مايكروسوفت تواجه تحقيقات بعد اتهامات بتخزين بيانات مراقبة إسرائيلية للفلسطينيين عبر خوادم أوروبية

مايكروسوفت تواجه تحقيقات بعد اتهامات بتخزين بيانات مراقبة إسرائيلية للفلسطينيين عبر خوادم أوروبية
شركة مايكروسوفت

وجدت شركة مايكروسوفت نفسها مجددا في قلب عاصفة من الجدل بعد اتهامات جديدة تتعلق بتخزين بيانات مراقبة نفذها الجيش الإسرائيلي بحق فلسطينيين داخل خوادم تابعة للشركة في أوروبا، وهذه الاتهامات التي رفعتها منظمة إيكو غير الحكومية إلى هيئة حماية البيانات في أيرلندا الخميس، أعادت إلى الواجهة النقاش حول مسؤولية شركات التكنولوجيا العملاقة عن البيانات التي تمر عبر منصاتها، وما إذا كانت هذه الشركات تلتزم فعلا بالمعايير الأوروبية الصارمة لحماية الخصوصية.

شكوى رسمية تفتح بابا جديدا للتحقيق

تلقت هيئة حماية البيانات الأيرلندية الشكوى رسميا وبدأت بتقييمها، في خطوة قد تؤدي إلى تحقيق أوسع يشمل فروع الشركة داخل الاتحاد الأوروبي. وبحسب منظمة إيكو فإن مايكروسوفت قامت بتخزين بيانات شخصية حساسة لفلسطينيين على خوادم في أيرلندا وهولندا، وهي بيانات حصل عليها الجيش الإسرائيلي عبر عمليات مراقبة واسعة النطاق استهدفت مدنيين في غزة والضفة الغربية، وترى المنظمة أن هذا التخزين يعد انتهاكا صريحا للنظام العام لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه سمح في نظرها بعمليات استهداف ومتابعة غير قانونية وفق فرانس برس.

جاءت الشكوى بعد تحقيق استقصائي واسع نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أوضح أن الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية استخدمت منصة مايكروسوفت أزور لتخزين البيانات الهاتفية التي تم اعتراضها خلال عمليات مراقبة ممنهجة، وأشار التحقيق إلى أن هذه البيانات خُزِّن أغلبها في مراكز بيانات تابعة لمايكروسوفت في دول أوروبية تخضع لرقابة مشددة، الأمر الذي أثار صدمة في الأوساط القانونية والحقوقية التي اعتبرت أن الشركة تجاهلت الضوابط التي تفرضها التشريعات الأوروبية.

رد مايكروسوفت بين الاعتراف والإنكار

أعلنت الشركة أنها باشرت تحقيقا داخليا فور نشر التحقيق الصحفي، مؤكدة سعيها لتقييم الإجراءات التي تمت على منصتها، وفي رسالة داخلية نشرها رئيس الشركة براد سميث أقر بأن التحقيق الداخلي وجد أدلة تؤكد بعض أجزاء ما ورد في تقرير الغارديان، وهو اعتراف لم يمنع تزايد الضغوط عليها. 

كما قررت الشركة في نهاية سبتمبر تعطيل وصول الوحدة الإسرائيلية المعنية إلى منصة أزور، في خطوة فسرتها منظمات حقوقية على أنها محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة أكثر من كونها اعترافا بالمسؤولية.

اتهامات جديدة بحذف البيانات 

لم تتوقف الاتهامات لشركة مايكروسوفت عند حد التخزين غير القانوني، إذ اتهمت منظمة إيكو الشركة بحذف كميات كبيرة من البيانات التي كانت موجودة على خوادمها الأوروبية بعد انتشار تحقيق الغارديان، مستندة في ذلك إلى شهادات قالت إنها حصلت عليها من أشخاص يبلغون عن مخالفات داخل الشركة، وتدعي المنظمة أن الحذف تم بطريقة سريعة ومنهجية، بهدف إخفاء أدلة يمكن أن تُستخدم ضد الشركة في تحقيقات مستقبلية، ما يضيف بعدا أكثر تعقيدا وخطورة للقضية.

موجات سابقة من الانتقادات

لم تكن هذه المرة الأولى التي تواجه فيها مايكروسوفت انتقادات بسبب علاقاتها مع جهات حكومية تنفذ مراقبة واسعة، ففي السنوات الماضية تعرضت الشركة لانتقادات تتعلق بتعاونها مع جهات أمنية في الولايات المتحدة ضمن برامج مراقبة كشف عنها موظفون سابقون في وكالات حكومية. كما واجهت انتقادات بشأن مستوى الشفافية في التعامل مع طلبات الحكومات للحصول على بيانات مستخدمين. لكن القضية الحالية تحمل طابعا مختلفا بحكم طبيعة البيانات وارتباطها بنزاع مسلح وحالة إنسانية حساسة، إضافة إلى وقوعها ضمن نطاق قانون الاتحاد الأوروبي الصارم.

شهادات حقوقية تزيد الضغوط

ترى منظمات حقوقية أن القضية تتجاوز مجرد خرق تقني للوائح حماية البيانات، إذ تتصل بشكل مباشر بإمكانية استخدام التكنولوجيا في انتهاك الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وتشير إلى أن مراقبة الحياة الرقمية للمدنيين في مناطق النزاع قد تؤدي إلى تعرضهم للاستهداف أو الاعتقال أو الابتزاز، ما يجعل مسؤولية الشركات الكبرى مضاعفة، وتطالب هذه المنظمات بفتح تحقيق موسع داخل الاتحاد الأوروبي للتأكد من حجم البيانات التي تمت معالجتها، وطبيعة التعاون بين مايكروسوفت والجهات الإسرائيلية ذات الصلة.

خطر يمس الثقة العالمية 

تثير هذه القضية مخاوف لدى مستخدمين حول العالم بشأن قدرة الشركات الكبرى على حماية خصوصيتهم، خاصة عندما تتعامل مع حكومات تمتلك تقنيات مراقبة متقدمة، ويخشى خبراء في القانون الرقمي من أن يؤدي هذا النوع من القضايا إلى تآكل الثقة في الخدمات السحابية، على اعتبار أن المستخدمين لا يعرفون دائما أين تخزن بياناتهم أو من يمكن أن يصل إليها، كما أن الاتحاد الأوروبي قد يلجأ إلى فرض إجراءات أشد صرامة في حال ثبت وجود خروقات، ما سيؤثر على مستقبل الشركات الدولية في السوق الأوروبية.

النظام العام لحماية البيانات

من المتوقع أن تتابع كل مؤسسات حماية البيانات في أوروبا هذه القضية عن كثب، لأنها قد تحدد الإطار القانوني للتعامل مع البيانات الحساسة في حالات النزاع، وفي حال أثبتت التحقيقات صحة ممارسات مايكروسوفت، فقد تكون القضية واحدة من أخطر الانتهاكات المرتبطة بمعالجة البيانات في أوروبا، وستفتح الباب أمام مساءلة قانونية واسعة وربما غرامات قد تصل إلى مليارات اليوروهات وفق القانون الأوروبي. كما قد تدفع شركات التكنولوجيا الأخرى لإعادة النظر في عقودها مع الحكومات والمؤسسات الأمنية، تجنبا للوقوع في أخطاء مماثلة.

تخضع الشركات العالمية العاملة داخل الاتحاد الأوروبي إلى النظام العام لحماية البيانات الذي يعد من أكثر الأطر القانونية صرامة على مستوى العالم. ويُلزم هذا النظام الشركات بالحصول على موافقات واضحة لمعالجة البيانات، مع ضمان عدم استخدامها لأغراض غير مشروعة أو نقلها إلى جهات ثالثة دون مبرر قانوني، وتعتبر أيرلندا مقرا رئيسيا لكثير من شركات التكنولوجيا، ما يجعل هيئة حماية البيانات فيها مسؤولة عن متابعة شكاوى عديدة تمس شركات كبرى، وقد واجهت مايكروسوفت في السابق أسئلة حول كيفية تعاملها مع البيانات الحكومية والعسكرية في عدد من الدول، إلا أن القضية الحالية تعد الأولى من نوعها التي تجمع بين البعد الأمني وسياق حقوق الإنسان، وتضع الشركة أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الالتزام بالمعايير الدولية للخصوصية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية