تحت وطأة الفقر.. تسرب أطفال الأردن إلى سوق العمل ظاهرة تتفاقم دون حل

تحت وطأة الفقر.. تسرب أطفال الأردن إلى سوق العمل ظاهرة تتفاقم دون حل
عمالة الأطفال

يتشكل المشهد اليومي لطفولة آلاف الأطفال في الأردن تحت وطأة الفقر المتزايد وتراجع جودة التعليم الحكومي، في واقع يهدد حقهم الأساسي في التعلم وفي الحماية، ويدفع بأعداد متزايدة منهم إلى سوق العمل بحثا عن دخل يعين أسرهم، وتثير هذه الظاهرة، التي تتسع رقعتها بصمت، قلق المختصين والمنظمات الحقوقية، خصوصا مع غياب حلول جذرية تستهدف الأسباب البنيوية لعمالة الأطفال في البلاد.

في مناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يتم الاحتفال به في 20 نوفمبر من كل عام، أصدر المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية الأربعاء بيانا يسلط الضوء على اتساع الظاهرة، محذرا من أن الإجراءات الرسمية تركز على ملاحقة أصحاب العمل المخالفين وإعادة دمج الأطفال في المدارس، دون معالجة الأسباب الفعلية التي تدفع العائلات لإرسال أطفالها إلى العمل، وبحسب المرصد، يقف الفقر وتراجع البيئة التعليمية في المدارس الحكومية في مقدمة هذه الأسباب.

تراجع جاذبية المدرسة الحكومية

تراجع جاذبية المدرسة الحكومية أصبح ملموسا في السنوات الأخيرة نتيجة الاكتظاظ ونقص الكوادر وضعف البيئة المدرسية الآمنة، ما يؤدي إلى تسرب الأطفال من التعليم والانخراط في سوق العمل، خاصة بين الأسر التي تواجه ظروفا اقتصادية خانقة، ويقول المعلمون إن الفصول الدراسية التي تضم عددا كبيرا من الطلاب تجعل عملية التعلم أقل فعالية، بينما يشعر كثير من الأطفال بأن المدرسة لم تعد مكانا جاذبا أو حافزا للاستمرار في التعليم.

المؤشرات النوعية المتوافرة، كما يشير المرصد، تعكس ارتفاعا واضحا في عمالة الأطفال مقارنة بإحصائية عام 2016 التي قدرت عددهم بنحو 75 ألف طفل، بينهم 45 ألفا يعملون في أعمال خطرة، ويأتي هذا الارتفاع في وقت وصلت فيه معدلات الفقر الرسمية إلى أربعة وعشرين بالمئة، فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنها تبلغ خمسة وثلاثين بالمئة، إضافة إلى بطالة مرتفعة وصلت إلى واحد وعشرين بالمئة، ما يجعل الطفل جزءا من منظومة مواجهة الحياة في كثير من الأسر.

اتساع رقعة الفقر وتراجع الدخل

يرى المرصد أن اتساع رقعة الفقر وتراجع الدخل هما العاملان الأكثر تأثيرا في دفع الأطفال إلى سوق العمل، خاصة مع السياسات الاقتصادية التقشفية واعتماد الدولة المتزايد على الضرائب غير المباشرة التي أثقلت كاهل الأسر محدودة ومتوسطة الدخل، كما تسهم الأجور المتدنية وارتفاع تكاليف المعيشة في تراجع قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية، ما يجعل عمل الأطفال وسيلة لتخفيف العبء المالي لا خيارا ثانويا أو مؤقتا.

تأثير عمالة الأطفال يتجاوز اللحظة الراهنة، فهو كما يؤكد المرصد يشكل خطرا طويل الأمد على مستقبل المجتمع، فالأطفال الذين يعملون في سن مبكرة يفقدون حقهم في التعليم والنمو السليم واللعب، ويدخلون مستقبلهم بلا مهارات حقيقية تمكنهم من المنافسة في سوق العمل، ليجدوا أنفسهم محاصرين في دائرة الفقر ذاتها التي دفعتهم للعمل في طفولتهم، وتسهم هذه الدائرة في تكوين أجيال جديدة من الفقراء، ما يهدد استدامة النمو الاقتصادي ويعمق التفاوت الاجتماعي.

معالجة تتطلب رؤية شاملة

ويرى الخبراء أن معالجة الظاهرة تتطلب رؤية شاملة تتجاوز الحلول الجزئية، فالحد من عمالة الأطفال يبدأ من دعم الأسر اقتصاديا، وتحسين جودة التعليم الحكومي، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية، وتوفير خدمات أكثر عدالة تمنع انزلاق العائلات الهشة نحو الفقر، كما يشدد المرصد على أهمية إصلاح السياسات الضريبية من خلال الحد من الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي تطال الجميع دون مراعاة للدخل، مما يزيد الضغط على الفئات الضعيفة.

تطوير التعليم الحكومي يعد خطوة محورية في مواجهة الظاهرة، فمدرسة آمنة وجاذبة قادرة على الاحتفاظ بأطفالها وتوفير بيئة تعلم إيجابية تمثل بوابة خروج من دائرة الفقر. ويشدد المرصد على ضرورة تحسين البنية المدرسية، ورفد المدارس بالكوادر المؤهلة، وتخفيف الاكتظاظ، بحيث يشعر الطفل بأن المدرسة هي المكان الطبيعي للنمو وليس الشارع أو ورشة العمل.

كما يقترح المرصد تعزيز برامج الحماية الاجتماعية التي تحمي الأسر الأقل دخلا، وتقديم دعم مباشر يحول دون اعتمادها على دخل أطفالها، إضافة إلى برامج تستهدف الفئات الأكثر عرضة للانقطاع عن التعليم، مثل الأطفال في المناطق الريفية والمناطق الحضرية الفقيرة.

وفي ختام بيانه، يؤكد المرصد العمالي أن حماية الأطفال في الأردن من العمل المبكر تبدأ من سياسات عادلة تمنحهم حقهم في الطفولة والتعليم والحماية، فلا يمكن مواجهة عمالة الأطفال دون معالجة الفقر والتعليم والحماية الاجتماعية معا، ودون تمكين الأسر من العيش بكرامة تتيح لأطفالها أن يكبروا في بيئة آمنة توفر لهم فرص التعلم والنمو وبناء المستقبل.

تشير البيانات الحكومية والدولية إلى أن الأردن يواجه تحديات اقتصادية متراكمة خلال العقد الأخير، بدأت بتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتفاقمت مع جائحة كوفيد ثم مع الأزمات الإقليمية المتتالية، وتسببت هذه الظروف بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتزايد الاعتماد على العمل غير المنظم، وهو القطاع الأكثر جذبا لعمالة الأطفال، كما يعاني قطاع التعليم الحكومي من اكتظاظ متزايد بسبب ارتفاع أعداد اللاجئين وضعف التمويل، مما انعكس سلبا على جودة البيئة التعليمية. 

وتُظهر تقارير منظمات دولية أن عمالة الأطفال ترتفع عادة في الدول التي تعاني من فجوة بين تكاليف المعيشة والدخل المتاح، وفي الدول التي تشهد ضغوطا مالية على الأسر، وفي الأردن، يجتمع العامل الاقتصادي مع العامل التعليمي في تشكيل بيئة خصبة لدفع الأطفال نحو العمل، الأمر الذي يتطلب تدخلات متكاملة تجمع بين الدعم الاقتصادي والإصلاح التعليمي وسياسات حماية الطفولة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية