الاتحاد الأوروبي يفتح ملف هيمنة “ميتا” على الذكاء الاصطناعي وحقوق المنافسة الرقمية

الاتحاد الأوروبي يفتح ملف هيمنة “ميتا” على الذكاء الاصطناعي وحقوق المنافسة الرقمية
ميتا وواتساب- أرشيف

أطلق الاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس، تحقيقًا رسميًا بحق شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة “ميتا”، المالكة لتطبيق “واتساب”، للاشتباه في انتهاكها قواعد المنافسة عبر استخدام ميزات الذكاء الاصطناعي على نحو قد يقيّد وصول مزوّدي الخدمات الخارجيين ويُقصيهم من المنصة. 

وجاءت هذه الخطوة في قلب بروكسل، في مناخ تتصاعد فيه المخاوف من تركّز القوة الرقمية في يد قلة من الشركات العملاقة، وتأثير ذلك على حقوق المستهلكين، وحرية الابتكار، وعدالة الوصول إلى الأسواق الرقمية، لا سيما في القطاعات التي تمس الحياة اليومية لملايين المستخدمين حول العالم، مثل المراسلة الفورية وخدمات دعم العملاء والمعاملات التجارية الرقمية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".

وأكدت المفوضية الأوروبية أن السياسة الجديدة التي أعلنتها “ميتا” قد تمنع مزوّدي خدمات الذكاء الاصطناعي من الأطراف الثالثة من تقديم خدماتهم عبر “واتساب”، وهو ما قد يُعد إساءة استخدام لوضع مهيمن يخالف قوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي. 

وأوضحت أن التطبيق يتيح حاليًا للشركات التواصل مع العملاء عبر المنصة، مستعينين بروبوتات دردشة وخدمات ذكاء اصطناعي مطوّرة من متعاقدين مستقلين، إلا أن القواعد الجديدة قد تعطي الأفضلية لخدمة “Meta AI”، ما يحدّ من التنوع ويقوض حق الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنافسة العادلة، ويؤدي إلى احتكار القدرة على تحليل البيانات، وتقديم الردود الآلية، وإدارة تجربة العملاء.

الادعاءات وردّ الشركة

من جانبها، نفت شركة “واتساب” هذه الاتهامات عبر ناطق باسمها، واصفة المزاعم بأنها “لا أساس لها من الصحة”، ومشيرة إلى أن انتشار روبوتات الدردشة على نطاق واسع يثقل كاهل أنظمتها غير المصممة لتحمل ضغط متزايد من خدمات خارجية متعددة، ما استدعى إدخال تغييرات “تقنية بحتة” لتنظيم الأداء وضمان استقرار الخدمة. 

غير أنّ هذا التبرير لم يُبدد هواجس الهيئات التنظيمية الأوروبية التي ترى أن حماية البنية التحتية لا ينبغي أن تتحول إلى ذريعة لإقصاء المنافسين وحصر السوق في خدمة واحدة مملوكة للشركة نفسها، بما يضر بالمستخدمين على المدى الطويل.

وشدّدت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، على أن الاتحاد الأوروبي يسعى لضمان استفادة المواطنين والشركات من “ثورة الذكاء الاصطناعي” بصورة عادلة ومفتوحة، عبر منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلال قوتهم لإقصاء الآخرين. 

ويكتسب هذا التصريح بُعدًا حقوقيًا واضحًا، إذ ترتبط المنافسة العادلة بحقوق المستهلك في الاختيار، وحقّ المطوّرين الصغار في النفاذ إلى المنصات الكبرى دون تمييز، وحق المجتمعات في بيئة رقمية منفتحة تتسم بالتعددية والشفافية والمساءلة.

الأبعاد السياسية والاقتصادية

كشف توقيت التحقيق عن أبعاد سياسية واقتصادية متشابكة، لا سيما في ظل الضغوط الأميركية المتكررة خلال عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي اتهم الاتحاد الأوروبي سابقًا باستهداف الشركات الأميركية الكبرى. 

ورغم هذه الضغوط، واصل الاتحاد الأوروبي نهجه التنظيمي الصارم، معتبرًا أن حماية السوق الداخلية وضمان المنافسة العادلة يمثلان التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا تجاه مواطنيه وشركاته الناشئة التي تواجه صعوبات أمام عمالقة التكنولوجيا ذوي النفوذ العالمي.

ووسّع هذا الملف النقاش الحقوقي ليشمل كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في المساحات اليومية الأكثر حساسية، ومنها التواصل الشخصي والتجاري عبر تطبيقات المراسلة؛ فاحتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل منصة واحدة يثير مخاوف تتعلق بالوصول إلى البيانات، وحماية الخصوصية، وإمكانية مراقبة السلوكيات وتحليلها دون رقابة كافية. 

كما يطرح تساؤلات حول مصير مئات الشركات الناشئة التي تعتمد على ركائز المنصات الكبرى لتقديم حلولها وخدماتها لملايين المستخدمين.

مطالبات بالشفافية والمحاسبة

طالب خبراء ومنظمات معنية بالحقوق الرقمية بضرورة فرض أعلى معايير الشفافية على سياسات “ميتا” التكنولوجية، وإخضاع أي تغييرات مهمة لمبدأ المساءلة العامة، لمنع استغلال القوة السوقية في تحقيق مكاسب احتكارية على حساب المنافسة والابتكار الحر. 

وأكدوا أن هذه القضية تتجاوز حدود الاقتصاد، لتصل إلى صلب الحقوق الرقمية الحديثة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان في العصر الرقمي.

استدعى الواقع الحالي مقاربة أشمل توازن بين الابتكار والتنظيم، وتكفل حماية الأسواق المفتوحة دون خنق التطور التكنولوجي. 

ويعوّل مراقبون على أن يفضي التحقيق إلى وضع قواعد أكثر عدالة تكفل مشاركة مختلف مزوّدي الذكاء الاصطناعي في منظومة “واتساب” وسواها من المنصات، بما يعود بالنفع على المستخدمين ويُعيد ضبط العلاقة بين السلطة الرقمية والحقوق الإنسانية في عالم سريع التحول.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية