مآلات الصراع الإثيوبي والسيناريوهات المحتملة
مآلات الصراع الإثيوبي والسيناريوهات المحتملة
باسم ثروت
تتغير الأوضاع بشكل سريع في ضوء التطورات المتتابعة والمتسارعة على صعيد مشهد النزاع في الداخل الإثيوبي، لا سيما بعد العديد من التغيرات العديدة المهمة التي حدثت في الشهور الماضية، حيث انسحب الجيش الإثيوبي في أوائل أغسطس 2021 من إقليم تيغراي بعد سيطرة دامت لمدة 8 أشهر في مشهد مذل ومهين للجيش الإثيوبي، تبع هذا القرار إعلان الحكومة الإثيوبية التعبئة العامة للجيش بين صفوف المدنيين في 10 أغسطس من نفس العام، جاء هذا القرار بعد انسحاب قوات الجيش من إقليم التيغراي، الأمر الذي قاد إلى تحولات جديدة في الصراع حيث تحولت جبهة تحرير تيغراي من الوضع الدفاعي إلى الوضع الهجومي وأعلنت عن تحالفها مع بعض الحركات المتمردة، ما جعل الوضع في إثيوبيا يتخذ مسارات جديدة ويتجه إلى مآلات لم تكن متوقعة من قبل.
المشهد على الأرض:
تسارعت الأحداث في الأيام القليلة الماضية حيث أعلنت السلطات الإثيوبية فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد، في ظل تكهنات شبه حقيقية بتقدم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، كما دعت إدارة أديس أبابا سكانها لحمل وترخيص السلاح والتجمع داخل الأحياء السكنية تحسباً لأي هجوم.
يرجع تطور الأحداث والتفوق النسبي لجبهة تحرير تيغراي على الحكومة الإثيوبية إلى بعض عوامل منها سيطرة الجبهة على معظم الطرق الرئيسية التي تربط بين أديس أبابا والعالم الخارجي خاصةً في إقليمي عفر وتيغراي، وتحالف الجبهة مع بعض القوى المتمردة داخل البلاد، الأمر الذي جعل الخناق يضيق على نظام آبي أحمد.
تبدو هذه المرحلة من عمر الصراع كما لو أنها مرحلة الحسم بالنسبة لجبهة تحرير تيغراي، حيث حدثت العديد من التطورات في شهر أكتوبر الماضي فقد توغلت الجبهة في العديد من المناطق في إقليم امهرة والسيطرة على بعض المدن الرئيسية مثل ديسي وكومبولشا في جنوب الإقليم، والتوجه شرقاً حتى أصبحت على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة أديس أبابا، كما شهد الصراع قصفاً جوياً من قبل جيش التحرير الإثيوبي لعدة مناطق في إقليم تيغراي في محاولة لإعادة التوازن وتخفيف العبء على القوات الإثيوبية في جبهات القتال، كما أن تسارع الأحداث واتجاهاً في مصلحة جبهة تحرير تيغراي يثير قلق ومخاوف نظام آبي أحمد لوجود احتمالية سقوط النظام وعودة التيغراي للسيطرة على السلطة كما سيطروا عليها لمدة ربع قرن في ما مضى.
وقد جاءت العقوبات الأمريكية التي فرضها جو بايدن على أديس أبابا لتزيد الأمور تعقيداً على نظام آبي أحمد المتخبط، حيث قررت واشنطن تعليق المزايا التفضيلية التجارية المقدمة لإثيوبيا وفق قانون النمو والفرص في إفريقيا بحلول العام المقبل 2022م، كما فرضت واشنطن عقوبات أخرى في وقت لاحق من شهر سبتمبر 2021 حيث منح بايدن وزارة الخزانة الأمريكية بالعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية، سلطة محاسبة المسؤولين في الحكومة الإثيوبية والحكومة الإريترية وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي وحكومة أمهرة الإقليمية المسؤولة عن إطالة أمد النزاع أو متواطئة فيها أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو منع وقف إطلاق النار، مؤكداً أن وزارة الخزانة على استعداد لاتخاذ إجراءات بموجب هذا الأمر التنفيذي لفرض عقوبات تستهدف المسؤولين عن الأزمة المستمرة، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً أمام الاقتصاد الإثيوبي.
دلالات المشهد الإثيوبي:
يحمل المشهد الإثيوبي في طياته وتسارعه العديد من الدلالات المهمة التي تُظهر مدى تعقيد وتشابك الصراع في الداخل الإثيوبي وتتمثل في الآتي:
التخبط الشديد للنظام الإثيوبي: أدى انسحاب جيش التحرير الوطني من جبهة التيغراي إلى تخبط النظام بشكل كبير واهتزاز صورته أمام المجتمع المحلي والدولي حيث وعد آبي سابقاً بتحقيق استعادة سريعة للنظام والأمن في الإقليم تحوَّل إلى صراع ممتد ومروع أفضى إلى أزمة إنسانية. واستدعى دخول قوات من إريتريا المجاورة، وأثار ذُعْر المجتمع الدولي، أقر آبي نفسه مؤخراً بأن الحرب استمرت لفترة أطول مما توقَّع. وأن مقاتلي جبهة التيغراي انتشروا وتفرقوا بشكل غريب، مضيفاً أن الجيش الفيدرالي يخوض حرب عصابات في ما لا يقل عن ثماني جبهات متفرقة في أرجاء البلاد.
ميل الكفة في مصلحة جبهة تيغراي: توضح المكتسبات التي حققتها جبهة تحرير التيغراي إلى ميل الأمور في صالحها وهو ما يعني ازدياد القوة السياسية للجبهة على الأرض الأمر الذي يجعلها في ما بعد قد ترضخ لمطالب المجتمع والجلوس على طاولة المفاوضات الأمر الذي يرفضه آبي أحمد الذي يريد الظهور في مظهر القائد الذي يفي بوعوده ولا يرضخ لضغوط الجبهة.
سطوع نجم الحرب الأهلية: وجود جبهة تحرير التيغراي على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة أديس أبابا، ودعوة نظام آبي أحمد إلى التعبئة العامة للجيش ودعوة سكان أديس أبابا لحمل السلاح يعطي مؤشراً قوياً باحتمالية حدوث حرب أهلية الأمر الذي قد يقود إلى تفكك النظام الاتحادي للدولة الإثيوبية وانفصالها لعدة أقاليم.
السيناريوهات المحتملة:
تشير الأوضاع على الأرض في إثيوبيا إلى وجود ثلاثة سيناريوهات في ظل الموقف الدولي الحظر الذي لم يقم بتدخل فعال لإنهاء الصراع إلى الآن:
السيناريو الأول: سيطرة الحكومة الإثيوبية على الأوضاع مرة أخرى، لكن تشير الأوضاع على الأرض وتقدم جبهة تحرير تيغراي مدعومة بتحالفاتها مع الجماعات المتمردة إلى صعوبة تحقيق هذا السيناريو.
السيناريو الثاني: تمكن جبهة التيغراي من استعادة أمجادها القديمة واستعادة السلطة مرة أخرى بعد تمكنهم من إسقاط النظام، وتشير المكتسبات على الأرض كما ذكرنا سابقاً إلى ميل الكفة في مصلحة إقليم تيغراي، ويعد هذا السيناريو من أقوى السيناريوهات المقترحة بسبب ما حققته الجبهة على أرض الواقع واقترابهم من العاصمة، بالإضافة إلى تغلغلهم في مفاصل الدولة بسبب حكمهم لمدة ربع قرن في ما سبق، الأمر الذي يجعلهم قادرين على إسقاط النظام وإدارة شؤون البلاد كما فعلوا من قبل.
السيناريو الثالث: تحول الصراع إلى صراع عابر الحدود واتساع دائرته، فقد ذكرنا سابقاً وجود صراع ما بين العفر والصوماليين وبين الاوروموا والامهرا بالإضافة إلى النزاعات الحدودية مع السودان في إقليم الفشقة، كما قد يتجدد الصراع مع الخصم القديم لإثيوبيا وهي إريتريا التي قد تستغل تأزم الأمور خصوصاً لو سقطت الحكومة وعمت الفوضى في إثيوبيا فتتحول إلى ساحة صراع مفتوح وقد تنتشر عدوى الصراع إلى الدول المجاورة والقريبة نظراً للتداخل السكاني الكبير.
إجمالاً، تخبط نظام آبي أحمد والمكتسبات التي حققتها جبهة التيغراي على الأرض في ضوء إرهاصات سيطرتها القريبة على أديس أبابا تضع آبي أحمد أمام خيارات قليلة، ما قد يدفعه إلى الاستعانة بأصدقاء دوليين لمساعدته في الحرب الدائرة كتركيا التي سبق أن طلب منها نظام آبي أحمد صفقة طيارات مسيرة أو قد تقوم تركيا بإرسال مليشيات إلى نظام آبي أحمد لمساعدته على تحقيق توازن العسكري على الأرض، لكن الوضع وتعقيد الصراع واتساع أطرافه يشير إلى غير ذلك.