سبب جدلاً حول لمّ الشمل.. إلغاء حكم قضائي بريطاني يحرم عائلة فلسطينية من حق اللجوء

سبب جدلاً حول لمّ الشمل.. إلغاء حكم قضائي بريطاني يحرم عائلة فلسطينية من حق اللجوء
متظاهرون مؤيدون للقضية الفلسطينية في لندن

أعاد قرار وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود إلغاء حكم قضائي كان قد منح عائلة فلسطينية محاصرة في غزة فرصة اللجوء إلى المملكة المتحدة، الجدل حول مستقبل سياسات الهجرة وحق العائلات في لمّ الشمل ضمن الإطار القانوني البريطاني. 

القرار، الذي جاء عقب تأييد محكمة الاستئناف لطلب الحكومة تقييد الاستناد إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في قضايا الدخول والإقامة يشكل منعطفا مهما يفتح الباب أمام تشديدات واسعة قد تطال آلاف الحالات المشابهة.

وبحسب ما ذكرته صحيفة "التليغراف" الخميس، وجدت العائلة الفلسطينية نفسها في قلب معركة قانونية وسياسية بعدما كانت قد حصلت أمام محكمة الهجرة العليا على حق الإقامة في بريطانيا عبر نموذج اللجوء المخصص للأوكرانيين، باعتبار أن توجيهات وزارة الداخلية أجازت لهم التقديم عبر المسار الأكثر ملائمة لوضعهم غير أن قرار المحكمة الأولى أثار عاصفة سياسية وإعلامية، ودفع الحكومة إلى استئناف الحكم وإعادة فتح الملف أمام محكمة أعلى.

قرار يلغي أمل عائلة

ترى وثائق القضية أن ظروف الأسرة كانت بالغة الخطورة داخل قطاع غزة، إذ كانت تعيش في خيمة تعرّضت لإطلاق نار في ظل القصف المتواصل والانهيار الإنساني، وأكدت المحكمة العليا للهجرة في حكمها الأول أن الوضع الاستثنائي والمهدد للحياة يشكل حالة تفوق المصلحة العامة التي تستند إلى ضبط مسارات إعادة التوطين والهجرة، لكن هذا التفسير لم يصمد أمام محكمة الاستئناف، التي شددت على ضرورة الالتزام بالنطاق الضيق لتطبيق المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الخاصة بالحق في الحياة الأسرية.

العائلة كانت تأمل الالتحاق بشقيق الأب المقيم في بريطانيا، وهو الرابط الذي استندت إليه في طلب اللجوء، غير أن محكمة الاستئناف رأت أن هذا الرابط لا يرتقي إلى مستوى الأسرة النووية التي تشمل عادة الزوجين والأبناء القصر، وأن تفعيل المادة الثامنة خارج هذا النطاق يتطلب وجود اعتماد استثنائي يتجاوز العلاقات العاطفية المألوفة بين الأقارب، وهو ما لم يتحقق من وجهة نظر المحكمة.

بعد إعلان قرار الوزيرة، بدا واضحا أن السياسة الحكومية الجديدة تتجه نحو تضييق واسع للمسارات الإنسانية، خصوصا أن محكمة الاستئناف أكدت في حيثياتها ضرورة مراعاة حق وزيرة الداخلية في اتخاذ قرارات تراعي الصالح الاقتصادي للبلاد وحماية حقوق وحريات الآخرين، وهو ما اعتبرته المحكمة جزءا من المسؤولية السيادية للدولة في إدارة ملف الهجرة.

جدل سياسي وقضائي

لم يمر القرار الأول لمحكمة الهجرة العليا دون ضجيج سياسي، فقد انتقد رئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة العمل كيمي بادينوخ الحكم علانية، ما دفع رئيسة المحكمة العليا البارونة كار إلى التعبير عن قلقها من تدخل سياسي يمس استقلال القضاء، ورغم ذلك، مضت الحكومة في استئنافها، معتبرة أن منح العائلة الفلسطينية حق الإقامة عبر مسار مصمم للاجئين الأوكرانيين قد يشجع على تدفق طلبات مماثلة من مناطق الصراع الأخرى لمجرد وجود أقارب في بريطانيا.

وأدى الجدل إلى طرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على الجمع بين متطلبات حماية الحدود وواجباتها الأخلاقية والإنسانية تجاه المدنيين الهاربين من مناطق الحرب، واعتبرت بعض منظمات الهجرة أن قرار وزيرة الداخلية قد يضعف قدرة بريطانيا على الاضطلاع بدورها كمركز إنساني دولي، بينما يرى مؤيدو القرار أن ضبط مسارات الهجرة أصبح ضرورة لا يمكن تجاهلها.

أثر قانوني واسع

يتوقع خبراء الهجرة أن يشكل حكم محكمة الاستئناف مرجعا معتمدا في القضايا المستقبلية، خاصة تلك التي تستند إلى المادة الثامنة لإثبات حق الإقامة أو لمّ الشمل، ويأتي هذا التطور في وقت تعمل فيه شابانا محمود على سن تشريعات جديدة تحد من نطاق المادة الثامنة، بحيث يُعترف فقط بالأقارب المباشرين ضمن مفهوم الأسرة، مع منح الأولوية لمقتضيات السلامة العامة على الحقوق الفردية.

ويخشى حقوقيون أن يؤدي التشريع المرتقب إلى استبعاد روابط أسرية تمتد لأشخاص يعتمدون فعليا على أقارب لهم في بريطانيا، كما يخشون من أن التحولات الجديدة قد تحد من قدرة اللاجئين على الحصول على حماية قانونية كافية، خاصة في الحالات المتعلقة بالظروف الاستثنائية التي تشهدها مناطق النزاع.

حياة معلقة على قرار

توثق القضية رحلة عائلة فلسطينية كانت تطلب ملاذا آمنا خارج جحيم الحرب، فالأب والأم وأطفالهم، الذين كانوا يعيشون في ظروف بالغة الخطورة، اعتقدوا أن وصولهم القانوني إلى بريطانيا أصبح قريبا بعد حكم محكمة الهجرة العليا، لكن قرار الاستئناف وقرار الوزيرة اللاحق أعادهم إلى نقطة الصفر، وتركوا أمام واقع شديد القسوة في قطاع محاصر يعاني انهيارا شاملا في البنية التحتية والخدمات الأساسية.

وبينما لا يتيح حكم الاستئناف أي مسار لجوء عبر برنامج أوكرانيا، فإنه يمنح وزارة الداخلية سلطة أوسع في تفسير القوانين وتحديد من يندرج تحت مفهوم الحالات الإنسانية الطارئة، وهذا ما يجعل مصير العائلة الفلسطينية الآن مرهونا بالمستجدات السياسية والقانونية، لا بحالتها الإنسانية وحدها.

عودة إلى النقاش الأوروبي الأوسع

يثير قرار محكمة الاستئناف البريطانية نقاشا أعمق يتجاوز حدود المملكة المتحدة، ويتصل بالجدل الأوروبي المستمر حول دور الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في سياسات الهجرة، فالدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة اتخذت مواقف أكثر تشددا تجاه الحدود والهجرة غير النظامية، مع محاولة إعادة تفسير المواد المتعلقة بالحق في الحياة الأسرية ضمن نطاق ضيق.

وبينما ترى الحكومات أن التحديات الاقتصادية والأمنية تتطلب إعادة ضبط شاملة للسياسات، يرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن التقييد المفرط للاتفاقية يقوض الغرض الأساسي منها، ويحوّلها إلى نص رمزي بلا أثر حقيقي.

انعكاسات على السياسة البريطانية

تمثل القضية نقطة تحول بالنسبة للحكومة البريطانية الساعية إلى إعادة تشكيل سياسة الهجرة وإعادة التوطين، بما يركز على الردع والرقابة الصارمة، وتأتي هذه التطورات في سياق توجهات أوسع تتبناها الحكومة الجديدة للحد من ما تعتبره توسعا غير منضبط في الاستفادة من المادة الثامنة، خاصة في المسارات الإنسانية.

وقد تزامن ذلك مع مشروع قوانين تعمل عليه وزارة الداخلية يهدف إلى تقييد قدرة المهاجرين على الاستناد إلى الروابط العائلية الواسعة للحصول على الإقامة، مع تعزيز سلطة الحكومة في ترحيل من تراهم لا يستوفون شروط الحماية.

تستند المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إلى ضمان الحق في احترام الحياة الخاصة والأسرية، وهو بند طالما استخدم في قضايا اللجوء والهجرة لتأكيد حق الأفراد في العيش مع أسرهم، إلا أن تطبيق المادة يختلف من حالة لأخرى، ويخضع لتوازن بين هذا الحق وبين المصلحة العامة، وفي المملكة المتحدة تحديدا، أصبح هذا التوازن أكثر تعقيدا خلال العقد الأخير مع تصاعد النقاش حول الحدود والسيادة القانونية. 

وفي ظل ضغوط سياسية واقتصادية متزايدة، تميل الحكومة البريطانية نحو تضييق نطاق تطبيق المادة الثامنة، مع السعي إلى تقليص الأعباء المترتبة على نظام الهجرة، وتأتي هذه القضية لتصبح إحدى أبرز المحطات في هذا التحول التشريعي والقضائي، وسط تحذيرات منظمات حقوق الإنسان من تداعياته على آلاف العائلات التي تبحث عن الأمان في مواجهة أزمات وحروب لا تنتهي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية