تضييق الخناق.. إسرائيل تسحب تراخيص منظمات إنسانية دولية في الضفة وغزة

تضييق الخناق.. إسرائيل تسحب تراخيص منظمات إنسانية دولية في الضفة وغزة
فريق من أطباء بلا حدود في غزة

تتجه السلطات الإسرائيلية إلى فتح فصل جديد من التضييق المنهجي على العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع شروعها باتخاذ إجراءات عملية لسحب تراخيص عمل عدد من المنظمات الإنسانية الدولية الناشطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذه الخطوات التي تُبرر بذريعة قانونية وأمنية، تثير مخاوف واسعة من تداعيات إنسانية خطيرة على ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الدولية في ظل أوضاع معيشية وصحية كارثية.

ووفقاً لما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية اليوم الثلاثاء، فإن هذه الإجراءات تقودها هيئة حكومية مشتركة تضم عدة وزارات إسرائيلية، برئاسة ما يسمى وزارة الشتات ومكافحة معاداة السامية، وتستهدف منظمات إنسانية دولية بزعم عدم استكمالها متطلبات التسجيل وفقاً للقوانين الإسرائيلية، إضافة إلى ادعاءات أمنية تتهم بعض موظفيها بالضلوع في أنشطة تصنفها إسرائيل على أنها إرهابية.

إشعارات رسمية ومهل زمنية

بحسب التقرير، أرسلت السلطات الإسرائيلية إشعارات رسمية إلى أكثر من 10 منظمات دولية، منها منظمة أطباء بلا حدود، لإبلاغها بسحب تراخيص عملها ابتداءً من 01 يناير 2026، مع إلزامها بإنهاء جميع أنشطتها بشكل كامل بحلول الأول من مارس من العام نفسه، وتأتي هذه الخطوة بعد فترات تمديد متكررة منحتها السلطات لهذه المنظمات لاستكمال متطلبات التسجيل، إذ كان الموعد النهائي الأصلي في 09 سبتمبر 2025، قبل أن يتم تمديده حتى 31 ديسمبر 2025.

وتدعي الجهات الإسرائيلية أن بعض المنظمات امتنعت عن تلبية مطلب مركزي يتمثل في تقديم قوائم كاملة بأسماء موظفيها الفلسطينيين، بحجة رفضها الخضوع لما تسميه إسرائيل فحوصات أمنية، وهو ما اعتبرته تل أبيب إخلالاً جوهرياً بشروط العمل داخل الأراضي التي تسيطر عليها.

اتهامات أمنية مثيرة للجدل

ضمن سياق تبرير هذه القرارات، زعمت السلطات الإسرائيلية أن أجهزتها الأمنية كشفت مشاركة موظفين من منظمة أطباء بلا حدود في أنشطة تصفها بالإرهابية. وادعت أنه في يونيو 2024 جرى اغتيال عنصر من حركة الجهاد الإسلامي كان يعمل في المنظمة، كما زعمت أنه في سبتمبر 2025 تم الكشف عن موظف آخر كان يعمل قناصاً في كتائب القسام.

وبحسب الرواية الإسرائيلية، امتنعت المنظمة عن تقديم معلومات تتعلق بهويات هؤلاء الموظفين أو طبيعة أدوارهم، وهو ما اعتبرته السلطات دليلاً إضافياً على عدم التزامها بالمتطلبات القانونية والأمنية المفروضة.

نفي المساس بالمساعدات

في المقابل نقلت الصحيفة عن مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين، لم تسمهم، تأكيدهم أنه لا توجد نية للمساس بتدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة، وادعى هؤلاء المسؤولون أن المنظمات التي شملها قرار سحب الترخيص تمثل جزءاً محدوداً من إجمالي حجم المساعدات المقدمة، وأن غالبية المساعدات الإنسانية ستستمر عبر قنوات أخرى خاضعة للرقابة الإسرائيلية.

غير أن هذه التصريحات لم تبدد المخاوف التي أعربت عنها منظمات إنسانية دولية، اعتبرت أن هذه الإجراءات تشكل تهديداً مباشراً لاستقلالية العمل الإنساني، وتفتح الباب أمام تسييس المساعدات وربطها باعتبارات أمنية تفرضها إسرائيل.

تحذيرات من كارثة صحية

في هذا السياق، كانت منظمة أطباء بلا حدود قد حذرت في 22 ديسمبر 2025 من أن القواعد الإسرائيلية الجديدة الخاصة بتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية قد تحرم مئات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة من الوصول إلى الرعاية الصحية المنقذة للحياة بحلول عام 2026، وأوضحت المنظمة أن هذه المتطلبات تهدد بسحب تسجيل المنظمات اعتباراً من 01 يناير، ما سيقوض بشكل مباشر قدرتها على تقديم الخدمات الطبية الأساسية في غزة والضفة الغربية.

وأكدت المنظمة أن فقدان المنظمات الإنسانية المستقلة وذات الخبرة القدرة على الوصول والعمل، في ظل الدمار الواسع الذي طال النظام الصحي في قطاع غزة، سيشكل كارثة حقيقية، داعية سلطات الاحتلال إلى ضمان استمرار الاستجابة الإنسانية المستقلة وغير المتحيزة، كما حذرت من أن المنظومة الإنسانية التي تعاني أصلاً من قيود شديدة، لا تحتمل مزيداً من التفكيك أو التضييق.

أرقام تعكس حجم الخطر

وقالت منسقة شؤون الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في غزة باسكال كواسار إن فرق المنظمة عالجت خلال العام الماضي مئات آلاف المرضى، ووفرت مئات الملايين من لترات المياه الصالحة للشرب، وأشارت إلى أن المنظمة قدمت خلال عام 2025 نحو 800 ألف استشارة في العيادات الخارجية، وتعاملت مع أكثر من 100 ألف حالة إصابة بالغة، في ظل ظروف عمل شديدة الخطورة ونقص حاد في الإمكانات الطبية.

وتؤكد هذه الأرقام، بحسب مراقبين، أن أي تقليص أو إقصاء لدور هذه المنظمات سيترك فراغاً كبيراً لا يمكن تعويضه بسهولة، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من انهيار شبه كامل في بنيته الصحية نتيجة الحرب والحصار المستمر.

سياق أوسع من الاستهداف

ويأتي هذا التصعيد ضد المنظمات الإنسانية في سياق أوسع من الاتهامات الإسرائيلية المتكررة للمؤسسات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية، ويبرز في هذا الإطار استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، ولا سيما عقب أحداث 07 أكتوبر 2023، حين أعلنت إسرائيل أن عدداً من موظفي الوكالة شاركوا في الهجوم.

غير أن تحقيقاً أممياً صدر في إبريل 2024 خلص إلى عدم وجود أدلة تثبت تورطاً مؤسسياً للوكالة في أي أنشطة عسكرية، ما دفع عدداً من الدول المانحة إلى استئناف تمويلها. ومع ذلك، واصلت إسرائيل رفض نتائج التحقيق والتمسك باتهاماتها، في مؤشر على نهج متواصل لتقويض دور المؤسسات الدولية العاملة مع الفلسطينيين.

يعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عدد كبير من المنظمات الإنسانية الدولية التي تقدم خدمات حيوية في مجالات الصحة والغذاء والمياه والإغاثة الطارئة، في ظل أوضاع إنسانية متدهورة بفعل الاحتلال والحصار والحروب المتكررة، وتخضع هذه المنظمات منذ سنوات لقيود إسرائيلية مشددة تشمل تصاريح الدخول والحركة وتسجيل العمل، إضافة إلى اشتراطات أمنية مثيرة للجدل، ويرى خبراء في القانون الدولي الإنساني أن استهداف العمل الإنساني المستقل، وربطه باعتبارات سياسية وأمنية، يشكل انتهاكاً لالتزامات إسرائيل بوصفها قوة احتلال، ويهدد حقوق السكان المدنيين في الحصول على المساعدة والحماية، خاصة في أوقات النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية الممتدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية