حصاد الحريات في ليبيا.. 2022 عام الانتهاكات والتخريب وغياب المساءلة

حصاد الحريات في ليبيا.. 2022 عام الانتهاكات والتخريب وغياب المساءلة

مرت ليبيا بعام شهدت فيه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب في مختلف أنحاء البلاد، في ظل الانقسام السياسي خلال عام 2022 وهو ما تسبب في إعاقة الشعب الليبي من الانتقال إلى السلام والديمقراطية وسيادة القانون، حسب ما جاء في الاستنتاجات الأخيرة لمجموعة من خبراء حقوق الإنسان.

فعلى الرغم من توقف النزاع المسلح، ما زالت انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا إشكالية مستمرة، بل ظهرت أنماط انتهاكات جديدة واسعة النطاق في جميع أنحاء ليبيا منذ بداية عام 2022، في ظل غياب أي آليات للمساءلة.

في هذا السياق، قال رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، محمد أوجار، في تقرير حقوقي لهذا العام، إن بعض الانتهاكات كانت مباشرة على المدنيين، منها الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتعذيب وانتهاكات للحريات الأساسية، واضطهاد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني والأقليات والنازحين داخليا وارتكاب انتهاكات بحقهم، وأيضًا انتهاكات لحقوق المرأة والطفل. 

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، رصدا لعدد من جرائم القتل التي حدثت في ليبيا منذ مطلع عام 2022 حتى مايو من العام نفسه، ووصل عددها إلى 170 ضحية.

13156578979797987897894655656.jpg

ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، ترتكب الجماعات المسلحة في ليبيا انتهاكات جسيمة للقانون الدولي منها القتل خارج إطار القضاء والتعذيب والاعتراض في البحر والاحتجاز التعسفي للمدنيين الليبيين والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

علاوة على ذلك، فإن الضبابية التي تزيل الخط الفاصل بين القوات المسلحة الحكومية وغير الحكومية، والبيئة الأمنية غير المستقرة، تعيق بشدة وصول ضحايا هذه الانتهاكات إلى العدالة وتشكل عائقًا خطيرًا أمام مسار العدالة الانتقالية.

في السطور التالية ترصد "جسور بوست" واقع انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا خلال عام 2022.

العنف ضد المرأة

في ظل انشغال الساسة بالصراع على السلطة، كان لانتشار السلاح وتردي الأوضاع عامة أثر بالغ في انتشار الجرائم، خاصة تلك التي تقع بحق النساء دون أن يجدن الملجأ للخلاص من الموت الذي يلاحقهن في وضح النهار على يد الأزواج أو الأشقاء والأقارب من الدرجة الأولى.

بحسب ما نقلته صفحة "نسويات ليبيا"، وهي صفحة توثق عمليات العنف ضد النساء في ليبيا، فإن العشرات من النساء قتلن على يد الأزواج أو الأشقاء أو الآباء، وفي معظم الحالات يفلت الجاني من العقاب بحماية العرف والقبيلة أو عدم تطبيق القانون، خاصة أن أغلب حالات القتل يروج لها على أنها جرائم مرتبطة بالشرف.

ورغم تعدد حالات القتل، تغيب الإحصاءات الرسمية حول عدد الضحايا في ليبيا، لكن الأسماء التي رصدتها بعض الناشطات بلغت نحو 74 ضحية في مختلف أنحاء ليبيا جميعهن قتلن نتيجة العنف الأسري، خاصة في ظل انقسام المؤسسات الليبية، وعدم وجود المناخ الملائم لعمل المنظمات الحقوقية.

وسجلت ليبيا نحو 7 جرائم قتل أسري في 15 يوما فقط خلال شهر يوليو الماضي، بمعدل جريمة كل يومين.

كان منهن، هدية عبدالمالك، والطفلة براءة، ومصورة أحمد، وأخريات قتلن خلال العام على يد أقارب من الدرجة الأولى، وفي جميع الحالات تبرر الجرائم من أجل هروب الجاني من جريمته.

1321231156598797989789.jpg

اقتصاد مُنهك

تسبب النزاع المسلح في إنهاك الاقتصاد الليبي، حيث بلغت تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 نحو نصف قيمته لعام 2010 قبل بدء النزاع.

 وقال وزير الدولة للشؤون الاقتصادية في ليبيا، سلامة الغويل، في تصريحات تلفزيونية، إن بلاده تحتاج لنحو 500 مليار دينار ليبي (102.5 مليار دولار) في 10 سنوات مقبلة لكي تتمكن من إعادة إعمار البلاد. 

وأشار الغويل إلى أن بلاده لم تستفد من الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط في الفترة الماضية، بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها ليبيا، والتي تسببت في وقف إنتاج النفط في البلاد أكثر من مرة.

ووفقًا لتقارير، فعلى الرغم من تسجيل انخفاض ملحوظ في حالات الإصابة وعدد الوفيات من كورونا منذ مارس 2022، فإنه لا يزال معدل التطعيم منخفضًا، وبالإضافة إلى ذلك، ازداد الأمن الغذائي سوءا بسبب الأزمة الروسية- الأوكرانية وما نتج عنها من نقص في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع في أسعارها في السوق المحلية. 

ورغم أن ليبيا قد شهدت انتعاشًا كبيرًا في النمو الاقتصادي في عام 2021، فإن القطاع النفطي، الذي يمثل الدعامة الأساسية للاقتصاد، مَرَّ بتقلبات كبيرة خلال عام 2022، حيث تم تسجيل زيادة في إنتاج النفط في عام 2021 (بمتوسط 1.2 مليون برميل يوميًا مقارنة بـ0.4 مليون برميل يوميًا في عام 2020) بعد رفع الحصار على صادرات النفط الذي كان مفروضاً في غالبية 2020.

ومع تأجيل الانتخابات الوطنية التي كانت مقررة في ديسمبر 2021، والتي تزامنت مع زيادة حالة عدم اليقين السياسية والأمنية، تراجع إنتاج النفط خلال الربع الأول من عام 2022 إلى مستوى أقل بنسبة 4.4 في المئة من متوسط عام 2021، كما واصل الإنتاج تراجعه خلال الربع الثاني من هذه السنة.

ترحيل المهاجرين واللاجئين

تخلق عمليات الطرد الجماعي حلقة مفرغة من الانتهاكات وتكرس ثقافة الإفلات من العقاب وانعدام المساءلة. 

ونددت الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تقرير، بشدة ممارسة الطرد القسري والترحيل الجماعي للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من قبل السلطات الليبية عبر الصحراء في الجنوب مما يترك المهاجرين عالقين على الحدود التشادية والسودانية دون طعام أو ماء أو مأوى.

تبدو هذه العمليات في تصاعد حيث تم طرد ما يقرب من 500 مهاجر قسريًا منذ يناير 2022.

ووثقت الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب عمليات للطرد بإجراءات موجزة من مراكز احتجاز شحات والبيضاء وقنفودة في المنطقة الشرقية إلى المنطقة الجنوبية في الكفرة منذ بداية العام، وقد حدثت آخر عملية معلنة للترحيل الجماعي للمهاجرين في أوائل يونيو عندما نُقل أكثر من 200 مهاجر في شاحنات إلى الصحراء على الحدود الليبية بعد تعرضهم لسوء المعاملة والإيذاء أثناء عملية النقل.

وبعد تحمل رحلة مروعة عبر التهريب والاعتقال والتعذيب والعمل القسري تم التخلي عن الضحايا في عرض الصحراء القاحلة. 

وتتمثل الكارثة في ضمان إفلات الفاعلين من العقاب، حيث يتعارض القانون الليبي مع القوانين الدولية المتعلقة بالإعفاءات الإنسانية للضحايا المهاجرين ويجرم الهجرة غير النظامية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم قدرة أي طرف في الطعن في عدم شرعية عمليات الطرد المنهجية هذه، نظرا لحرمان المهاجرين من أي نوع من المساعدة، سواء كانت قانونية أو إجرائية، مما يزيد الوضع سوءا. 

3215654897897979789789897897897.jpg

القتل خارج نطاق القضاء 

تعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء وغير القانونية في ليبيا مثالا مروعا آخر على الإفلات من العقاب.

ووثقت تقارير حقوقية نحو 100 حالة قتل خارج نطاق القضاء في جميع أنحاء ليبيا من يناير إلى يونيو 2022.

ووثقت منظمة "رصد للجرائم الليبية"، مقتل الطيب جاب الله مصطفى الشريري، 27 عاما، بعد إصابته برصاصة في ظهره وساقه في وسط مدينة مصراتة.

يظهر شريط فيديو صادم لكاميرا مراقبة الضحية وهو يطلق النار عليه من قبل مسلحين بعد أن انتقدهم على فيسبوك. 

وأصبحت عمليات القتل خارج نطاق القضاء للمدنيين الليبيين والمهاجرين وغيرهم من الفئات الضعيفة في وضح النهار أو في مراكز الاحتجاز ممارسة شائعة من قبل المسلحين، وغالبًا ما تحدث في سياق إطلاق النار الجماعي أو الاستهداف المقصود لأشخاص بأعينهم.

من ناحية أخرى، وفي شكل مختلف للقتل خارج نطاق القضاء، فرقت قوات الأمن الليبية بعنف اعتصامًا قام به 2000 مهاجر ولاجئ وطالب لجوء، من بينهم نساء وأطفال أمام مكتب المفوضية في طرابلس، واعتقلت واحتجزت 600 منهم.

ووفقًا لمنظمة "رصد للجرائم الليبية"، أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين، مما تسبب في مقتل ستة مهاجرين وإصابة عدد غير معروف من الأشخاص.

وبمجرد إلقاء القبض عليهم واحتجازهم تزداد مخاطر إضافتهم إلى إحصائيات ضحايا عمليات القتل خارج نطاق القضاء.

وفي يناير 2022 تم توثيق خمس حالات إعدام خارج نطاق القضاء في سجن "الماية" غرب العاصمة طرابلس وقد كان ثلاثة منهم من المهاجرين.

نظرًا لتصاعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء في ليبيا قررت كل من الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب التطرق إلى هذه المسألة بالذات المثيرة للقلق من خلال تقرير مفصل سيتم نشره في وقت لاحق من هذا العام. 

32132165645646556465.jpeg

العمل القسري للمهاجرين

يتعرض المهاجرون المحتجزون لظروف غير إنسانية ومهينة والتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، كما يجبرون على العمل القسري.

ويتم استغلال المهاجرين للقيام بعدد من المهام الصعبة تتراوح بين الصيانة والتنظيف إلى بناء بنى تحتية جديدة للسجون مقابل 10 دنانير في اليوم أو حتى مقابل مزايا محددة مثل شراء أرصدة الهاتف أو شراء السجائر. 

المدافعون عن حقوق الإنسان 

قادت السلطات المحلية حملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، ما خلق بيئة معادية يتم فيها استهداف أعضاء منظمات المجتمع المدني على وجه التحديد.

وفقًا لتقرير منظمة رصد الجرائم الليبية والذي جاء تحت عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا 2022"، تم تداول العديد من التهديدات بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي ضد نشطاء حقوق الإنسان مما خلق ضغطًا إضافيًا على منظمات المجتمع المدني المحلية التي تعمل على توثيق الانتهاكات المختلفة والتي تشمل التعذيب، فمن نوفمبر 2021 إلى مارس 2022 تم احتجاز سبعة نشطاء.

ولم يُمنح هؤلاء النشطاء الحق في الحصول على محامٍ أو محاكمة عادلة بسبب غياب آليات التحقيق الفعالة في ليبيا والإطار المؤسسي الهش في ظل الانقسام. 

وسجلت المنظمات الحقوقية واقعة سجن المحامي عدنان عبدالقادر العرفي لرفعه دعوى قضائية ضد نائب محافظ البنك المركزي الموازي بتهمة الفساد، حيث ظل محتجزاً في سجن الكويفية لمدة 13 يوماً. 

مطالب مستحقة

وفي السياق، قالت الناشطة الحقوقية الليبية، حنان السعيطي، إن الوضع الليبي صعب وخطير على جميع الفئات، فقد أصبحت الساحة الليبية مرتعًا لأعمال العنف والتخريب وسط غياب العدالة التي تحسم القضايا وتفض النزاع، مشيرة إلى أن المرأة كان لها نصيب الأسد من الانتهاكات.

6545646545456798798.jpg

وتابعت: "أحد أسباب الجرائم بالدرجة الأولى يتمثل في عدم وجود توعية وثقافة للمجتمع وانتشار المخدرات وسيطرة العادات والعرف بشكل كبير على المجتمعات، وكذلك عدم وجود قوانين صارمة أو تنفيذها".

وأضافت في حديثها لـ"جسور بوست": الجناة عادة يفلتون من العقاب بسبب تدخل العرف، ومؤخرًا نسبت جرائم إلى الشرف أو تعاطى الجاني للمخدرات، أو السحر، كغطاء لتخفيف العقوبة أو الإفلات منها.

وذكرت السعيطي، أن "أبرز جرائم القتل التي وقعت مؤخرا تمثلت في قتل أبٍ بناته الاثنين، فيما كشف بعد ذلك أنه كان يتعاطى المخدرات ولم يكن بوعيه، إضافة لمشكلات أسرية سابقة إذ كان يعنف زوجته التي فرت مع أطفالها، هربا من التعنيف.

نظرًا لكل هذا الكم من الانتهاكات، دعت السعيطي إلى وجوب المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، وتعزيز آليات الرقابة على مراكز الاحتجاز وإجراءات الاعتقال لمنع ممارسة التعذيب وردعها.

وطالبت الناشطة الحقوقية، بضمان استقلالية وشفافية وكفاءة النظام القضائي وضمانات المحاكمة العادلة لجميع المتهمين والمُقدمين إلى المحاكمة.

وأردفت: أطالب أيضًا بضمان حرية التعبير وتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء من القيام بعملهم دون خوف من الاعتقال أو الانتقام.

وأتمت: يجب إجراء التحقيق الفوري والشامل والمستقل في حالات القتل خارج نطاق القضاء المرتكبة خارج السجون ومراكز الاحتجاز وداخلها وتقديم الجناة إلى العدالة، ووضع آليات وإجراءات مناسبة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المهاجرين أثناء عمليات العودة والترحيل، وتحديداً من يعبرون الحدود التشادية والسودانية وفي الصحراء الليبية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية