عاجزون عن تغطية تكاليف الخدمات الأساسية.. 5.7 مليون إيطالي تحت خط الفقر
عاجزون عن تغطية تكاليف الخدمات الأساسية.. 5.7 مليون إيطالي تحت خط الفقر
رغم الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي شهدته بعض القطاعات في إيطاليا خلال عام 2024، فإن الفقر لا يزال جرحاً مفتوحاً في قلب المجتمع، فقد كشف المعهد الوطني للإحصاء أن نحو 5.7 مليون إيطالي –أي ما يقارب 10% من السكان– عاشوا في فقر مدقع خلال العام، وهي نسبة شبه مستقرة منذ عام 2022 لكنها تمثل ارتفاعاً حاداً مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
ويعني "الفقر المدقع" العجز عن تغطية تكاليف السلع والخدمات الأساسية التي تضمن حياة كريمة، مثل الغذاء والسكن والرعاية الصحية، وفي المدن الكبرى مثل روما، بلغ الحد الأدنى للإنفاق الضروري لأسرة صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد نحو 1568 يورو شهرياً، وهو مبلغ يعجز كثيرون عن تأمينه بانتظام.
وتشير الأرقام إلى أن 2.2 مليون أسرة في إيطاليا –أي 8.4% من مجموع الأسر– تعيش في ظروف فقر مدقع، وهو ما يعادل تقريباً نسبة العام الماضي، غير أن الأرقام تكتسب بعداً أكثر قسوة عند النظر إلى العائلات التي تعيل أطفالاً، إذ ترتفع النسبة إلى 19.4% في الأسر التي تضم ثلاثة أطفال أو أكثر، فيما تواجه الأسر ذات المعيل الواحد ضغوطاً أشد حيث يعيش 11.8% منها تحت الحد الأدنى للمعيشة.
الأجانب يدفعون الثمن الأكبر
تُظهر البيانات فجوة اجتماعية واضحة بين المواطنين والمقيمين الأجانب، فبينما تبلغ نسبة الفقر بين الأسر الإيطالية 6.2%، فإن 35.2% من الأسر المكونة من أجانب فقط تعيش في فقر مدقع، أي أكثر من خمسة أضعاف المعدل الوطني، وهي زيادة لافتة بنحو عشر نقاط مئوية خلال العقد الماضي، هذه الفجوة تكشف هشاشة أوضاع المهاجرين في إيطاليا وضعف اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي رغم مساهماتهم الواسعة في سوق العمل.
وعلى مستوى أوسع، يعيش نحو 13.6 مليون إيطالي في خطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي، أي ما يعادل 23.1% من السكان، وهي نسبة تتجاوز المتوسط الأوروبي البالغ 21%، وبذلك تحتل إيطاليا موقعاً مقلقاً إلى جانب دول مثل إسبانيا واليونان، اللتين ما زالتا تعانيان آثار الأزمات الاقتصادية المتتالية.
تُعد قضية الفقر في إيطاليا من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومات المتعاقبة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وعلى الرغم من برامج الدعم الاجتماعي مثل "دخل المواطنة" التي أُطلقت قبل سنوات، فإن تقليصها مؤخراً أثار مخاوف من زيادة معدلات الفقر، خاصة في جنوب البلاد حيث البطالة مرتفعة والخدمات العامة محدودة.
أزمة متعددة الأبعاد
ويرى خبراء الاقتصاد أن الفقر في إيطاليا لم يعد مسألة دخل فقط، بل بات أزمة متعددة الأبعاد تشمل السكن والتعليم والرعاية الصحية، وهو ما يتطلب سياسات اجتماعية أكثر شمولاً تعيد الأمل للأسر التي وجدت نفسها على هامش النمو الاقتصادي الأوروبي.
لم يعد الفقر في إيطاليا مجرد نقص في الدخل أو ضعف في القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية، بل تحول إلى أزمة اجتماعية متعددة الأبعاد تمس مقومات الحياة الأساسية كافة، فالكثير من الأسر التي تجاوز دخلها الرسمي خط الفقر تجد نفسها عاجزة عن الحصول على سكن لائق أو رعاية صحية منتظمة أو فرص تعليم متكافئة لأطفالها.
وهذه التحديات المتداخلة جعلت الفقر يتجاوز الجانب الاقتصادي ليصبح انعكاساً لاختلالات أعمق في بنية المجتمع، حيث تتراجع العدالة الاجتماعية وتتسع الفجوة بين الشمال الصناعي المزدهر والجنوب الذي يعاني من ضعف التنمية والبطالة المرتفعة.
ويحذر خبراء اجتماعيون من أن استمرار هذا الاتجاه يعني دخول فئات جديدة إلى دائرة الهشاشة، حتى بين العاملين والموظفين، فيما يعرف اليوم في أوروبا بـ"فقراء العمل"، فالفقر في إيطاليا لم يعد حالة استثنائية مرتبطة بالبطالة فقط، بل بات نتيجة منظومة اقتصادية غير عادلة لا تتيح فرصاً متكافئة للعيش الكريم، ما يستدعي مقاربة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للإنصاف الاجتماعي وتضمن ألا يتحول الحرمان إلى واقع دائم للأجيال المقبلة.