وسط مخاوف من انزلاق طائفي.. تصاعد الغضب في معاقل العلويين بسوريا

وسط مخاوف من انزلاق طائفي.. تصاعد الغضب في معاقل العلويين بسوريا
احتجاجات للعلويين في سوريا

شهدت مدينة اللاذقية وعدد من مناطق الساحل السوري ذات الغالبية العلوية تظاهرات حاشدة خرج فيها الآلاف يوم الثلاثاء للتنديد بسلسلة اعتداءات طالت أبناء الطائفة في الأسابيع الماضية، في مشهد نادر ضمن مناطق طالما ارتبطت سابقا بالقبضة الأمنية والولاء السياسي للنظام الذي سقط قبل نحو عام.

ويؤشر حجم الاحتجاجات وحدته إلى درجة القلق التي تعيشها هذه المناطق بعد تصاعد حوادث القتل والخطف، وما تخللها من رسائل تحمل طابعا طائفيا ينذر بمزيد من التوترات.

واحتشد المتظاهرون في دوار الأزهري بوسط اللاذقية، ورددوا هتافات تمسك بوحدة السوريين وترفض ترويج الانقسام، فيما رفع بعضهم شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين الذين ما زال عدد كبير منهم موقوفا منذ سنوات، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

 اللافت في المشهد أن الحشود جمعت بين شرائح اجتماعية مختلفة، من محامين وعمال وطلاب وناشطين مدنيين.

وكانت جمانة، وهي محامية في العقد السادس من العمر، واحدة من الأصوات التي طالبت بوضوح بالإفراج عن المعتقلين وبخروج الفصائل المسلحة من المناطق ذات الغالبية العلوية، معتبرة أن الأمن لا يمكن استعادته بوجود السلاح خارج سلطة الدولة.

حمص في قلب التوتر

تزامنت مظاهرات اللاذقية مع موجة عنف شهدتها مدينة حمص التي تضم خليطا سكانيا شديد الحساسية، فقد عثر على زوجين مقتولين داخل منزلهما في بلدة زيدل القريبة من المدينة، حيث أحرقت جثة الزوجة، وظهرت على جدران المكان عبارات ذات طبيعة طائفية، وهذا المشهد أشعل غضبا واسعا في أحياء متعددة.

وتعرضت مساكن ومحال وسيارات في مناطق ذات غالبية علوية لأعمال تخريب، ما اضطر السلطات إلى فرض حظر تجوال في محاولة لاحتواء الموقف قبل انزلاقه إلى مواجهات واسعة.

وجاءت ردود الفعل على الفاجعة سريعة ومتشعبة، فبعض الأصوات حملت مجموعات علوية مسؤولية الجريمة، بينما ذكرت وزارة الداخلية لاحقا أن التحقيقات تشير إلى أن القضية ذات طابع جنائي لا طائفي، لكن محاولة التطمين تلك لم توقف موجة المخاوف التي دفعت السكان إلى الشارع تعبيرا عن رفضهم الانجرار إلى صراع طائفي جديد بعد سنوات طويلة من الحرب.

بناء نموذج جديد

في ظل هذه الأجواء، برزت أصوات شابة داخل الاحتجاجات تطالب بما هو أبعد من رفض العنف حيث قالت منى، وهي شابة في الخامسة والعشرين شاركت في مظاهرة اللاذقية، إن ما يريده المحتجون هو استعادة الحرية والأمان، ووقف حالات الخطف والقتل التي أصبحت جزءا من مشهد يومي لا يطاق، وأضافت أن مطالب فيدرالية الساحل وحمص وحماة وطرطوس والغاب تعكس رغبة بعض السكان في حماية مناطقهم وإدارة شؤونهم في إطار سياسي جديد يضمن لهم المشاركة والأمان.

وسواء كانت هذه المطالب تعبيرا عن غضب آني أم بداية بحث جدي عن نظام حكم بديل، فإنها تمثل لأول مرة منذ سقوط الأسد صوتا علويا مرتفعا في الساحة العامة، يعلن موقفه بصراحة دون الخوف من اتهامات أو ضغوط سياسية.

ولم تقتصر الاحتجاجات على اللاذقية، فقد شهدت مدينة جبلة الساحلية تظاهرة موازية رفعت شعارات مشابهة، ووفق ما أفاد مراسلون ميدانيون، اندلعت مناوشات بين متظاهرين ومناصرين للسلطة السابقة في سوريا، تطورت إلى اشتباكات بالأيدي ورشق بالحجارة، وأطلق خلالها بعض المسلحين النار في الهواء، وأسفرت الأحداث عن إصابات طفيفة قبل أن يتدخل عناصر الأمن العام ويفضوا التجمعات لمنع تفاقم التوتر.

يلاحظ أن قوات الأمن التزمت، في معظم المناطق، عدم استخدام القوة المفرطة واحتواء الحشود دون عملية قمع واسعة، ما يعكس إدراك السلطات لحساسية اللحظة وضرورة تجنب أي تصعيد يمكن أن يتخذ طابعا طائفيا.

دور المجلس الإسلامي

تأتي هذه التظاهرات استجابة لدعوة نشرها المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة تشير إلى دخول المؤسسة الدينية للطائفة بشكل مباشر في حراك جماهيري واسع هو الأكبر منذ سقوط الأسد، وقد أحصى المرصد السوري اثنتين وأربعين نقطة تظاهر شارك فيها آلاف العلويين في أنحاء مختلفة من البلاد، بما في ذلك القرى الجبلية والمراكز الحضرية.

وتطرح هذه المشاركة الواسعة تساؤلات حول الاتجاه الذي ستسلكه المناطق العلوية في المرحلة المقبلة، خاصة بعد أن وجدت نفسها أمام فراغ سياسي غير مسبوق تفاقمت معه التحديات الأمنية والاجتماعية.

وفي ساعات المساء، أعلنت وزارة الداخلية أن الجريمة التي أشعلت الاحتقان في حمص لا تحمل طابعا طائفيا، في محاولة لامتصاص التوتر، وأكد المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا أن وحدات الأمن الداخلي عملت على تأمين التجمعات الاحتجاجية لمنع أي استغلال من جهات تسعى إلى نشر الفوضى، كما شدد على أن التعبير عن الرأي حق مكفول ما دام ضمن القانون ولا يخل بالسلم الأهلي.

ويأتي هذا التصريح في وقت تحاول فيه الحكومة الجديدة تثبيت الاستقرار في بلد يعيش تحولا سياسيا صعبا منذ سقوط النظام السابق، بينما تتصارع قوى محلية وإقليمية على النفوذ، وتزداد الهواجس من احتمال انزلاق البلاد إلى صراعات مناطقية أو طائفية.

تعد الطائفة العلوية واحدة من المكونات الأساسية للنسيج السوري، وقد ارتبطت تاريخيا بالمناطق الساحلية التي شكلت عمقها الاجتماعي والسياسي، خلال خمسة عقود سيطر فيها نظام عائلة الأسد على السلطة، وارتبطت مؤسسات الدولة وأجهزة الأمن بشكل وثيق بأبناء الطائفة، ما جعلها تتحمل بعد سقوط النظام كلفة اجتماعية وسياسية كبيرة نتيجة عمليات انتقامية وتصفية حسابات جرت في بعض المناطق.

ومنذ العام الماضي، شهد الساحل السوري سلسلة من الحوادث الأمنية وعمليات الخطف والقتل التي استهدفت مدنيين وعسكريين سابقين من أبناء الطائفة، وهذه التطورات، إضافة إلى غياب مؤسسات الدولة وضعف القوات الأمنية بعد الصراع الطويل، دفعت قطاعات واسعة من العلويين إلى رفع صوتهم للمطالبة بحمايتهم وضمان حقوقهم والبحث عن صيغ سياسية جديدة تمنع تكرار دورات العنف الطائفي في البلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية