كوكب على الحافة.. تقرير دولي يكشف تسارع الظواهر المناخية المتطرفة خلال 2025

كوكب على الحافة.. تقرير دولي يكشف تسارع الظواهر المناخية المتطرفة خلال 2025
الفيضانات - أحد أشكال التغيرات المناخية

كشف تقرير جديد صادر عن مبادرة إسناد الطقس العالمي، نُشر اليوم الثلاثاء، أن التغير المناخي لم يعد خطراً مؤجلاً أو سيناريو نظرياً، بل أصبح عاملاً مباشراً في زيادة وقوع الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم، سواء من حيث التكرار أو الحدة، وأكد التقرير أن ما شهده العالم خلال العام الماضي يمثل دليلاً إضافياً على أن الاحتباس الحراري العالمي يدفع بالفعل بملايين البشر إلى حافة قدرتهم على التكيف، في ظل تصاعد غير مسبوق للكوارث المناخية.

وفي تقريرها السنوي لعام 2025، أوضحت المبادرة أن العالم شهد خلال هذا العام سلسلة واسعة من الظواهر الجوية الشديدة التي تركت آثاراً إنسانية واقتصادية عميقة، وأحصى فريق المبادرة 157 ظاهرة جوية متطرفة، تنوعت بين فيضانات وموجات حر وعواصف وحرائق غابات وحالات جفاف وموجات برد، في مؤشر واضح على اختلال متزايد في أنظمة المناخ العالمية، وفق وكالة الأنباء الألمانية.

وبحسب التقرير، شملت هذه الظواهر 49 حالة فيضانات، و49 موجة حر، و38 إعصاراً وعاصفة، و11 حريق غابات، و7 حالات جفاف، إضافة إلى 3 موجات برد قاسية، وتمثل هذه الأرقام، وفق خبراء المناخ، انعكاساً مباشراً لارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية وتأثيره في أنماط الطقس.

معايير صارمة لرصد الكوارث

لم تُدرج هذه الأحداث ضمن التقرير بشكل عشوائي، إذ أوضحت المبادرة أن إدراج أي ظاهرة ضمن القائمة يتطلب تجاوزها عتبة محددة من حيث التأثير، ويشمل ذلك أن تتسبب الظاهرة في سقوط أكثر من 100 ضحية، أو أن تؤثر بشكل مباشر في حياة أكثر من مليون شخص، أو أن تؤدي إلى إعلان حالة كارثة وطنية أو إقليمية من قبل السلطات المعنية.

وتعكس هذه المعايير حرص الفريق العلمي على التركيز على الأحداث ذات الأثر الإنساني الواسع، وليس فقط الظواهر المناخية الاستثنائية من الناحية العلمية.

وأجرى فريق مبادرة إسناد الطقس العالمي دراسة معمقة لـ 22 حدثاً من بين 157 ظاهرة تم رصدها خلال عام 2025، بهدف فهم العلاقة المباشرة بين هذه الأحداث والتغير المناخي الناتج عن النشاط البشري، وخلص التحليل إلى أن 17 حدثاً من هذه الظواهر أصبحت أكثر احتمالية للحدوث أو أكثر شدة نتيجة التغير المناخي.

أما في 5 حالات فقط، وجميعها تتعلق بهطول أمطار غزيرة، فقد كانت النتائج غير حاسمة، ما يعكس تعقيد العلاقة بين التغير المناخي وأنماط الهطول في بعض المناطق، ويؤكد الحاجة إلى مزيد من البحث العلمي.

مخاطر تتحول إلى واقع

في هذا السياق قالت فريدريك أوتو، أستاذة علوم المناخ في مركز السياسات البيئية في إمبريال كوليدج لندن، والمؤسسة المشاركة لمبادرة إسناد الطقس العالمي، إن المخاطر المناخية التي كان يُنظر إليها سابقاً بوصفها احتمالات مستقبلية أصبحت واقعاً ملموساً، وأضافت أن كل عام جديد يشهد تراجعاً في هامش الأمان المناخي، حيث تصبح الكوارث أقل افتراضاً وأكثر واقعية ووحشية، على حد تعبيرها.

وترى أوتو أن العالم بات يشهد بشكل متزايد ما تسميه تضخيم المخاطر، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى تحويل ظواهر طبيعية مألوفة إلى كوارث مدمرة ذات آثار واسعة النطاق.

واحتلت موجات الحر موقعاً متقدماً بين الظواهر التي تناولها التقرير، باعتبارها من أكثر الأحداث ارتباطاً بشكل مباشر بالتغير المناخي، ومن بين الأمثلة البارزة، موجة الحر التي استمرت 7 أيام في جنوب السودان خلال شهر فبراير، حيث بلغت درجات الحرارة 40 درجة مئوية.

وبحسب التحليل العلمي، لولا تأثير التغير المناخي لما تجاوزت درجات الحرارة في تلك المنطقة 36 درجة مئوية بوصفها حداً أقصى، ويعني ذلك أن الارتفاع الإضافي البالغ 4 درجات مئوية كان كفيلاً بدفع المجتمعات المحلية إلى ظروف معيشية شديدة القسوة، خاصة في بلد يعاني بالفعل من هشاشة البنية التحتية وضعف الخدمات الصحية.

آثار إنسانية تتجاوز الأرقام

لا تقتصر تداعيات هذه الظواهر على الخسائر المادية أو عدد الضحايا فقط، بل تمتد إلى تقويض سبل العيش وزيادة معدلات النزوح وانعدام الأمن الغذائي، ويشير التقرير إلى أن ملايين الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم باتوا يعيشون على هامش القدرة على التكيف، حيث تؤدي الكوارث المتكررة إلى استنزاف الموارد وحرمان المجتمعات من فرصة التعافي.

وتؤكد المبادرة أن الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً هي الأكثر تضرراً من هذه الظواهر، رغم إسهامها المحدود في الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، ما يطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول العدالة المناخية والمسؤولية الدولية.

ويحمل التقرير في طياته رسالة تحذير واضحة مفادها أن ما شهده العالم في عام 2025 قد لا يكون استثناءً، بل مقدمة لما هو قادم إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية وسريعة للحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف.

ويرى خبراء المبادرة أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى زيادة تواتر الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها، ما سيجعل إدارة الأزمات المناخية أكثر كلفة وتعقيداً، سواء على المستوى الإنساني أو الاقتصادي.

دعوة إلى التحرك العاجل

يدعو التقرير صناع القرار حول العالم إلى التعامل مع التغير المناخي باعتباره أزمة طارئة لا تحتمل التأجيل، مشدداً على أهمية الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية المقاومة للمناخ، إلى جانب تسريع التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة.

كما يؤكد ضرورة دعم الدول النامية التي تواجه العبء الأكبر من آثار التغير المناخي، عبر التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات، ما يضمن تقليص الفجوة بين الدول المسؤولة تاريخياً عن الانبعاثات وتلك التي تدفع الثمن الأكبر.

تأسست مبادرة إسناد الطقس العالمي بهدف دراسة العلاقة بين التغير المناخي والظواهر الجوية المتطرفة، من خلال تحليل علمي سريع يربط الأحداث المناخية المحددة بارتفاع درجات الحرارة الناتج عن النشاط البشري، وتضم المبادرة علماء من مؤسسات بحثية دولية مرموقة، وتعد تقاريرها مرجعاً أساسياً لفهم كيف يغير الاحتباس الحراري طبيعة الطقس حول العالم، ومع تسارع وتيرة الكوارث المناخية خلال السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الدراسات أداة مهمة في توجيه السياسات العامة وتعزيز الوعي العالمي بحجم المخاطر التي يواجهها كوكب الأرض.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية