ضغوط وتحركات حقوقية.. هل تنجح المنظمات المدنية في إنهاء عقوبة الإعدام بماليزيا وسنغافورة؟

ضغوط وتحركات حقوقية.. هل تنجح المنظمات المدنية في إنهاء عقوبة الإعدام بماليزيا وسنغافورة؟
احتجاجات مطالبة بوقف عقوبة الإعدام

في وقت يتزايد فيه القلق الدولي بشأن احترام حقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا، أطلقت منظمات المجتمع المدني في ماليزيا وسنغافورة نداءً عاجلاً اليوم الاثنين لوقف جميع عمليات الإعدام فوراً، وحماية حياة خمسة رجال يواجهون خطر التنفيذ الوشيك في سنغافورة.

وتؤكد هذه المنظمات أن استمرار استخدام عقوبة الإعدام، ولا سيما الإعدام الإجباري في قضايا المخدرات، يتعارض مع المعايير الدولية ويكشف عن ثغرات خطيرة في أنظمة العدالة.

من بين هؤلاء المعرضين للإعدام أربعة ماليزيين –داتشينامورتي كاتايا، بانير سيلفام برانثامان، ساميناثان سيلفاراجو، لينكسفاران راجيندارين– إضافة إلى مواطن سنغافوري، جومعت بن محمد سيد، جميعهم قضوا ما بين سبع إلى عشر سنوات في زنزانة الموت في سجن تشانغي بسنغافورة، بعد إدانتهم في قضايا تهريب مخدرات وفق منظمة العفو الدولية.

النداء الحقوقي المشترك

المنظمات الموقعة على البيان –وبينها العفو الدولية، ومشروع العدالة ضد عقوبة الإعدام، والتحالف ضد عقوبة الإعدام– طالبت السلطات السنغافورية بوقف الإعدامات فوراً، وحثت ماليزيا على بذل كل الجهود الدبلوماسية لحماية مواطنيها، فضلاً عن دفعها باتجاه إلغاء العقوبة بشكل كامل على المستويين المحلي والإقليمي.

وأكدت المنظمات أن الإعدامات الأخيرة في سنغافورة، والتي بلغت عشرة هذا العام وحده بينهم مواطنان ماليزيان، تعكس قسوة وإجبارية العقوبة.

ورغم أن مجلس الوزراء السنغافوري أوصى في أغسطس 2025 بمنح عفو استثنائي لمسجون لأول مرة منذ نحو ثلاثة عقود، فإن هذه الخطوة اعتُبرت "اعترافاً نادراً بمدى تعسف النظام القائم"، وليست بديلاً عن إصلاح شامل.

قضية بانير سيلفام

من بين الملفات التي أثارت صدمة واسعة، تبرز قضية الماليزي بانير سيلفام برانثامان، المحكوم بالإعدام منذ عام 2017، إذ أُدين بحيازة 51.84 غرام من الهيروين، رغم مؤشرات قوية على أنه لم يكن سوى وسيط صغير في الشبكة، ورغم تقديمه معلومات مهمة للسلطات، لم يحصل على شهادة "المساعدة الجوهرية" التي تتيح استبدال العقوبة، ما جعل الإعدام إلزامياً بحقه.

إضافة إلى ذلك، افتقرت قضيته إلى الضمانات الأساسية ممثلة في غياب محامٍ أثناء التحقيق، وقيود صارمة على الطعون، وانتهاكات سرية التواصل مع الدفاع، وعدم توفير مساعدة قانونية كافية بعد الاستئناف، وفي سبتمبر 2025، رفضت محكمة الاستئناف طلبه الأخير، في وقت لا تزال شكوى ضد محاميه قيد النظر، ما أثار انتقادات لحرمانه من محاكمة عادلة.

إلى جانب بانير، رفع أربعة آخرون دعاوى عام 2022 ضد استخدام القرائن القانونية في قضايا المخدرات، فالقانون السنغافوري يفترض نية الاتجار بمجرد حيازة كمية معينة، ما ينقل عبء الإثبات إلى المتهمين، وهذا يتعارض مع مبدأ البراءة المنصوص عليه في القانون الدولي، ويجعل المتهمين عرضة لأحكام إعدام بناءً على افتراضات لا أدلة قاطعة.

موقف القانون الدولي

تعارض الأمم المتحدة منذ عقود تطبيق عقوبة الإعدام في قضايا المخدرات، إذ تنص المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن الإعدام لا يجوز إلا في "أخطر الجرائم"، وهي التي تنطوي على القتل العمد، وفي 2023 جدّد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان دعوته لسنغافورة إلى وقف جميع الإعدامات فوراً، مؤكداً أن تطبيق العقوبة في قضايا غير عنيفة يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمقرر الخاص المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء، أكدا مراراً أن الإعدام الإجباري يتعارض بشكل مباشر مع حقوق المحاكمة العادلة ومعايير العدالة الدولية.

على الضفة الأخرى، قطعت ماليزيا خطوات مهمة نحو إصلاح نظام العدالة الجنائية، ففي يوليو 2023 ألغت حكم الإعدام الإجباري، وبدأت إعادة محاكمة مئات المحكومين، حيث استُبدلت غالبية الأحكام بالسجن لمدد طويلة تتراوح بين 30 و40 عاماً، مع الجلد في بعض الحالات، كما أعلنت الحكومة استمرار تعليق تنفيذ الإعدامات، ودراسة إلغاء العقوبة نهائياً.

هذا التحول منح ماليزيا مكانة خاصة باعتبارها رئيسة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في 2025، إذ بات بإمكانها أن تقود أجندة إقليمية نحو إنهاء عقوبة الإعدام.

التداعيات الإنسانية

لا تقتصر المعاناة على المحكومين بالإعدام فقط، فأسرهم تعيش سنوات طويلة في خوف ويأس، حيث لا يُخطرون بموعد التنفيذ إلا قبل أيام قليلة، ما يضاعف الصدمة النفسية، وكثير من المحكومين من خلفيات فقيرة، جرى استغلالهم كـ"حمَلة" في شبكات المخدرات، ما يطرح أسئلة حول العدالة الاجتماعية ودور الدولة في حمايتهم بدلاً من إعدامهم.

منظمات محلية مثل "حركة الطلاب من أجل العدالة التحويلية" في سنغافورة و"ماليزيون ضد عقوبة الإعدام والتعذيب" تؤكد أن العقوبة تضر بالفئات الأضعف وتفشل في ردع الجرائم، وتشير إحصاءات "مشروع العدالة ضد عقوبة الإعدام" إلى أن نسبة كبيرة من المحكومين هم من المهاجرين أو العمال محدودي الدخل.

التحركات الحقوقية في سنغافورة وماليزيا حظيت بدعم منظمات دولية مثل "معاً ضد عقوبة الإعدام" (ECPM) ومنظمات إقليمية في آسيا وإفريقيا، كما أبدت دول أوروبية عديدة قلقها، وكررت الاتحاد الأوروبي دعواته لتعليق الإعدامات في سنغافورة.

في أغسطس 2025، أعرب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالإعدام عن "صدمته" من استمرار تنفيذ أحكام الإعدام بوتيرة متسارعة في سنغافورة، داعياً إلى التوقف الفوري والانضمام إلى الاتجاه العالمي نحو الإلغاء.

تعود عقوبة الإعدام في سنغافورة إلى قوانين الحقبة الاستعمارية البريطانية، لكنها اكتسبت طابعاً صارماً منذ السبعينيات مع "حرب المخدرات" التي تبنتها الحكومة، وبموجب قانون المخدرات الخطير لعام 1975، فُرضت أحكام إلزامية بالإعدام على حيازة كميات محددة، وهذا التشدد جعل سنغافورة واحدة من أكثر الدول تنفيذاً للإعدامات بالنسبة لعدد السكان.

أما في ماليزيا فقد ورثت البلاد بدورها نظاماً مشابهاً، لكنها منذ سنوات بدأت مراجعة شاملة، استجابة لضغوط داخلية ودولية، ولإدراك محدودية الردع الذي توفره العقوبة.

آفاق التغيير

المجتمع المدني يرى أن المرحلة الحالية تمثل فرصة تاريخية لخطوات عملية تشمل مطالبة سنغافورة بتعليق جميع الإعدامات فوراً والالتزام بمراجعة القوانين، ودعوة ماليزيا لتسريع خطوات الإلغاء الكامل للعقوبة، واستثمار موقعها القيادي في آسيان لإطلاق مبادرة إقليمية، وتعزيز التعاون الدولي لتوفير الدعم القانوني والضغط الدبلوماسي على الحكومات.

الناشطون يؤكدون أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بإنقاذ خمسة سجناء، بل بإنهاء عقوبة قاسية تُصنَّف على نطاق واسع بأنها غير إنسانية، وضمان التزام دول المنطقة بمبادئ الكرامة والعدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية