في ظلال العقوبات.. إيران تغتنم ضوء الشمس لمواجهة أزمة نقص الكهرباء

في ظلال العقوبات.. إيران تغتنم ضوء الشمس لمواجهة أزمة نقص الكهرباء
الطاقة الشمسية في إيران

في خضم موجة انقطاع الكهرباء المتكررة التي تجتاح المدن الإيرانية، أعلنت طهران عن خطة طموحة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية كخيار استراتيجي للخروج من الأزمة، فقد أبرزت صحيفة "فايننشال تايمز" أن الحكومة الإيرانية تسعى إلى تعظيم انتشار الطاقة المتجددة، في محاولة لتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتجاوز البنية التحتية المتهالكة، والضغط المتزايد الناتج عن العقوبات الاقتصادية الغربية.

أزمة كهرباء في بلد غني بالوقود

على الرغم من أن إيران تمتلك ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم وثاني أكبر احتياطيات غاز طبيعي، فإنها تواجه نقصًا حادًا في الطاقة، وتسبب ذلك في انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي خلال الصيف، ونقص في إمدادات الغاز خلال الشتاء، وأكدت "فايننشال تايمز" أن طهران تعاني من نقص شديد في الوقود، إلى جانب ضعف الاستثمار المستدام في القطاع الكهربائي، وتراجع الصيانة والتوسعات في محطات التوليد.

تُعد هذه الأزمة جزءًا من أزمة أشمل في قطاع الطاقة الإيراني، فبحسب تحليل أعده معهد كارنيغي للسلام الدولي، فإن سنوات من سوء الإدارة، والفساد، والإعانات الضخمة، والعقوبات الخارجية، جميعها ساهمت في إضعاف القدرة الإنتاجية للنظام الكهربائي الإيراني، وقد أدى هذا إلى عجز دائم في قدرة التوليد مقابل الطلب المتزايد، وتعطل الصناعات، وزيادة تكاليف الانتاج. 

وقد لجأت الحكومة إلى فرض جدول تقنين يومي، مع تنفيذ “انقطاع متناوب” للكهرباء في كثير من المدن خلال ذروة الطلب، فيما يكشف المسؤولون عن عجز يبلغ نحو 15 جيجاوات في بعض الفترات الحرجة.

الخطة وتحول السياسات

في المؤتمر الأخير للطاقة الشمسية في طهران، صرح محسن طرز طالب، نائب وزير الطاقة، بأن تطوير الطاقة المتجددة لم يعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية تجاه أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وقد أعلنت الحكومة أنها تستهدف إضافة 12 جيجاوات من الطاقة المتجددة خلال ثلاث سنوات، بعد أن وصلت القدرة الحالية المتبنية إلى نحو 2.5 جيجاوات تمثل نحو 2.5% من الكهرباء المولَّدة.

في خطوة تمويلية تدعم هذا التوجه، أعلن صندوق الثروة السيادية في إيران استثماره نحو 2.3 مليار دولار لبناء 7 جيجاوات من المصادر المتجددة بالشراكة مع القطاع الخاص، على أن يغطي هذا الاستثمار نحو 20% من الاستثمارات المطلوبة. 

كما شجَّعت الحكومة الأُسَر على تركيب ألواح شمسية على الأسطح، وإتاحة بيع الكهرباء الفائضة، وهو ما قد يخفف الضغط على الشبكة الوطنية في ساعات الذروة، ويُشرك المستهلكين في التوزيع الذاتي للطاقة.

التحديات التي تعترض الطريق

رغم الأهداف الطموحة، تقف إيران أمام مجموعة من العقبات الجسيمة أولها التمويل، إذ تُقيّد العقوبات وصول البلاد إلى الأسواق الدولية لتمويل مشروعات الطاقة، هذا إلى جانب ضعف قدرة التعاقد والبيروقراطية، مما يبطئ تنفيذ العقود، فقد أشار مسلم موسوي، رئيس جمعية الطاقة المتجددة، إلى أن قدرة البلاد التعاقدية محدودة، وأن البلاد قد لا تتمكن من سد الفجوة في العرض دون توجيه السياسات نحو ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة الطاقة. 

إضافة إلى ذلك، يُواجه القطاع تحديات تقنية متعلقة بتحديث البنية التحتية الشبكية، وتحسين الربط بين محطات الطاقة المتجددة والشبكة، فالكثير من محطات التوليد ومعظم خطوط النقل والتوزيع قديمة، وتعاني من فقد يصل إلى 13 في المئة من الطاقة في الشبكة. 

كما أن استيراد مكونات الطاقة الشمسية –مثل الألواح والمحولات– يعتمد بشكل كبير على العملات الأجنبية، وقد تأثَّر بنسبة كبيرة بتراجع قيمة الريال الإيراني بسبب العقوبات الغربية والتوترات الإقليمية، مما رفع تكلفة المشاريع بشكل كبير. 

الأثر الإنساني والاقتصادي

انقطاع الكهرباء لا يضر فقط بالمنشآت الصناعية بل يؤثر مباشرة على حياة المواطنين، فقد توقفت بعض المصانع عن العمل، وتقلّص الإنتاج، وارتفعت التكاليف التشغيلية بسبب اللجوء إلى مولدات بديلة وصيانة طارئة، في بعض المناطق، توقفت مرافق المياه والمضخات، ما أدى إلى انقطاع المياه لفترات طويلة، مما كبد المواطنين تكاليف إضافية لجلب المياه.

قطاع الصحة تأثر بشدة، لأن المستشفيات والعيادات تعتمد على الكهرباء لتشغيل الأجهزة الحيوية، والتبريد، والإضاءة، فعندما تنقطع الكهرباء، يضطر بعضها إلى تسريع المولدات أو تأجيل العمليات أو نقل المرضى، كما أن انقطاع التيار أضعف قدرة العلاج المنزلي وأجهزة التنفس والمرافق الطبية الصغيرة، خصوصًا في القرى النائية.

البيئة أيضًا ستشهد تداعيات، إذ قد يُجبر بعض الأماكن على العودة إلى استخدام المولدات التي تعمل بالكيروسين أو الديزل، مما يزيد التلوث الهوائي ويعزز الانبعاثات الكربونية، في حين أن الهدف الطويل المدى هو الانتقال إلى طاقة أنظف ومُستدامة.

مواقف دولية ومقترحات الحقوقيين

لم يصدر بعد رد قوي من منظمات حقوق الإنسان الدولية بخصوص أزمة الطاقة في إيران، لكن على صعيد البيئة والتنمية المستدامة، فإن وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج البيئة تدعو إلى تسريع تبنّي الطاقة المتجددة، وتسهيل التمويل الأخضر الدولـي، وتخفيف العقبات أمام الدول المحاصرة اقتصاديًا لاستثمار في البنى التحتية النظيفة.

إطار القانون الدولي لا يفرض التزامًا مباشرًا للدول بإنتاج الطاقة النظيفة، لكنه يضع على الدول واجبًا في حماية حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة، والتي تتأثر بشدة عندما تنقطع الخدمات الأساسية كالتيار الكهربائي والمياه.

ومن المنظور الاقتصادي، يُعتبر هذا التحوّل بمثابة خطوة ضرورية لتعزيز الاستدامة وتقليل الفجوة بين العرض والطلب، كما أنه يقارب التزام طهران بسياسات الطاقة النظيفة، والمساهمة في تقليل الانبعاثات، في ظل الضغوط العالمية لتحقيق أهداف المناخ والاعتماد على الطاقة المتجددة.

تجارب مشابهة 

إيران ليست البلد الوحيد الذي تحول من وفرة الوقود إلى أزمة كهرباء بسبب سوء الإدارة والعقوبات، فقد شهدت دول مثل فنزويلا وليبيا أو بعض الدول الإفريقية تجربة مشابهة، حيث ضعف البنى التحتية والتراجع في الاستثمارات أو العقوبات أثّرت على القدرة الإنتاجية رغم توافر الموارد الطبيعية، وهذه التجربة تقود إلى أن الحل لا يكمن فقط في تغيير مصدر التوليد، بل في الإصلاح البنيوي والحوكمة والشفافية وتطوير كفاءة الاستهلاك.

وقد سبق أن طُرحت مقترحات في دراسات أكاديمية لتكامل الشبكات الذكية، وتحسين مشاركة المستهلكين في تنظيم الذروة وتقليل الأحمال، وهي حلول قد تُسهم إذا ما دعمتها السياسات في استقرار تشغيل الشبكة.

وبحسب مراقبين إذا نجحت طهران في تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية بفاعلية، فلن تخفف فقط من عبء انقطاع الكهرباء، بل ستقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري، وتخفف التلوث، وتعزز التنوع في إنتاج الطاقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية