهجرة، وتفتح فصلاً جديداً من السياسات التي تقوم على التشديد والانتقاء بدل التوسع والانفتاح.

 القرار جاء على خلفية حادثة إطلاق نار في جامعة براون، حيث تبين أن المشتبه به حصل قبل سنوات على تصريح قانوني لدخول الولايات المتحدة عبر هذا البرنامج وفق وكالة أنباء أسوشيتد برس.

برنامج قرعة التنوع للحصول على البطاقة الخضراء، المعروف اختصاراً باسم DV1، أنشأه الكونجرس الأمريكي عام 1990 بهدف جذب مهاجرين من دول ذات معدلات هجرة منخفضة إلى الولايات المتحدة، وتعزيز التنوع الديمغرافي داخل المجتمع الأمريكي، وعلى مدى أكثر من 3 عقود، مثل البرنامج فرصة سنوية لعشرات الآلاف من الأشخاص حول العالم للحصول على الإقامة الدائمة بطريقة قانونية.

لكن هذا المسار الذي طالما دافع عنه أنصاره باعتباره بوابة أمل للفئات الأقل حظاً في نظام الهجرة، بات اليوم في مرمى الانتقادات السياسية والأمنية، خاصة مع ربطه بحوادث جنائية فردية تستخدم لتبرير إعادة النظر في فلسفة البرنامج برمتها.

أرقام وشروط البرنامج

في السنة المالية 2026 كان من المقرر السماح لـ 55000 مهاجر بالمشاركة في قرعة الحصول على البطاقة الخضراء، شريطة ألا يكونوا من دول صدّرت أكثر من 50000 مهاجر إلى الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، وهذه القاعدة كانت تهدف إلى ضمان التوازن الجغرافي، ومنح فرص كبرى لمواطني الدول الأقل تمثيلاً في موجات الهجرة، إلا أن قرار وقف البرنامج يضع مصير هذه الحصة السنوية في مهب الريح، ويثير تساؤلات حول البدائل التي ستعتمدها الإدارة الأمريكية، وما إذا كانت ستتجه إلى إلغاء المسار نهائياً أو استبداله بآليات هجرة أكثر تشدداً.

ربط قرار الإيقاف بحادثة إطلاق النار في جامعة براون أثار جدلاً واسعاً، حيث يرى منتقدو الخطوة أن تحميل برنامج الهجرة مسؤولية أفعال فردية يمثل تبسيطاً مفرطاً وتعميماً غير منصف، وفي المقابل تؤكد الإدارة أن من واجبها مراجعة أي مسار قانوني يثبت أنه قد يشكل ثغرة أمنية محتملة.

وزيرة الأمن الداخلي شددت في إعلانها على أن حماية الأمن القومي تأتي في صدارة أولويات الإدارة، وأن أي برنامج هجرة يجب أن يخضع لتقييم صارم يوازن بين المصالح الإنسانية ومتطلبات السلامة العامة.

تغييرات تطول تأشيرات العمل

بالتوازي مع وقف برنامج قرعة البطاقات الخضراء، أعلنت إدارة الرئيس ترامب عن تغييرات جذرية في آلية اختيار تأشيرات العمل من نوع H-1B التي تعد من أكثر المسارات استخداماً لاستقدام العمالة الأجنبية الماهرة إلى الولايات المتحدة.

فبدلاً من نظام القرعة العشوائية الذي كان معمولاً به لعقود، قررت الإدارة اعتماد نظام مرجح يعطي الأولوية للعمال الأجانب ذوي المهارات العالية والأجور المرتفعة، في تحول يعكس رؤية اقتصادية ترى أن الهجرة يجب أن تخدم بشكل مباشر سوق العمل الأمريكي وتنافسية الاقتصاد.

قالت وزارة الأمن الداخلي إن الهدف من هذا التغيير هو حماية أجور العمال الأمريكيين وظروف عملهم وفرصهم الوظيفية، إلى جانب تعزيز نزاهة برنامج تأشيرة H-1B، وترى الإدارة أن النظام السابق سمح بإساءة استخدام القرعة من قبل بعض أصحاب العمل الذين كانوا يسعون إلى استقدام عمالة أجنبية بأجور أقل من تلك التي يتقاضاها العمال الأمريكيون.

وفي هذا السياق قال المتحدث باسم دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية ماثيو تراجيسر إن عملية الاختيار العشوائي تعرضت للاستغلال، وإن النظام الجديد يخدم بشكل أفضل الهدف الذي وضعه الكونجرس عند إنشاء برنامج H-1B.

الانتقاء بدل الحظ

بموجب اللائحة الجديدة، لن تمنح تأشيرات H-1B عبر قرعة عشوائية بحتة كما كان الحال خلال العقدين الماضيين، وبدلاً من ذلك، ستخضع الطلبات لعملية ترتيب مرجحة تزيد من فرص حصول المتقدمين ذوي الأجور العليا والمهارات الأكثر تخصصاً على التأشيرات.

وفي الوقت نفسه، ستظل الفرصة متاحة أمام أصحاب العمل لتقديم طلبات توظيف عمال من مختلف مستويات الأجور، لكن احتمالات القبول ستتفاوت بحسب معايير جديدة تركز على القيمة الاقتصادية المضافة.

ومن المقرر أن تدخل القواعد الجديدة حيز التنفيذ في 27 فبراير، على أن تطبق خلال فترة التسجيل للسنة المالية 2026-2027، ويظل العدد السنوي لتأشيرات H-1B محدداً عند 65000 تأشيرة، إضافة إلى 20000 تأشيرة مخصصة لحاملي الشهادات العليا من الجامعات الأمريكية.

هذه الأرقام تعكس استمرار القيود العددية الصارمة، رغم التغييرات النوعية في آلية الاختيار، ما يعني أن المنافسة على هذه التأشيرات ستصبح أكثر حدة، خاصة بالنسبة للعمال ذوي الدخل المتوسط أو التخصصات الأقل ربحية.

انقسام في ردود الفعل

القرارات الجديدة قوبلت بردود فعل متباينة، فبينما رحب بها أنصار سياسة الهجرة المتشددة، باعتبارها خطوة لحماية العمال الأمريكيين وضبط سوق العمل، حذرت منظمات حقوقية وخبراء هجرة من أن هذه التغييرات قد تقوض مبدأ تكافؤ الفرص، وتغلق الأبواب أمام آلاف المهاجرين المؤهلين الذين لا تنعكس قيمتهم بالضرورة في مستوى الأجور وحده.

ويرى منتقدون أن التركيز على الأجور قد يهمش قطاعات حيوية مثل البحث الأكاديمي والتعليم والرعاية الصحية، حيث لا تكون الرواتب دائماً مرتفعة، رغم الحاجة الكبيرة للكوادر المتخصصة.

وتعكس هذه القرارات تحولاً أعمق في فلسفة الهجرة الأمريكية، من نموذج يسعى إلى التنوع والانفتاح النسبي، إلى نموذج يقوم على الانتقاء الصارم وربط الهجرة بالقيمة الاقتصادية والأمنية المباشرة، وهو توجه ينسجم مع الخطاب السياسي الذي ميز إدارة ترامب، والقائم على أولوية الأمن والوظائف المحلية.

في المقابل، يخشى مراقبون من أن يؤدي هذا النهج إلى تقليص القوة الناعمة للولايات المتحدة التي طالما استفادت من استقطاب مهاجرين من خلفيات متنوعة أسهموا في الابتكار والنمو الثقافي والاقتصادي.

يعد برنامج قرعة التنوع واحداً من أكثر برامج الهجرة إثارة للجدل في الولايات المتحدة، إذ استفاد منه ملايين الأشخاص منذ إطلاقه عام 1990، وأسهم في إدخال مهاجرين من مناطق كان تمثيلها ضعيفاً في الهجرة الأمريكية، أما تأشيرة H-1B، فقد شكلت لعقود العمود الفقري لهجرة الكفاءات، خاصة في مجالات التكنولوجيا والهندسة والطب، ومع تصاعد الجدل حول تأثير الهجرة في سوق العمل والأمن القومي، باتت هذه البرامج في قلب الصراع السياسي الداخلي، وتأتي قرارات إدارة ترامب في سياق أوسع من السياسات التي تهدف إلى إعادة تعريف من يحق له الهجرة إلى الولايات المتحدة، وعلى أي أساس، في لحظة تشهد فيها البلاد انقساماً حاداً حول معنى الهجرة ودورها في المستقبل الأمريكي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية