"سابقة خطيرة".. منظمات حقوقية: تعليق أوكرانيا معاهدة حظر الألغام يهدد المدنيين

"سابقة خطيرة".. منظمات حقوقية: تعليق أوكرانيا معاهدة حظر الألغام يهدد المدنيين
جهود نزع الألغام- أرشيف

أطلقت تحالفات ومنظمات مدنية وحقوقية دولية، اليوم الأحد، ناقوس الخطر عقب إعلان أوكرانيا تعليق التزامها بمعاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد لعام 1997، ووصفت الخطوة بـ”غير القانونية” و”بالغة الخطورة”، محذّرة من أنها تمثل سابقة قد تقوّض أحد أهم أعمدة القانون الإنساني الدولي الذي أُنشئ لحماية المدنيين، ولا سيما الأطفال.

تم التوقيع على بيان الإدانة من قبل خمسة تحالفات إنسانية لنزع السلاح و77 منظمة من المجتمع المدني تعمل في 39 دولة حول العالم، وجميعها تنشط في مجال الحد من الآثار الكارثية للحروب والدفاع عن حقوق الضحايا، خاصة ضحايا الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة.

وأعرب الموقعون عن “قلق بالغ” إزاء قرار أوكرانيا، مؤكدين أن المعاهدة لا تسمح بأي شكل من أشكال التعليق، حتى في أوقات النزاعات المسلحة. 

واعتبروا أن القبول بتعليق أحادي الجانب من دولة موقعة من شأنه أن يفتح الباب أمام دول أخرى للتنصل من التزاماتها القانونية والإنسانية، ما قد يؤدي إلى تقويض منظومة كاملة من الاتفاقيات التي تحمي المدنيين أثناء النزاعات.

وأشار البيان إلى أن هذا القرار يأتي في سياق مقلق، بعد خطوات مشابهة من دول أوروبية أخرى مثل دول البلطيق وفنلندا وبولندا، وهي انسحابات وُصفت بـ”المؤسفة للغاية”، كونها تتعارض بشكل مباشر مع جوهر معاهدة حظر الألغام، التي تهدف إلى وضع حد للمعاناة والإصابات التي تطول مئات الأشخاص أسبوعيًا، معظمهم من المدنيين العُزّل، وخاصة الأطفال.

تهديد مباشر للمدنيين

أوضح البيان أن قرار أوكرانيا لا يقوّض فقط أهداف المعاهدة الإنسانية، بل يعرّض للخطر ما يقرب من ثلاثة عقود من التقدم الدولي الذي تحقق بشق الأنفس، بفضل التعاون بين الدول، والمجتمع المدني، والأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وشدد الموقعون على أن العودة إلى استخدام الألغام تمثل نكسة قاسية للضحايا والناجين وللمجتمعات المتضررة التي عانت لسنوات طويلة من آثار هذه الأسلحة، والتي تظل تحصد الأرواح وتبتر الأطراف وتدمّر سبل العيش حتى بعد انتهاء الحروب.

كما أكدوا أن تجاهل مناشدات الضحايا، الذين طالبوا مرارًا بعدم العودة إلى هذه الأسلحة “البالية والمدمرة”، يُعد انتهاكًا أخلاقيًا وإنسانيًا قبل أن يكون خرقًا قانونيًا.

إدانة للانتهاكات الروسية

في الوقت نفسه، أدان البيان “بأشد العبارات” الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها روسيا في حربها على أوكرانيا، مؤكدًا أن ما تقوم به موسكو من تجاهل صارخ لقواعد القانون الإنساني الدولي تسبب في معاناة هائلة للمدنيين في مختلف أنحاء البلاد.

لكن المنظمات شددت على أن جرائم طرف لا تبرر انتهاك طرف آخر للقانون الإنساني الدولي، محذّرة من أن المدنيين –وخاصة الأطفال– سيكونون أول من يدفع ثمن هذا التعليق، سواء داخل أوكرانيا أو في مناطق أخرى قد تتأثر بانتشار الألغام أو نقلها مستقبلًا.

ورفض الموقعون الحجة القائلة بأن “التحديات الجيوسياسية غير المسبوقة” تبرر الانسحاب أو التعليق، مؤكدين أن العالم واجه أزمات كبرى في السابق، وكانت الاستجابة الصحيحة لها هي تعزيز القانون الدولي وليس تقويضه.

واعتبر البيان أنه من المقلق للغاية أن تختار بعض الدول اليوم إضعاف المنظومة ذاتها التي وُضعت لحماية البشرية من ويلات الحرب، بدلًا من الدفاع عنها وتطويرها.

وجاء في ختام البيان: “من المهم كيف تُخاض الحروب، ومن المهم احترام المبادئ الإنسانية، ومن المهم أيضًا استمرار النظام القائم على القواعد”.

تحالف دولي واسع 

وضمّت قائمة الموقّعين تحالفات بارزة، من بينها، الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، الشبكة الدولية للأسلحة المتفجرة، تحالف “أوقفوا الروبوتات القاتلة”.

وشاركت منظمات دولية معروفة مثل هيومن رايتس ووتش، والمجلس الدنماركي للاجئين، والرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، إلى جانب عشرات المنظمات الوطنية من دول عربية وإفريقية وأوروبية وآسيوية وأمريكية لاتينية، من بينها مصر، والسودان، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وكولومبيا، ورواندا، ونيبال، وجنوب إفريقيا.

ولا تقتصر معاهدة حظر الألغام على كونها وثيقة دولية، بل تمثل بالنسبة لملايين البشر حول العالم خط الدفاع الأخير بين الحياة والموت. وأي خطوة للمساس بها تعني فتح أبواب جديدة للمزيد من الضحايا، والإعاقة، والتشريد، وفقدان الأمان.

وفي وقت تتزايد فيه النزاعات وتتسع رقعة الحروب، تحذر المنظمات الحقوقية من أن العالم لا يحتمل تآكل ما تبقى من قواعد تحمي المدنيين، مؤكدة أن الخيار الحقيقي ليس في مزيد من السلاح، بل في مزيد من الالتزام بالإنسان والكرامة والحق في الحياة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية