الاقتصاد الإيراني في مأزق.. العقوبات الدولية تعمّق الجوع وتفاقم الأزمة الإنسانية

الاقتصاد الإيراني في مأزق.. العقوبات الدولية تعمّق الجوع وتفاقم الأزمة الإنسانية
أحد الأسواق الإيرانية

 

تشهد إيران واحدة من أعنف الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران بسبب برنامجها النووي، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، فقد هبط الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز واللحوم، لتصبح بعيدة عن متناول شرائح واسعة من السكان.

غذاء مفقود وقلق متزايد

ارتفاع أسعار السلع الأساسية تجاوز 50% خلال عام واحد، وفق أرقام رسمية، بينما تشير مشاهدات يومية في الأسواق إلى زيادات أكبر، فقد تضاعف سعر الفاصوليا ثلاث مرات، وقفزت أسعار الأرز الفاخر بنسبة 100%، فيما أصبح الدجاج واللحوم سلعة نادرة للأسر الفقيرة، وهذه الزيادات الحادة جعلت ملايين الإيرانيين غير قادرين على تأمين غذاء يكفي للبقاء، وأدخلت البلاد في دوامة من القلق النفسي والمجتمعي. تقارير محلية تحدثت عن تزايد أعداد المرضى الذين يراجعون الأطباء النفسيين منذ يونيو الماضي بسبب الضغط المعيشي والخوف من المستقبل.

إعادة تفعيل ما يعرف بـ"آلية الزناد" بموجب اتفاق 2015 النووي جعل العقوبات عصية على النقض في مجلس الأمن، وهو ما يعني تجميد أصول إيران في الخارج ووقف صفقات الأسلحة وفرض قيود إضافية على برنامج الصواريخ، وهذه العقوبات، التي جاءت في أعقاب ضربات عسكرية استهدفت مواقع إيرانية في يونيو، زادت من هشاشة الاقتصاد المحلي، ودفعت الحكومة إلى استدعاء سفرائها من عواصم أوروبية للتشاور، وسط حالة ارتباك سياسي واقتصادي داخلي.

أعباء إنسانية مضاعفة

تداعيات العقوبات لم تقتصر على الاقتصاد، بل تعمقت عبر الضغوط المعيشية في الحياة اليومية للإيرانيين. التضخم الذي تجاوز 34% رسمياً ينعكس في شكل مباشر على الأسر الفقيرة التي لم تعد قادرة على شراء احتياجاتها الأساسية، وتشير تقارير من داخل البلاد إلى أن بعض العائلات باتت تستغني عن وجبات أساسية أو تقلّص استهلاكها من اللحوم والزيوت والحبوب. شهادات مواطنين تحدثوا عن شعورهم أن الوضع الحالي يفوق حتى معاناة سنوات الحرب الإيرانية العراقية أو عقود العقوبات السابقة.

إلى جانب الأزمة الاقتصادية، يعيش الإيرانيون في ظل مخاوف متصاعدة من اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، بالتزامن مع إعادة بناء مواقع صاروخية دُمرت خلال الحرب الأخيرة، كما يخشى ناشطون من موجة قمع داخلي متصاعد، خاصة مع تقارير عن ارتفاع غير مسبوق في عدد الإعدامات المنفذة هذا العام مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية.

أزمة مركّبة تهدد الاستقرار

يرى خبراء أن تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يضع إيران أمام خطر انهيار أوسع في شبكات الأمان الاجتماعي. استمرار انهيار الريال وتضخم أسعار الغذاء سيؤدي إلى تعميق الفقر، وزيادة الاعتماد على السوق السوداء، وتوسع الهوة بين الشرائح الفقيرة والأغنى. وفي ظل غياب حلول دبلوماسية، تبدو إيران مقبلة على مرحلة أكثر قسوة اقتصادياً وإنسانياً، ما يجعل حياة ملايين الأسر على المحك.

العقوبات ليست جديدة على إيران؛ فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوبات متفاوتة على طهران بسبب الحرب مع العراق، ثم بسبب البرنامج النووي والاتهامات بدعم جماعات مسلحة إقليمية، بلغت ذروتها بين عامي 2010 و2013 حين شملت قيوداً مشددة على النفط والبنوك الدولية، ما أدى إلى انهيار اقتصادي واسع النطاق، وخففت هذه العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لتعود مجدداً مع انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018. ومع إعادة فرض العقوبات عبر مجلس الأمن اليوم، تجد إيران نفسها أمام حلقة جديدة من الضغوط الاقتصادية التي ترسخ عقوداً من العزلة والانكماش.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية