انهيار المسار المهني.. المبلغون عن المخالفات في شركات التكنولوجيا يواجهون ثمن الصراحة

انهيار المسار المهني.. المبلغون عن المخالفات في شركات التكنولوجيا يواجهون ثمن الصراحة
التكنولوجيا الحديثة - أرشيف

كشف الرئيسة السابقة لقسم نزاهة الانتخابات في فيسبوك، يائيل آيزنستات، عن ممارسات شركة ميتا في مقال رأي عام 2019، حيث زعمت أن المنصة سمحت للناشطين السياسيين بتضليل الرأي العام عبر أدوات استهداف الإعلانات المتطورة.

وأفادت آيزنستات بأن سياسات الشركة كانت تهدف إلى منع الرقابة على الخطاب السياسي، لكنها دفعتها إلى مواجهة تبعات شخصية ومهنية قاسية بعد كشفها لهذه المخالفات، إذ واجهت عزلة مهنية وصعوبة في الحصول على وظيفة جديدة، وأكدت أنها وُضعت على القائمة السوداء، حسبما نقلت "واشنطن بوست".

وعاشت آيزنستات على مشاريع استشارية ريثما تجد وظيفة بدوام كامل، واستغرق الأمر أربع سنوات لتجد منصباً يوازي صعوبة دورها السابق في فيسبوك، الشركة المعروفة الآن باسم ميتا.

وأصبحت جزءاً من مجموعة متنامية من العاملين السابقين في مجال التكنولوجيا الذين زعموا أن أصحاب عملهم أضروا بالجمهور وعرّضوا سلامة المستخدمين للخطر، ما أثار نقاشاً عامّاً حاداً حول القطاع، شمل تقارير إعلامية، وجلسات استماع في الكونغرس، وسلسلة قوانين تهدف إلى تقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال.

التحديات القانونية المستمرة

أدلى المحامي رافي نايك، محامي سارة وين ويليامز، بتصريحات حول حكم تحكيمي أصدرته ميتا ضد موكلته، يمنعها من الترويج لمذكراتها أو الإدلاء بتصريحات قد تُعتبر مسيئة للشركة، بما في ذلك في محيطها العائلي.

وحذر نايك من أن التحديات القانونية المستمرة تحد من نجاح المبلغين المالي أو المهني، حيث تسعى الشركة للحصول على "عشرات الملايين من الدولارات" لمجرد سرد قصتهم، وفق ما أوردته الصحيفة الأمريكية.

شهدت المبلغون عن المخالفات عزلة مهنية شديدة، قالت السياسية البريطانية لويز هايغ إن وين-ويليامز تواجه غرامة قدرها 50 ألف دولار في كل مرة تخالف فيها أمر حظر النشر، مشيرةً إلى أن الإفصاح عن المخالفات دفعها نحو الإفلاس المالي.

وأشار متحدث باسم شركة ميتا، آندي ستون، إلى أن مشاركة المعلومات مع الجهات التنظيمية الأمريكية محمية قانونياً، لكنه فرقها عن الإدلاء بتصريحات عامة كاذبة أو مضللة حول الشركة.

صوت المبلغين

أدلى الباحث جيسون ساتيزان، من موظفي ميتا السابقين في أبحاث الواقع الافتراضي، بتصريحات أمام الكونغرس حول تغييب الشركة لأبحاث حول سلامة الأطفال في منتجات الواقع الافتراضي.

كشف ساتيزان والمبلغون الآخرون أن ميتا حرصت على حذف أو تعديل أبحاث داخلية تظهر تعرض الأطفال للاستغلال والتحرش الجنسي في بيئات ثلاثية الأبعاد، وفق تقرير نشرته "الغارديان".

وأشارت داني ليفر، المتحدثة باسم ميتا، إلى أن الشركة وافقت على 180 دراسة منذ عام 2022 تتعلق بسلامة الشباب ورفاهيتهم، لكنها أكدت أن هذه الدراسات تُعرض بطريقة "مُضللة".

وأوضح المبلغون عن المخالفات أن الإدارة أصدرت تعليمات للموظفين بعدم إجراء أبحاث قد تكشف عن أضرار لحقت بالأطفال، وطلبت منهم أحياناً حذف معلومات حساسة من مقابلات أجروها مع أسر ضحايا.

الآثار على حياة المبلغين

أفاد المستشار السابق في ميتا، أرتورو بيجار، أنه حاول توجيه مارك زوكربيرج للتعامل مع تجارب المستخدمين الشباب على إنستغرام بشكل أفضل، لكن جهوده لم تثمر إلا بعد نشره معلومات للصحافة والكونغرس، معتمداً على مدخراته الشخصية.

وأكد بيجار أن الإفصاح عن المخالفات أتاح له الشعور بالراحة النفسية، لكنه دفعه لتحمل أعباء مالية كبيرة، مثل تكاليف تعليم طفليه الجامعية.

أكدت مديرة حماية المبلغين في شبكة سيجنالز، مارغو إيوين، أن المبلغين غالباً لا يجدون وظائف مماثلة بعد كشفهم المخالفات، ويضطرون لتغيير مسارهم المهني جذرياً، وأضافت أن هذه التجارب تظهر الضرورة القانونية لتوفير حماية واضحة للمبلغين، خاصة في القطاعات التكنولوجية الحساسة.

حماية المبلغين

وقع حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، قانوناً لتوسيع الحماية لبعض موظفي التكنولوجيا الراغبين في كشف مخاطر الذكاء الاصطناعي الكارثية، كما قدّم أعضاء من الحزبين في مجلس الشيوخ مشروع قانون لحماية المبلغين عن المخالفات في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يمنع الشركات من الانتقام من الموظفين الذين يبلغون عن ثغرات أمنية أو انتهاكات للجهات التنظيمية، وفق ما نقلته منصة"تك كرانش".

ظهرت منظمات دعم المبلغين عن المخالفات، مثل Psst.org وشبكة Signals ومنظمة Whistleblower’s Aid، لتقديم الدعم القانوني والمعنوي للموظفين الراغبين في التحدث علناً، سواء بشأن المخاطر على المستخدمين أو انتهاكات الخصوصية والسلامة.

وكشفت فرانسيس هوجن، الموظفة السابقة في ميتا، عن أضرار إنستغرام على المراهقات عام 2021، ما أدى إلى تغييرات مؤقتة في سياسات الشركة، وفقاً لتقارير "واشنطن بوست".

وقالت هوجن إنها وضعت مدخراتها وخبرتها لتعزيز قدرتها على كشف المخاطر، كما أسست منظمة غير ربحية، وبدأت تتلقى عروض عمل جديدة، بما في ذلك من شركات ناشئة.

وتغيرت حياة أنيكا كولير نافارولي بعد شهادتها أمام الكونغرس، حيث واجهت انقساماً بين زملائها: دعم صامت وانتقاد علني، لكنها وجدت في التدريس بجامعة كولومبيا دوراً ذا مغزى، رغم أن الدخل لا يضاهي ما كانت تجنيه في وادي السيليكون.

انتهاكات حقوق الأطفال

كشف ستة موظفين سابقين وحاليين في ميتا، كمبلغين عن المخالفات، عن تغييب أبحاث السلامة الخاصة بالأطفال في منتجات الواقع الافتراضي، أوضح جيسون ساتيزان، أحد هؤلاء الموظفين، أن الشركة اعتبرت الأطفال مجرد مصدر للتفاعل والأرباح، واستغلت فرقها الداخلية للتلاعب بالأبحاث وحذف البيانات التي لم تتوافق مع أهدافها.

وواجهت الإدارة انتقادات شديدة من المشرعين الأمريكيين، بينهم السيناتور جوش هاولي ومارشا بلاكبيرن، وفق ما أفادت به صحيفة "الغارديان".

وأضافت "تيك كرانش" أن مجموعة من الموظفين كشفوا أن الشركة أخفت أبحاثاً تتعلق بسلامة الأطفال، وعدلت سياساتها لتجنب الإفصاح عن مخاطر محتملة، كما أن القوانين المتعلقة بالخصوصية العالمية تحظر جمع بيانات القاصرين دون موافقة الأهل.

وأوضحت كيلي ستونليك، الموظفة السابقة في ميتا، أنها واجهت مخاطر مماثلة، إذ أدت تجربة العمل في منتجات الواقع الافتراضي إلى إثبات وجود تهديدات عنصرية وجنسية لمستخدمي الأطفال، وأدى ذلك إلى رفع دعوى قضائية ضد الشركة تتعلق بالتمييز والتحرش.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية