جفاف بحيرة أرومية يهدد بكارثة بيئية وإنسانية في إيران
جفاف بحيرة أرومية يهدد بكارثة بيئية وإنسانية في إيران
أفادت وكالة أنباء إيلنا الإيرانية بأن الجفاف الواسع الذي ضرب بحيرة أرومية والانخفاض الحاد في مواردها المائية أدّيا إلى تدمير الأراضي الزراعية المحيطة بها وتدهور أوضاع المزارعين المعيشية، في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي تشهدها إيران خلال العقود الأخيرة.
وأوضحت الوكالة، في تقريرها الصادر الأربعاء، أن "القرى التي كانت تنبض بالحياة يوماً ما بدأت تخلو من سكانها واحداً تلو الآخر"، مشيرةً إلى أن الأهالي باتوا يواجهون خيارين قاسيين: إما الرحيل إلى أماكن مجهولة بحثًا عن البقاء، وإما البقاء في أرض تحوّل هواؤها المحمّل بالملح إلى خطر يومي على صحتهم.
وقال أحد المزارعين للوكالة: "بعض جيراننا أصيبوا بأمراض تنفسية ومزمنة بسبب العواصف الملحية"، في إشارة إلى التدهور الصحي الخطير الناتج عن جفاف البحيرة وتحول قاعها إلى مصدر دائم للغبار السام.
تحذيرات واعتراف بالأزمة
قبل ساعات من صدور التقرير، وصف محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس مسعود بزشكيان، قضية إنقاذ بحيرة أرومية بأنها أهم قضية وطنية في البلاد.
وقال: "لا سبيل أمامنا سوى التوافق بين النخب، والاستفادة من آراء الأكاديميين، ومشاركة المنظمات الشعبية والبيئية لإنقاذ هذه البحيرة"، داعياً إلى معالجة عاجلة ومنسقة بين مختلف مؤسسات الدولة.
وفي الأول من أكتوبر، حذّر رئيس مجلس إدارة اتحاد صناعة المياه في إيران، رضا حاجي كريم، من أن وضع البحيرة "يقترب من أسوأ حالاته"، مضيفاً أن "العواصف الملحية بدأت بالفعل"، وأشار إلى أن عمليات إخلاء المحافظات المجاورة للبحيرة قد بدأت فعليًا بسبب الظروف المناخية القاسية.
وأوضح حاجي كريم أن "العواصف وارتفاع درجات الحرارة نتيجة انعكاس أشعة الشمس على الملح من أبرز تداعيات الجفاف، ما يجعل الحياة في المنطقة شبه مستحيلة"، واصفاً الوضع الراهن بأنه "بداية الكارثة"، مضيفاً: "اليوم، بحيرة أرومية أشبه بمريض في قسم الطوارئ يلفظ أنفاسه الأخيرة".
فقدان الأمل الشعبي
أكد عارف لاحقًا أن على الحكومة "تحمل مسؤولياتها بالكامل تجاه قضية إنقاذ البحيرة"، مشيراً إلى أن المنظمات البيئية فقدت حافزها للمشاركة نتيجة التعاملات الأمنية السابقة معها.
وأوضح أن تغير المناخ، والاستخدام المفرط للمياه في أعالي السدود والخزانات، والتوسع غير المدروس في الأراضي الزراعية، وحفر الآبار غير المرخصة، جميعها عوامل أساسية في تسريع عملية الجفاف.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات علمية حديثة انخفاض حجم مياه البحيرة بنسبة تتجاوز 98 في المئة مقارنة بعام 1995، ما يجعل من "البحيرة المحتضرة" حقيقة واقعة، ويضع إيران أمام أزمة بيئية كبرى تمتد آثارها إلى الصحة العامة والاقتصاد والهجرة الداخلية.
اتهامات بالتجفيف المتعمّد
في السابع من أغسطس الماضي، أعلن ثمانية نشطاء مدنيين معتقلين في سجن طهران الكبير دخولهم في إضراب عن الطعام احتجاجًا على ما وصفوه بـ"التجفيف المتعمّد لبحيرة أرومية من قبل النظام الإيراني"، متهمين السلطات بإهمال متعمّد وقرارات مائية كارثية.
وفي تصريحات سابقة بتاريخ 24 يوليو، قال الباحث البيئي محمد درويش: "حين نحصل على 14 بالمئة من الأمطار الإضافية ومع ذلك تبقى البحيرة جافة، فهذا يعني أنهم لا يسمحون بدخول قطرة ماء واحدة إليها، سواء أمطرت السماء أم لم تُمطر".
وتُعدّ بحيرة أرومية، التي أُدرجت منذ سبعينيات القرن الماضي ضمن محمية المحيط الحيوي التابعة لليونسكو، من أبرز المسطحات المائية في الشرق الأوسط، إذ كانت موطنًا لعشرات الأنواع من الطيور المهاجرة، وتؤدي دورًا محوريًا في تنظيم المناخ الإقليمي.
غير أنّ العقود الثلاثة الماضية شهدت تراجع مساحتها من نحو 6,000 كيلومتر مربع إلى أقل من 500 كيلومتر مربع، وانخفض حجم مياهها إلى أقل من واحد في المئة من مستواها الأصلي، في مؤشر على انهيار بيئي شامل.
أزمة بيئية في إيران
يمثل جفاف بحيرة أرومية اليوم أحد أكثر مظاهر الأزمة البيئية في إيران وضوحًا وقسوةً، حيث تجتمع الكوارث الطبيعية مع غياب الإدارة الرشيدة لتنتج مزيجًا من الألم الإنساني والانهيار البيئي.
وبينما يواجه المزارعون مصيرًا غامضًا في قرى تتآكل بيوتها الطينية، تبقى البحيرة -التي كانت يوماً رمزًا للجمال والحياة- شاهدة على فشل السياسات البيئية وغياب الإرادة في إنقاذ ما تبقى من روح الطبيعة الإيرانية.