العنف يخنق بورت أو برنس.. إغلاق مركز أطباء بلا حدود يحرم آلاف الهايتيين من شريان الحياة

العنف يخنق بورت أو برنس.. إغلاق مركز أطباء بلا حدود يحرم آلاف الهايتيين من شريان الحياة
العنف في هايتي

أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، الأربعاء، إغلاق مركزها للرعاية الطارئة في العاصمة الهايتية بورت أو برنس بشكل دائم، بعد أن أصبح استمرار العمل فيه شبه مستحيل بسبب تصاعد العنف المسلح الذي تمارسه العصابات، والتي تسيطر الآن على نحو تسعين في المئة من المدينة.

وقالت المنظمة إن المركز الذي كان يعد من أبرز المرافق الطبية القادرة على استقبال الحالات الطارئة في العاصمة، اضطر إلى التوقف بعد سلسلة من الهجمات والاشتباكات بين العصابات المسلحة التي جعلت وجود العاملين والمرضى فيه خطرًا داهمًا وفق وكالة الأنباء الألمانية.

إغلاق المركز جاء في وقت حرج، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من ستين في المئة من مرافق الرعاية الصحية في بورت أو برنس، ومنها المستشفى العام في هايتي، باتت مغلقة أو متوقفة عن العمل. هذا الواقع يجعل مئات الآلاف من السكان بلا أي وصول إلى العلاج أو الخدمات الطبية الأساسية.

رئيس بعثة أطباء بلا حدود في هايتي، جان مارك بيكيه، قال إن "المركز تعرض مرارًا لإطلاق نار طائش بسبب قربه من مناطق القتال، ما جعل استمرار العمل فيه يشكل خطرًا على المرضى والطاقم الطبي على حد سواء".

هجمات على العاملين الصحيين

كانت المنظمة قد أغلقت المركز مؤقتًا في مارس الماضي بعد أن أطلق مسلحون النار على أربع سيارات تابعة لها أثناء إجلاء الموظفين، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بجروح. ورغم محاولات إعادة تشغيله، استمرت المخاطر الأمنية لتجبر المنظمة على الإغلاق النهائي.

قبل الهجوم، كان المركز يقدم خدماته لما يقارب 300 مريض أسبوعيًا، وسجل خلال فبراير أكثر من 2500 استشارة طبية، معظمها لحالات إصابات جراء العنف أو أمراض مزمنة لم تجد مكانًا للعلاج في المستشفيات العامة.

وتزامن قرار الإغلاق مع تفاقم الوضع الإنساني في البلاد، فوفقًا للأمم المتحدة، قُتل أكثر من 3100 شخص وأصيب نحو 1100 آخرين في أنحاء هايتي بين يناير ويونيو الماضي، في أعمال عنف متصاعدة جعلت العاصمة واحدة من أخطر مدن العالم.

وفي ظل غياب الأمن وتراجع عمل المستشفيات، يجد الجرحى والمرضى أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما المخاطرة بالوصول إلى المرافق القليلة المتبقية أو مواجهة مصيرهم دون علاج.

ترجع جذور المأساة في هايتي وفق "هيومن رايتس ووتش" إلى خليط معقد من العوامل يشمل هشاشة مؤسسات الدولة، وفساداً سياسياً متجذراً، وضعف قدرات الشرطة الوطنية، وفشل الحكومات المتعاقبة في استعادة الثقة الشعبية، وقد تفاقم الانفلات الأمني بشكل خاص بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس عام 2021، وهو الحدث الذي مثّل منعطفاً خطيراً في تاريخ هايتي الحديث، مع غياب قيادة سياسية مستقرة وانقسامات حادة، تمددت العصابات المسلحة، مستغلة الفراغ الأمني والسياسي، وفرضت سيطرتها على أحياء العاصمة والمناطق المحيطة.

مطالب حقوقية وأممية

منظمة هيومن رايتس ووتش، ومعها منظمات محلية ودولية، طالبت مجلس الأمن بأن يتخذ قراراً عاجلاً بتحويل بعثة الدعم الأمني متعددة الجنسيات التي تقودها كينيا إلى بعثة أممية كاملة الصلاحيات، مزودة بتمويل مستدام وضمانات قوية لحقوق الإنسان، وتؤكد هذه المنظمات أن أي بعثة جديدة ينبغي أن تكون مؤهلة جيداً، ومجهزة بالقوة البشرية الكافية، وخاضعة لآليات مساءلة صارمة، حتى لا تتكرر أخطاء الماضي التي شابت بعثات سابقة وفشلت في حماية السكان.

الأمين العام للأمم المتحدة كان قد أوصى في فبراير 2025 بضرورة تعزيز قوة الأمن المشتركة لتضم نحو 5500 فرد من الشرطة والعسكريين والمدنيين قادرين على العمل بشكل مستقل أو بالتعاون مع الشرطة الوطنية، وتقدمت الولايات المتحدة وبنما بمشروع قرار لتفعيل هذه القوة، مع إنشاء مكتب دعم أممي جديد لتنسيق الجهود اللوجستية والتقنية، غير أن القلق ما زال قائماً من غياب الضمانات المالية والكوادر الكافية، وهو ما تحذر منه المنظمات الحقوقية باعتباره تهديداً جدياً لنجاح أي مهمة مستقبلية.

تعيش هايتي منذ عام 2021 على وقع أزمة أمنية خانقة تفاقمت بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس، لتتحول العاصمة إلى ساحة صراع بين عشرات العصابات المسلحة التي تتقاسم السيطرة على الأحياء.

أدت أعمال العنف إلى انهيار شبه كامل في مؤسسات الدولة، ومنها النظام الصحي، في حين تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات هائلة في إيصال المساعدات بسبب المخاطر الأمنية.

وتعد أطباء بلا حدود من أبرز الجهات العاملة في البلاد منذ سنوات، إذ تقدم خدمات طبية مجانية للفئات الأكثر هشاشة. لكن مع استمرار انعدام الأمن وتكرار الهجمات، أصبح حتى العمل الإنساني ذاته ضحية أخرى من ضحايا الفوضى التي تخنق هايتي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية