بين فكي العنف والإهمال.. تقرير حقوقي يكشف دوامة الانتهاكات ضد أطفال كردستان
بين فكي العنف والإهمال.. تقرير حقوقي يكشف دوامة الانتهاكات ضد أطفال كردستان
يواصل الأطفال في مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول دفع ثمن بيئة النزاع الممتدة منذ عقود، كما تكشفه أحدث تقارير لجنة الطفل في جمعية حقوق الإنسان فرع آمد، فبين فقدان الحياة وتقييد الحرية والعنف المنزلي والمجتمعي وتراجع الحقوق الثقافية وغياب التعليم، تبدو صورة الواقع أكثر قسوة مما تظهره الأرقام الرسمية، وفق ما أكدته اللجنة خلال عرضها تقرير الانتهاكات لسنتي 2024 و2025 الجمعة في مقر الجمعية.
خلال تقديم التقرير، أوضحت برفين إلجي، عضوة لجنة الطفل في آمد، أن الانتهاكات التي تمس حياة الأطفال وأمنهم وصحتهم وتعليمهم لم تعد مجرد حالات فردية، بل أصبحت ظاهرة بنيوية تتكرر عاماً بعد عام، ووفق تقديرها، فإن البيئة النزاعية المزمنة خلقت طبقة جديدة من المشكلات المتراكمة التي لا تنحصر في الجانب الأمني فقط، بل تمتد إلى التأثير على النمو النفسي والاجتماعي للأطفال وعلاقتهم ببيئتهم وثقتهم بمستقبلهم، وتشير اللجنة إلى أن الأثر النفسي لهذه البيئة لا يقل خطورة عن الأذى الجسدي المباشر الذي يتعرض له الأطفال يومياً، وفق وكالة أنباء المرأة.
التأثير في الطفولة
توضح اللجنة أن القضية الكردية لا تنعكس فقط على المستوى السياسي، بل تضرب جذورها في تفاصيل الحياة اليومية للأطفال، فغياب التعليم باللغة الأم وحرمان الأطفال من ممارسة هويتهم الثقافية بحرية وتراجع حضور اللغة الكردية في المدارس والأماكن العامة كلها عوامل تضرب في أساس تشكّل الهوية وتراكم الشعور بالانتماء.
وتؤكد برفين إلجي أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي جسر لمشاركة الأطفال في المجتمع، وعنصر أساسي في تطورهم العاطفي والاجتماعي، ويقود استمرار هذه السياسات إلى إضعاف قدرة الأطفال على تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة، ويعمق الفجوة بينهم وبين محيطهم الاجتماعي.
تشدّد لجنة الطفل على أن أي معالجة جذرية لانتهاكات حقوق الطفل في شمال كردستان لا يمكن أن تنجح دون حل ديمقراطي وسلمي للقضية الكردية، وتؤكد أن البرلمان مطالب بإجراءات تشريعية عاجلة تعيد الاعتبار للحقوق الثقافية وتضمن مبدأ المساواة في التعليم، باعتبار أن هذه الخطوات تشكّل خط الدفاع الأول لحماية حقوق الأطفال وإنهاء سلسلة الانتهاكات المستمرة.
خسائر بشرية ثقيلة
يكشف التقرير أن الأطفال في هذه المناطق يواجهون تهديدات مباشرة لحقهم في الحياة، فخلال فترة إعداد التقرير، فقد أربعة أطفال حياتهم وأصيب واحد وخمسون آخرون نتيجة أخطاء أو إهمال رسمي، ويصف التقرير هذه الأرقام بأنها مؤشر خطير على خلل كبير في السياسات الأمنية وآليات حماية الطفل وغياب المساءلة في المؤسسات الرسمية.
كما سجل التقرير ثلاث عشرة وفاة مشبوهة، إلى جانب محاولة انتحار واحدة لطفل، ما يعكس الظروف المعقدة التي يعيش فيها الأطفال وضغط الواقع الاجتماعي والنفسي في المنطقة، وترى اللجنة أن هذا النوع من الحوادث يؤكد اتساع نطاق المشكلات البنيوية التي لا يتم التعامل معها عبر آليات حماية فعالة.
ولا تقتصر الانتهاكات على المؤسسات الرسمية أو البيئة النزاعية فقط، بل تشمل أيضاً العنف الأسري والمجتمعي، ويكشف التقرير أن أربعة أطفال فقدوا حياتهم نتيجة عنف منزلي، وأربعة آخرين فقدوا حياتهم نتيجة عنف مجتمعي، إضافة إلى إصابة طفل واحد ووقوع عشرين حالة اعتداء جنسي على أطفال، ما يسلط الضوء على غياب منظومة حماية اجتماعية قادرة على التدخل المبكر أو الكشف عن هذه الحالات.
كما يشير التقرير إلى وجود طفل واحد تعرض للاختطاف، وهي حالة تضاف إلى سلسلة من الانتهاكات التي يصعب رصدها بدقة بسبب ضعف آليات الإبلاغ والتحقيق، ما يعني أن الأرقام الحقيقية قد تتجاوز بكثير ما هو موثق.
مخاطر جسيمة
يُظهر الجزء المتعلق بالاحتجاز والتعامل الأمني أن الأطفال ما زالوا يواجهون مخاطر جسيمة ترتبط بتقييد الحرية وسوء المعاملة، فقد احتُجز خمسة وستون طفلاً خلال الفترة المشمولة بالتقرير.
وتم توقيف أحد عشر طفلاً آخرين، إضافة إلى تعرض خمسة أطفال للتعذيب وسوء المعاملة خارج مراكز الاحتجاز، وتعد هذه الأرقام دليلاً على غياب سياسات حماية تتوافق مع مبادئ حقوق الطفل الأساسية التي تفرضها الاتفاقيات الدولية.
يمر الأطفال في المنطقة بظروف اقتصادية صعبة تجعلهم أكثر عرضة للخطر، ويوضح التقرير أن طفلاً أصيب أثناء العمل، بينما فقد خمسة أطفال حياتهم لأسباب مرتبطة بظروف اقتصادية قاسية.
وتستمر ظاهرة عمالة الأطفال بالانتشار بالتوازي مع ارتفاع نسب الانقطاع عن التعليم، وهي ظواهر ترتبط مباشرة بالفقر وغياب شبكات الدعم والرقابة، وتشير لجنة الطفل إلى أن تراكم هذه الأزمات يجعل مستقبل الأطفال أكثر هشاشة ويقيد قدرتهم على الخروج من دائرة الفقر والحرمان.
حصيلة مرعبة
سجل التقرير خلال الفترة الممتدة بين عامي 2024 و2025 ما مجموعه 192 انتهاكاً موثقاً بحق الأطفال، غير أن اللجنة تؤكد أن هذه الحصيلة لا تمثل سوى الجزء المرئي من المشهد، وفي ظل صعوبة الوصول إلى كل المناطق وضعف التعاون الرسمي في بعض الحالات، تُرجح لجنة الطفل أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير، وأن حجم الظاهرة أكبر مما تكشفه البيانات المعلنة.
ويحدد التقرير سلسلة من الخطوات العاجلة التي يجب اتخاذها لوقف الانتهاكات وحماية الأطفال، وتشمل هذه الخطوات إنشاء آليات تحقيق مستقلة وسريعة في الوفيات المشبوهة أو الإصابات الناتجة عن إهمال الموظفين العموميين، وتعزيز سياسات الحماية الاجتماعية في حالات العنف والاعتداء الجنسي، وضمان توافق إجراءات الاحتجاز مع مبادئ حقوق الطفل.
كما يوصي التقرير بفتح تحقيقات فعالة في جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، وفرض عقوبات واضحة على المسؤولين عنها، وتوسيع برامج الدعم الاقتصادي والاجتماعي لمنع عمالة الأطفال، إضافة إلى ضرورة الاستثمار في التعليم لحماية الأطفال من الانقطاع الدراسي وتوفير بيئة تعليمية عادلة وآمنة.
تغطي المناطق الكردية في شرق وجنوب شرق الأناضول مساحة واسعة تتعرض منذ عقود لأشكال متعددة من النزاعات السياسية والأمنية، ما انعكس مباشرة على الأوضاع الاجتماعية والتعليمية فيها، وتشير منظمات دولية مستقلة إلى أن معدلات الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية في هذه المناطق أعلى من المعدل الوطني، إضافة إلى وجود فجوات كبيرة في البنية التحتية التعليمية والصحية.
وتعد قضايا اللغة والهوية الثقافية من أبرز محاور الخلاف بين الأهالي والسلطات، فيما تسجل المنظمات الحقوقية باستمرار انتهاكات تتعلق بالاحتجاز التعسفي وتقييد حرية الرأي والتمييز ضد الأطفال، وتؤكد هذه الخلفية أن أي حل يحتاج إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة تضمن استقراراً طويل الأمد وتحولاً حقيقياً في واقع الأطفال وحقوقهم.











