اليوم العالمي للغة العربية 2025.. وجهة حقوقية لغوية في عالم متعدد الثقافات
يحتفل به 18 ديسمبر من كل عام
يستعد العالم للاحتفال في 18 ديسمبر 2025 بـاليوم العالمي للغة العربية، مناسبة سنوية تحتفي بها الأمم المتحدة، ممثلة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تسلط الضوء على الحقوق اللغوية والثقافية المرتبطة باللغة العربية، بوصفها أحد أعمدة التنوع الثقافي للبشرية، وركناً أساسياً من حقوق الإنسان في التعبير والتواصل والمعرفة.
يُقام الاحتفال هذا العام في مقر اليونسكو في باريس، تحت شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولا"، حيث تُركِّز الفعالية على دور التعليم والتكنولوجيا والإعلام والسياسات العامة في تعزيز حضور اللغة العربية وإتاحتها للمجتمعات المتعددة اللغات ومحدودة الموارد، وهو ما يتماشى مع برنامج إدارة التحولات الاجتماعية التابع لليونسكو.
نشأة اليوم وتاريخه
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1973 القرار رقم 3190 (د-28)، الذي جعل اللغة العربية لغة رسمية ولغة عمل سادسة في المنظمة الدولية، ما وضع الأساس لإطلاق اليوم العالمي للغة العربية في عام 2012، كونه فرصة سنوية لإبراز مكانة اللغة وحقوق الناطقين بها، ويتيح هذا التاريخ ربط الاحتفال بتاريخ طويل من الاعتراف الرسمي باللغة العربية على مستوى الأمم المتحدة.
ويتيح هذا القرار التذكير بأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان الثقافية والاجتماعية، حيث يضمن للأفراد القدرة على التعبير عن هويتهم وحفظ تراثهم الثقافي، ويُمكّنهم من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة.
اللغة كحق ثقافي وإنساني
تُعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، ويتحدثها يومياً أكثر من 400 مليون نسمة في المنطقة العربية ومناطق أخرى مثل تركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا.
وتتمتع العربية بأهمية خاصة لدى المسلمين كلغة مقدسة (لغة القرآن)، إذ لا تتم الصلاة ولا العبادة إلا بإتقان بعض كلماتها، كما تُعد لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، وقد كُتب بها أهم الأعمال الفكرية والدينية عبر العصور.
تتيح العربية للمستخدمين الدخول إلى عالم متنوع في أصالته وتاريخه، فهي لم تقتصر على التعبير اللغوي فحسب، بل أسهمت في الهندسة والشعر والفلسفة والغناء، وجعلت من تراثها أداة للتواصل بين الثقافات عبر القرون، بما في ذلك عبر طريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي، وتسهم في الحفاظ على التنوع المعرفي والثقافي، وتتيح مساحة للمعرفة المشتركة بين المجتمعات المختلفة.
مضمون الاحتفال لعام 2025
سلّط الاحتفال هذا العام الضوء على البُعد الحقوقي للغة، ودعا إلى شمولية السياسات والممارسات التي تتيح الوصول إلى التعليم والمعرفة والإعلام باللغة العربية، خصوصاً في ظل التحول الرقمي الذي يؤثر في طرق التعلم والتواصل ونشر المعرفة.
ويبرز موضوع "مسارات مبتكرة" دور التعليم والتكنولوجيا ووسائل الإعلام والسياسات العامة في تعزيز حضور العربية في العالم، ما يتيح تمكين المجتمعات من ممارسة حقهم في استخدام العربية في التعليم والتعلم والحياة اليومية.
يستهدف الاحتفال المجتمعات الناطقة بالعربية ومجتمعات أخرى مهتمة بالتنوع اللغوي، بما يعكس العدالة اللغوية وحق الوصول إلى المعرفة والفرص التعليمية والثقافية بشكل متساوٍ.
تعزيز التعدد اللغوي
يعكس الاحتفال التزام الأمم المتحدة بدعم التعدد اللغوي والثقافي على المستوى العالمي، حيث تقرر إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي الاحتفال بكل واحدة من اللغات الرسمية الست في المنظمة (العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية، والروسية)، ما يبرز أهمية اللغة حقاً من حقوق الإنسان ويضمن تمثيل كل لغة بشكل عادل في المؤسسات الدولية.
ويهدف هذا النهج إلى تعزيز قدرة الموظفين على التواصل واتخاذ القرارات بشكل فعال، مع احترام التنوع اللغوي والثقافي، وتأكيد دور اللغات في ضمان الشفافية والوصول إلى المعرفة في عمل الأمم المتحدة.
وأسهمت اللغة العربية تاريخياً في نقل المعارف العلمية والفلسفية من الحضارات القديمة إلى أوروبا في عصر النهضة، وأسهمت في تفعيل حوار الثقافات والمعارف بين الشرق والغرب، كما أثّرت في لغات كثيرة أخرى، منها التركية والفارسية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية، وأثرت أيضاً في بعض اللغات الإفريقية والأوروبية، ما يعكس طابعها الدينامي والأصيل وقدرتها على التكيف مع التطورات الثقافية والعلمية.
ويبرز هذا التأثير أهمية اللغة العربية ليس فقط وسيلة للتواصل، بل أداة لحفظ المعرفة وبناء جسور بين الثقافات، ما يربطها مباشرة بحق الإنسان في التعلم والوصول إلى المعلومات.
حقوق تعليم اللغة
يرتبط الحق في التعليم باللغة الأم بالحق في الوصول إلى المعرفة، فهو يضمن المساواة في فرص التعلم ويعزز قدرة الطلاب على الفهم والمشاركة الفعالة في العملية التعليمية، كما يتيح استخدام اللغة الأم في التعليم فرصاً أوسع للمشاركة الاقتصادية والاجتماعية، إذ يمكن للمتعلمين من الوصول إلى سوق العمل والحياة العامة.
ويُعد تعزيز العربية في المنصات الرقمية ووسائل الإعلام جزءاً من الجهد لضمان أن يكون هناك محتوى معرفي وثقافي متاح باللغة العربية، بما يسهم في تعزيز الهوية الثقافية وتمكين المجتمعات من نشر المعرفة والإبداع بالعربية.
يمثل اليوم العالمي للغة العربية فرصة لإعادة التأكيد على أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل حق أساسي من حقوق الإنسان في التعبير والتعليم والثقافة والمشاركة الاجتماعية، ويستلزم ذلك اعتماد سياسات لغوية شاملة توفر الوصول إلى المعرفة باللغة العربية وتضمن تمثيلها العادل في الفضاءات الدولية والمحلية.
وتساعد هذه السياسات على تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات والخدمات بلغتهم الأم، وهو حق يوازي أهمية الحقوق الأخرى مثل الصحة والتعليم والعمل، ويعزز مشاركة الأفراد في الحياة المجتمعية وبناء مستقبل لغوي شامل ومستدام.
يكتسب الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 2025 أهمية خاصة هذا العام، إذ يركز على الشمولية والابتكار ويعزز الحقوق اللغوية والثقافية المرتبطة بالوصول إلى التعليم والمعرفة والتعبير، ويرسخ الاحتفال الدور الحيوي الذي تلعبه اللغة العربية ليس فقط في الهوية الثقافية للشعوب الناطقة بها، بل في الحوار الثقافي العالمي والتواصل بين الأمم، ما يجعل من هذا اليوم مناسبة عالمية تؤكد أن الحق في اللغة هو حق في الحياة والمعرفة والمستقبل.











