شهران بلا رواتب.. عمال منجم همكار الإيراني يعانون بين أعماق الأرض وديون المعيشة
شهران بلا رواتب.. عمال منجم همكار الإيراني يعانون بين أعماق الأرض وديون المعيشة
يعيش مئات العمال في منجم فحم همكار بمحافظة كرمان واقعاً إنسانياً قاسياً يتجاوز صعوبة المهنة نفسها. فبدلاً من أن يكون الأجر مقابل هذا العمل المضني مصدر أمان واستقرار، تحوّل إلى وعد مؤجل ترك أكثر من 600 عامل بلا رواتب منذ شهرين، في منشأة تابعة للدولة، ما عمّق شعورهم بالخذلان والإحباط.
رواتب غائبة ومعاناة متراكمة
أفادت وكالة أنباء إيلنا الأربعاء بأن عمال منجم همكار لم يتقاضوا مستحقاتهم المالية منذ شهرين كاملين، رغم استمرارهم في العمل داخل المنجم الحكومي، وهذا التأخير لم يعد حالة طارئة، بل بات أزمة متكررة، تتراكم آثارها في حياة العمال وأسرهم، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة.
ويؤكد العمال أن تأخير المستحقات والرواتب دفعهم إلى الاعتماد على الديون والسلف لتأمين أبسط احتياجاتهم اليومية، من غذاء وسكن ومصاريف تعليم وعلاج، ما جعل حياتهم معلقة بين انتظار الأجر وضغوط الدائنين.
أصوات من تحت الأرض
في حديثهم لوكالة إيلنا، عبّر عمال المنجم عن استيائهم من تجاهل صاحب العمل لأوضاعهم المعيشية، مؤكدين أن هذا الإهمال لا يقتصر على الرواتب فقط، بل يشمل أيضاً تهالك المعدات وضعف شروط السلامة، ما يزيد من مخاطر العمل ويضاعف شعورهم بانعدام التقدير.
أحد العمال لخص المأساة بقوله إنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهرين، موضحاً أنهم تسلموا مؤخراً راتب الشهر السابع، ولا يزالون بانتظار راتب الشهر الثامن، متسائلاً بمرارة كيف يمكن لعامل منجم أن يعيش في ظل هذا التضخم دون أجر منتظم.
التضخم يضاعف الألم
في بلد يعاني من تضخم مرتفع وتراجع القدرة الشرائية، يتحول تأخير الرواتب إلى كارثة حقيقية، ويؤكد العمال أن قيمة الأجور، حتى عند دفعها، لم تعد كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية، فكيف الحال عندما تتأخر لأشهر.
يقول العمال إنهم باتوا يعيشون على السلف والاستدانة، معتمدين على الأقارب أو أصحاب المتاجر، في انتظار رواتب قد تأتي أو لا تأتي، في حين تتراكم عليهم الالتزامات وتزداد الضغوط النفسية.
تبريرات بلا حلول
وبحسب إفادات العمال، أبلغهم صاحب العمل أن أسعار الفحم الحالية غير واقعية، ولا تغطي تكاليف التشغيل، ما يمنعه من دفع الرواتب أو توفير المعدات اللازمة. هذا التبرير، وإن بدا اقتصادياً في ظاهره، لم يخفف من غضب العمال الذين يرون أنهم الحلقة الأضعف التي تتحمل وحدها نتائج السياسات الخاطئة.
ويؤكد العمال أن الحكومة الإيرانية لم تتخذ أي خطوات جادة لتصحيح أسعار الفحم أو دعم هذا القطاع الحيوي، ما جعل الأزمة تتفاقم وتنعكس مباشرة على حياتهم ومستقبلهم المهني.
معدات متهالكة وخطر دائم
إلى جانب أزمة الرواتب، يشتكي العمال من تهالك المعدات المستخدمة في المنجم، ما يزيد من مخاطر العمل في بيئة بطبيعتها خطرة. فغياب الصيانة والتجديد، وفقاً لشهاداتهم، يجعل كل يوم عمل مغامرة غير محسوبة العواقب.
ويشير بعض العمال إلى أن الدافع لمواصلة العمل يتآكل يوماً بعد يوم، ليس فقط بسبب غياب الأجر، بل أيضاً بسبب الشعور بأن حياتهم معرضة للخطر دون مقابل عادل أو حماية كافية.
إحباط من المسؤولين
أعرب عمال منجم همكار عن إحباطهم الشديد من أداء المسؤولين، مؤكدين أن معاناتهم لم تلقَ أي متابعة فعالة أو حلول ملموسة، فالشكاوى، بحسبهم، تتكرر كل عام دون أن تؤدي إلى تغيير حقيقي أو معالجة جذرية للمشكلة.
ويرى العمال أن الخسائر الحقيقية في هذه الظروف يتحملها العامل وحده، في حين تستمر الجهات المعنية في تبادل التبريرات دون النظر إلى الأثر الإنساني والاجتماعي للأزمة.
معاناة تتكرر سنوياً
ما يزيد من قسوة المشهد أن هذه الأزمة ليست جديدة. يؤكد العمال أن تأخير الرواتب بات يتكرر سنوياً، ما يعكس خللاً بنيوياً في إدارة المنجم والقطاع بأكمله، وهذا التكرار أفقدهم الثقة بأي وعود، وجعلهم يعيشون في حالة دائمة من القلق وعدم الاستقرار.
فكل عام تتجدد الأزمة، وتتجدد معها معاناة الأسر التي تعتمد بشكل كامل على دخل هؤلاء العمال، دون وجود بدائل أو شبكات أمان اجتماعي حقيقية.
العمل في الظل بلا تقدير
يعمل عمال المناجم في ظروف قاسية، بعيداً عن الأضواء، ويؤدون دوراً أساسياً في تزويد البلاد بمصدر طاقة مهم، ومع ذلك، يشعرون أن جهودهم لا تلقى التقدير الكافي، وأنهم يعاملون معاملة أرقام يمكن تأجيل حقوقها دون اكتراث.
هذا الشعور بالظلم لا يقتصر على الجانب المادي، بل يمتد إلى الكرامة الإنسانية، حين يضطر العامل الذي يخاطر بحياته يومياً إلى طلب السلف أو الاستدانة لتأمين قوت أطفاله.
يعد قطاع التعدين في إيران من القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على العمالة اليدوية، ويتميز بظروف عمل شاقة ومخاطر مرتفعة. ورغم أن العديد من المناجم تتبع لجهات حكومية أو شبه حكومية، فإن العمال فيها يشكون منذ سنوات من تأخر الرواتب وضعف شروط السلامة وغياب الحماية الاجتماعية الكافية، وتأتي أزمة عمال منجم همكار في محافظة كرمان في سياق أوسع من التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، ومنها التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج واضطراب السياسات التسعيرية، وفي ظل غياب حلول مستدامة، تستمر معاناة العمال بوصفها قضية إنسانية واجتماعية تتجاوز كونها أزمة مالية مؤقتة، لتطرح تساؤلات أعمق حول العدالة الاجتماعية وحقوق العمال في منشآت يفترض أنها مملوكة للدولة وتخضع لمسؤوليتها المباشرة.











