تحذيرات أممية.. انعدام الأمن الغذائي يدخل مرحلة خطرة في مناطق الصراع حول العالم

تحذيرات أممية.. انعدام الأمن الغذائي يدخل مرحلة خطرة في مناطق الصراع حول العالم
توزيع إعانات غذائية في غزة

حذرت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد من أن العلاقة المتفاقمة بين النزاع والجوع باتت تشكل تهديدا استراتيجيا ووجوديا للأمن الدولي، مؤكدة ضرورة التعامل مع هذه الأزمة بوصفها خطرا مباشرا يفاقم عدم الاستقرار حول العالم.

 جاءت تصريحات المسؤولة الأممية خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي يوم الاثنين تناولت انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالنزاعات المسلحة، حيث شددت على أن الحرب والجوع غالبا ما يمثلان وجهين لأزمة واحدة، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

أوضحت نائبة الأمين العام أن النزاع المسلح مسؤول عن انعدام الأمن الغذائي الحاد في معظم بؤر الجوع في العالم، مشيرة إلى أن العام الماضي شهد معاناة نحو 295 مليون شخص من الجوع الحاد، بزيادة ملحوظة على العام السابق، فيما تضاعف عدد الذين يواجهون الجوع الكارثي ليصل إلى مليون وتسعمئة ألف شخص، وأكدت أن الرصاص والقنابل لا تدمر الحقول والأسواق والطرق فحسب، بل تفتح الباب أمام دائرة من اليأس والنزوح والعنف وتفكك النظم الغذائية.

السودان وغزة في قلب الأزمة

ركزت أمينة محمد على الأوضاع الأكثر خطورة في مناطق النزاع، ووصفت السودان بأنه يواجه أكبر أزمة جوع في العالم اليوم، حيث يؤدي العنف المستمر إلى تعميق المجاعة في دارفور وكردفان، وفي غزة، التي تأكدت فيها المجاعة في أغسطس الماضي، رأت أن الوضع ما زال كارثيا وأن الغذاء بات يُستخدم كسلاح عبر سياسات تستهدف التجويع المتعمد، كما أشارت إلى استمرار معاناة ملايين الأشخاص في هايتي واليمن ومنطقة الساحل وجمهورية الكونغو الديمقراطية ضمن الحلقة المفرغة نفسها.

مفارقة الأولويات العالمية

لفتت نائبة الأمين العام إلى مفارقة قاسية في التوازن الدولي، إذ بلغت ميزانيات الإنفاق العسكري عالميا أكثر من 21 تريليون دولار خلال العقد الماضي، بينما يحتاج القضاء على الجوع بحلول عام 2030 إلى أقل من مئة مليار دولار سنويا، وأضافت أن تغير المناخ يضاعف الأزمة عبر فيضانات وجفاف يقضيان على المحاصيل ومصادر الرعي، مشيرة إلى أن العديد من البلدان الأكثر تأثرا بالمناخ تعاني أيضا من نزاعات مسلحة، في علاقة لا يمكن اعتبارها مصادفة.

أربع ركائز للتحرك العاجل

دعت المسؤولة الأممية المجتمع الدولي إلى تبني مسار عمل يقوم على أربع ركائز أساسية هي ضمان تدفق المساعدات وترسيخ وقف إطلاق النار والتمسك بالقانون الإنساني الدولي، وتعزيز النظم الغذائية لتكون مسارا نحو الصمود، ووضع العمل المناخي في صلب الأمن الغذائي والسلام، إضافة إلى التأكيد على أن الحلول السياسية وحدها قادرة على إنهاء الحروب وضمان أمن غذائي مستدام، وقالت إن معالجة انعدام الأمن الغذائي لا تنفصل عن معالجة جذور النزاع، وإن بناء السلام يرتكز على قدرة المجتمعات على إطعام نفسها.

تقرير بؤر الجوع الساخنة

استعرضت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، نتائج تقرير بؤر الجوع الساخنة الصادر عن الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، وقالت إن الأزمات الغذائية الأشد حدة، بما في ذلك المجاعة في غزة والسودان، تُدفع في المقام الأول بفعل النزاع والعنف، وإن العنف كلما اشتد تسبب في تدهور الأمن الغذائي من خلال الهجمات التي تدمر الحقول وتقطع سلاسل الإمداد وترفع الأسعار وتفقد المجتمعات مصادر رزقها.

وأكدت مسويا أن العمل الإنساني عنصر أساسي لمنع الجوع ومعالجته، محذرة من أن حرمان المنظمات من الوصول الإنساني يؤدي إلى تفاقم الخطر على حياة المدنيين، وأوضحت أن الأمم المتحدة تبذل جهودا متواصلة للتفاوض مع أطراف النزاع وتنظيم حركة المساعدات والتنسيق بين المستجيبين، لكنها شددت على أن هذه الأدوات لا تنجح ما لم تلتزم الأطراف بتسهيل الوصول.

وطالبت الدول بإدانة الهجمات المتزايدة على عمال الإغاثة ودعم التحقيقات بشأنها، واقترحت أربعة مجالات عمل تشمل معالجة الجوع في مناطق النزاع، وتبني سياسات فعالة لحماية المدنيين، وتسهيل العمل الإنساني، وتعزيز المساءلة عبر تشريعات وآليات قضائية وطنية ودولية.

دور التصنيف المرحلي المتكامل

تحدث في الجلسة ماكسيمو توريرو كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة، موضحا أهمية البيانات الدقيقة والمحايدة في فهم احتياجات الأمن الغذائي، ومشيرا إلى أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي طورته الفاو في الصومال قبل أكثر من عشرين عاما أصبح اليوم المعيار العالمي لتقييم انعدام الأمن الغذائي الحاد، وقال إن اللجنة أكدت المجاعة ثلاث مرات خلال العام الماضي، مرتين في السودان ومرة في غزة، وهذه أول مرة يتم فيها تأكيد مجاعة مرتبطة بالنزاع أكثر من مرة خلال عام واحد، وأكد أن التصنيف يمثل إنذارا مبكرا لا ينبغي انتظار تفاقم الأوضاع قبل الاستجابة له، واصفا إياه بأنه شريان حياة للملايين في عالم يتزايد فيه النزاع وتتقلص فيه الموارد.

يرتبط الجوع بالنزاع ارتباطا وثيقا أثبتته تقارير الأمم المتحدة على مدى عقود، حيث يؤدي القتال إلى تدمير البنية الزراعية وتعطيل الأسواق وتقييد حركة المساعدات، بينما يسهم الحرمان الغذائي في إذكاء التوتر والعنف، وقد سجل العالم خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في عدد بؤر الجوع الساخنة، لا سيما في مناطق تشهد نزاعات ممتدة مثل اليمن والسودان والقرن الإفريقي، وتشير التقديرات الأممية إلى أن تحقيق الأمن الغذائي العالمي بات يتطلب نهجا شاملا يجمع بين المساعدات المباشرة، وبناء نظم إنتاج وتوزيع مرنة، ودعم الاستقرار السياسي، ومعالجة آثار تغير المناخ، في مواجهة أزمة تتشابك فيها العوامل الإنسانية والاقتصادية والبيئية بشكل غير مسبوق.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية