أصوات نسائية.. جلسة في السويداء تكشف كيف تتحول الحوارات المحلية إلى قوة تغيير

أصوات نسائية.. جلسة في السويداء تكشف كيف تتحول الحوارات المحلية إلى قوة تغيير
مطالبات نسائية بوقف العنف ضد المرأة

شهدت محافظة السويداء السورية، الخميس، انعقاد جلسة حوارية داخل جمعية "المرأة حياة” ضمن حملة الأيام الستة عشر لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث فتح اللقاء نافذة عميقة على واقع النساء في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية متدهورة، وسلّط الضوء على العنف الممنهج الذي يطال النساء في حياتهن اليومية، بما في ذلك أشكال العنف غير المرئية مثل العلاقات السامة والعنف الإلكتروني.

وركزت الجلسة منذ بدايتها على مفهوم تعافي المرأة باعتباره حجر الزاوية في بناء مجتمع متوازن وقادر على النهوض، فتعافي النساء ليس مسألة فردية تخص كل امرأة على حدة، بل عملية جماعية ترتبط بالأسرة والأطفال وطبيعة البناء الاجتماعي بأكمله، وعندما تكون المرأة قادرة على ممارسة دورها بطمأنينة ووعي وكرامة، فإن ذلك يمنح المجتمع فرصة حقيقية للارتقاء، وفق وكالة أنباء المرأة.

وتناولت النقاشات أهمية أن يبدأ التعافي من داخل المرأة نفسها، ثم يمتد إلى المجتمع والقانون والاقتصاد، فتمكين النساء ليس مجرد شعار، بل عملية تفتح المجال أمام طاقات كامنة قادرة على تشكيل مستقبل أكثر عدلا وإنصافا، وخلصت الجلسة إلى أن إنشاء بيئة داعمة للمرأة هو شرط أساسي لنشوء أجيال متوازنة نفسيا واجتماعيا، قادرة على التعامل مع تحديات العصر.

دور المرأة بعد الصراعات

في محور موازٍ، تحدثت المدربة وعضوة جمعية المرأة حياة والمسؤولة عن قطاع الطفولة سمر الجزار، مؤكدة أن المرأة رغم الأعباء الثقيلة التي تتحملها في ظل الظروف الراهنة، لا تزال قادرة على أن تكون شريكا أساسيا في مرحلة ما بعد الصراع، ورأت أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة ونقص حاد في البنى التحتية، الأمر الذي يجعل تمكين النساء اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا ضرورة لا يمكن تجاوزها.

وأشارت سمر الجزار إلى أن المرأة المتعافية قادرة على بناء أسرة صحيحة وتربية جيل يحمل رؤية إيجابية للمستقبل، واعتبرت أن دعم الأطفال في التعليم والدورات التدريبية يدخل في صميم دور المرأة القادرة على التمكين، لأن هؤلاء الأطفال هم المستقبل الذي سيحمل عبء إعادة بناء ما تهدم.

وأضافت أن الطبيعة الإنسانية للمرأة تجعلها أكثر قدرة على العمل في قطاعات الصحة والتعليم والعمل التطوعي، خصوصا خلال أوقات النزاعات، وأكدت أن النساء غالبا ما يكن في الصفوف الأولى لمبادرات الدعم النفسي والاجتماعي، الأمر الذي يجعل دورهن محوريا في مسار التعافي والسلام المجتمعي.

العلاقات السامة والعنف الإلكتروني

وفي مداخلة أخرى، تحدثت المشاركة لجين جباعي عن العنف الذي تتعرض له النساء في حياتهن اليومية، موضحة أن كثيرا من أشكال العنف تمر دون أن تُسمى بما هي عليه، واعتبرت أن الجلسة ساعدت النساء على التعرف إلى أنواع متعددة من العنف مثل العلاقات السامة، والتنمر، والعنف الإلكتروني، حيث يشكل الوعي بهذه الظواهر الخطوة الأولى نحو حماية الذات.

وأشارت إلى أن بعض السلوكيات تتوقف لدى الأفراد بدافع أخلاقي، لكن هذا الرادع ليس كافيا في حالات كثيرة، مما يستدعي قوانين واضحة وقادرة على الردع، كما تناولت الفجوة بين النساء في الريف والمدينة من حيث فرص التعليم والعمل، معتبرة أن المرأة في الريف لا تزال تواجه قيودا اقتصادية وثقافية تحد من قدرتها على المشاركة في الحياة العامة، بخلاف المدن التي توفر مساحات أوسع للانخراط في الصحافة والسياسة ونشاط المجتمع المدني.

وأكدت لجين جباعي أن جلسات الحوار ترفع مستوى الوعي وتوسع دائرة الفهم لدى النساء، مما يجعل قدرتهن على مواجهة العنف والتحديات اليومية أكثر رسوخا، ويسهم في تمتين بنية المجتمع وصيانته من الانهيارات الاجتماعية.

تنامي التهديدات الإلكترونية

وفي جانب آخر من الجلسة، تناولت المدربة الدولية غيداء الزوبعة قضية العنف الإلكتروني باعتباره أحد أخطر التحديات التي تواجه النساء والفتيات في الوقت الراهن، وأشارت إلى أن الابتزاز عبر الصور والبيانات المخترقة إحدى أكثر الأدوات انتشارا لإخضاع النساء أو تهديدهن، في ظل غياب وعي كافٍ بأساليب الحماية الرقمية.

وأكدت أن هدف الجلسة هو توعية النساء والمجتمع بدور المرأة في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي، مشددة على أنه يجب التعامل مع أي إساءة أو انتهاك بحق المرأة باعتباره تهديدا يطول المجتمع بأكمله، وليس مشكلة فردية معزولة، ولفتت إلى أن جلسات سابقة ركزت على أشكال العنف اللفظي والجسدي والاجتماعي والاقتصادي، مؤكدة أن بعض النساء يجهلن في كثير من الأحيان أن هذه الأفعال هي أصلا ممارسات عنيفة تستند إلى تراكمات ثقافية تشرعن التمييز.

ودعت غيداء الزوبعة إلى إطلاق برامج توعية في مجال الأمن السيبراني توفر محاضرات مفتوحة حول كيفية حماية الحسابات الشخصية واستخدام أنظمة أمان فعالة للحد من الابتزاز الإلكتروني، ورأت أن التوعية المستمرة هي الخطوة الأساسية لحماية المرأة والمجتمع، وأن تمكين النساء في مواجهة التحديات الإلكترونية والحياتية يسهم في بناء مجتمع متوازن قادر على الصمود والنهوض.

تأتي الجلسة المقامة بمحافظة السويداء في سياق حملة الأيام الستة عشر لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي حملة دولية أطلقتها الأمم المتحدة منذ عام 1991 بهدف حشد الجهود للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتشارك فيها مئات المؤسسات حول العالم عبر تنظيم أنشطة توعوية وورش تدريبية وبرامج لرفع الوعي. ويشكل العنف ضد النساء أحد أكبر التحديات في المجتمعات التي تعاني من النزاعات والأزمات الاقتصادية، حيث تتزايد معدلات العنف الأسري والاجتماعي والاقتصادي والرقمي، وتتعقد آثارها على الأطفال والأسرة والبنية الاجتماعية.

وفي سوريا، تكشف تقارير منظمات محلية ودولية عن ارتفاع نسب العنف ضد النساء بسبب الفقر، وانهيار الخدمات، وضعف الحماية القانونية، وغياب الوعي المجتمعي والبرامج الوقائية، ما يجعل مبادرات مثل هذه الجلسات جزءا مهما من الجهود الرامية لتعزيز القدرة على الصمود وبناء مجتمع أكثر عدلا ومساواة.

تتواصل دوامة العنف في سوريا بعد أكثر من عقد على اندلاع الأزمة، مخلفة آثاراً عميقة على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها النساء، ورغم تراجع حدة المعارك في بعض المناطق، ما زالت النساء السوريات يواجهن واقعاً يومياً يتسم بالخوف والتهجير وفقدان الأمن، حيث تتقاطع الأعباء الإنسانية مع مأساة فقدان المعيل وتفكك الروابط الاجتماعية وتنامي حالات الفقر المدقع. وفي المخيمات شمال البلاد، تبدو الصورة أكثر قسوة مع انتشار ظواهر الاستغلال والعنف المنزلي والزواج القسري، إذ فقدت الكثير من النساء فرص التعليم والعمل وأصبحن يواجهن مسؤولية إعالة أسر كاملة في ظروف قسرية لا تضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة. 

وتؤكد منظمات أممية أن العنف القائم في سوريا لم يعد مرتبطاً فقط بالعمليات العسكرية، بل أصبح جزءاً من منظومة اجتماعية مضطربة توسعت فيها فجوات الحماية، ما جعل النساء محاصرات بين تبعات الحرب وأشكال العنف المركبة التي ولّدتها سنوات النزاع الطويلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية