أصحاب الهمم في تونس بين مطرقة النظرة الاجتماعية وسندان التهميش

أصحاب الهمم في تونس بين مطرقة النظرة الاجتماعية وسندان التهميش

ينص القانون في تونس على أن "الدولة تحمي الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، وأن لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك". 

هذا ما جاء في الفصل 48 من الدستور التونسي في إطار الباب الثاني "الحقوق والحريات"، والذي ينص ميثاقه على حقوق أصحاب الهمم الذي صادق عليه سبعة مرشحين للرئاسة بمن فيهم الرئيس الحالي والذي لم يتم تفعيله لهذه اللحظة. 

تشريعيًا وقانونياً، يتمتع أصحاب الهمم بحالة جيدة، لكن هذا على المستوى النظري فقط إذ نجد خللاً على مستوى التطبيق وتوعية هذه الفئة بحقوقها. 

والانتفاع الذي يهدف لدمج أصحاب الهمم في المجتمع يشمل كل تفاصيل الحياة اليومية، من تعليم، عمل، صحة ونقل، لكن حسب ما قالت الناطقة الرسمية للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص أصحاب الهمم بوراوية عقربي، فإنهم يعانون إلى اليوم من الإقصاء والتهميش على مستوى وسائل النقل مثلاً، التي تفتقر إلى سبل الإرشاد والتوجيه لذوي الإعاقة الحسية والعضوية، والمتمثلة في الصوت الناطق، لوحات الإرشاد، والمصاعد المخصصة. 

كما أن أصحاب الهمم في تونس إلى اليوم ما زال يُنظر لهم كحالة اجتماعية لا إنسانية. 

ووفقًا لتقارير محلية، طالبت المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص أصحاب الهمم برفع نسبة انتدابهم من 1% إلى 2% من العاملين في المؤسسة. 

كذلك وإن كانت أبسط حقوق أصحاب الهمم تكمن في توفير الوسائل التي تسهل حركتهم أو تعوض ضعف أحد حواسهم، لكن واقعيًا، الكراسي المتحركة، وسمّاعات الأذن، وعِصيّ المكفوفين، كل هذه التدابير البدائية التي من المفروض أن تقوم بها الدولة لتسهيل حياة أصحاب الهمم، غير كافية وهشة. 

من بين أهم الإجراءات التي تسهل تحرك أصحاب الهمم، هي حالة الطرقات التي يصعب على المبصر والمترجل اليوم السير عليها، وهذا لعدم احترام المعايير الدولية فيها وحتى الوطنية، إضافة إلى الانتصابات العشوائية للمقاهي والباعة المتجولين ووقوف السيارات عليها. 

من ناحية أخرى، فإن ما توفره صناديق الضمان الاجتماعي من أجهزة يحتاج إليها أصحاب الهمم تكون إما بأسعار مرتفعة أو ذات نوعية سيئة. 

«جسور بوست»، تناقش مشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلباتهم وما يحتاجون إليه.

اجتماعي / برنامج ترفيهي لذوي الاحتياجات الخاصة بالدرب وكالة الأنباء السعودية

صاحبات إعاقة ومهمشات

تعاني النساء في تونس من الإقصاء والتهميش بالرغم من وجود العديد من القوانين والتشريعات التي من المفترض أن تنهض بوضعهن في المجالات كافة.

وبحسب الصحافة المحلية التونسية، تعاني المرأة من أصحاب الهمم، من غياب تطبيق القوانين الخاصة بهن وضعف إشراكهن في مراكز القرار، بل من استمرار اضطهادهن. 

وبحسب إحصائيات تونسية رسمية، هنّاك 300 ألف امرأة حاملة لإعاقة، وتسعى السلطات التونسية إلى تحويل هذه الفئة الهشّة إلى عنصر فاعل وشريك في القرار والتنمية، حيث شدّد الرئيس قيس سعيّد في قانون المالية للعام الحالي 2022، على أهمية تمويل مشاريع صغرى لفائدة الفئات الهشة وأصحاب الهمم وخلق فرص عمل تضمن كرامتهم، والسعي إلى دمج هذه الفئة في مختلف مبادرات المشاريع الوطنية. 

وتعتبر ذوات الهمم أن القوانين المتعلقة بشأنهن منقوصة ولا ترتقي إلى تطلعاتهن وآمالهن بتمتيعهن بحقوقهن وتمكينهن اقتصادياً من فرص العمل على غرار مختلف الفئات الأخرى في المجتمع، وظللن ينتقدن الخلل القائم على مستوى التطبيق الفعلي للقوانين المتعلقة بدمجهن في الحياة اليومية والاجتماعية من تعليم وصحة ونقل بعيداً عن حالات الإقصاء التي طالما عانين منها.

جريدة البلاد | اتحاد ذوي الإعاقة يستعد للمشاركة في ملتقى تونس الدولي

جهل يضر 

المثير للقلق أن أغلبية النساء من هذه الفئة ينقصهن الوعي بحقوقهن للمطالبة بها، ومن بين أبرز مطالب هذه الفئة توفير ممر خاص للسير وسماعات الأذن أو منبهات وعصي للمكفوفين وكراسي متحركة، فضلاً عن المطالب المتكررة بتثبيت إدماجها في الوظيفة العمومية بنسبة 2% على الأقل وتمكينها من العلاج المجاني في مختلف المستشفيات والمراكز الصحّية وانخراطها في الصناديق الاجتماعية، وفقًا لبعض التقارير. 

عزل وإقصاء

تحاول تونس منذ عقود خلق فرص للتمكين الاقتصادي والاجتماعي لأصحاب الهمم الخصوصية، إلّا أن المساعي المبذولة لم تكن كافية للنهوض بواقعهم الصعب، خاصة في ما يجدونه من عزلة وإقصاء مجتمعي يحتاج الأمر للتغلب عليه إلى مجهود كبير.     

من جهتها قالت ريهام السعيدي، (كفيفة وطالبة بكلية الصحة بتونس، شعبة علاج طبيعي): اخترت المجال الذي يتناسب مع وضعي الصحي، فإن أصدق نظر هو نظر القلب وإلا ماذا يعني في المقابل أن تنظر بعين والقلب أعمى، ذاك مبدأ أسير في حياتي، وقد نجحت في تجاوز نظرة الشفقة التي تنعكس في فعل كل من يراني. 

وعن أبرز المشكلات التي تعترضها، تقول ريهام في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": ما يقلقني هو التهميش وما يقوله البعض لإيذائي وإيذاء أي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو تلك الأسئلة على غرار: هل أنتِ قادرة على القيام بأشيائك الخاصة بمفردك، هل تتسوقين لاقتناء ما ترغبين فيه دون مرافق، كيف تقومين باختيار ملابسك وارتدائها بمفردك، أسئلة كثيرة مزعجة يؤلمني سماعها، لكن كل ذلك مر وبقيت ثقتي في نفسي تقوى إلى درجة أني واجهت بعزم كل التحديات والأقاويل في إصرار على مواصلة شق طريقي نحو النجاح وتجاوزت إلى حد بعيد كل ما يحكى أمامي.

وعن الدعم الذي لقيته من عائلتها قالت: إن أهلي كان لهم الفضل الكبير في دعمي وتشجيعي، ساندوني كثيرًا، وأفضل ما قدموه لي هو رؤية ما أنا عليه من قوة.

وصم وتمييز وقوانين شكلية 

بدورها، تصف نائبة رئيس جمعية "إبصار لثقافة وترفيه ذوي الإعاقة البصرية"، بسمة السوسي، وضعيةَ أصحاب الهمم في تونس بالصعبة، موضحة أنهم يعانون تمييزا مضاعفا، ما يجعل هذه الفئة عنصراً مغيباً عن برامج الرعاية والدعم والعمل، وحتى القوانين ظل وجودها شكلياً، كما أن هذه القوانين لا تذكر بدقة خصوصيات أصحاب الإعاقة، وبالتالي لا تضع الآليات الضرورية لحماية حقوقهم. 

وفي تصريحات إعلامية، وضحت بسمة السوسي أنها تُفضل استخدام عبارة "ذوي الإعاقة" بعيداً عن كل الاجتهادات في علاقة بالإرادة والهمم، لأن هذا التعريف هو الذي يحدده المشرّع التونسي، مذكرة بما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص أصحاب الهمم حيث يتعلق جزء منها بحقوق النساء والمساواة بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بالإعاقة، لكن يبدو أن وجود القوانين شيء والأخذ بها شيء آخر، على حد قولها.     

وأوضحت أن هذه الفئة لا تفقه حقوقها ولا تبحث عنها، متسائلة: “هل وفّرنا التعليم لفئة الأشخاص من أصحاب الهمم وبالذات للفتيات اللائي كثيراً ما يقع إقصاؤهن في المراحل التعليمية بسبب الموروث والعادات والتقاليد، ما قيمة القوانين إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق، ثم كيف يمكنني اللجوء إلى القضاء وأنا صاحب أو صاحبة إعاقة بصرية والمحيط مليء بالعوائق والحواجز”.

وطالبت بسمة السوسي بأهمية توعية ذوات الهمم بحقوقهن وواجباتهن، لافتة إلى أن ذلك ليس من مهام السلطة والدولة أو المشرّع فقط بل هو مسؤولية جماعية بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني إذ يجب أن تتوحّد الجهود من أجل مساندة هذه الفئة.

محمد المنصوري رئيس جمعية إبصار: نطالب الدولة بحماية حقوق ذوي الإعاقة  البصرية في تونس – الجريدة المدنية

التهميش السياسي لأصحاب الهمم

يواجه أصحاب الهمم في تونس، صعوبات كبرى في المشاركة السياسية، سواء في الترشح للانتخابات أو في ممارسة حقهم الانتخابي. 

وبينما تسعى هذه الفئة المهمشة إلى تعزيز مشاركتها السياسية من خلال الترشح في الانتخابات والمشاركة بالانتخاب، أو بالملاحظة، ومراقبة سير الانتخابات، تواجهها صعوبات في الولوج إلى مراكز الاقتراع في غياب الممرات الخاصة بها، وعدم توفر القانون الانتخابي بطريقة "البرايل" للمكفوفين، أو صور توضح سير عملية الانتخاب بالنسبة إلى الصم. 

ووفقًا لتقارير رسمية، تعمل منظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال، على تذليل الصعوبات وضمان دور فاعل لأصحاب الهمم في العملية الانتخابية، من خلال الترشح أو تأهيلهم ليكونوا ملاحِظين، أو مراقبين في مكاتب الاقتراع. 

وسجلت الانتخابات البلدية التي جرت في مايو 2019، مشاركة كبيرة لأصحاب الهمم في القائمات المترشحة، حيث ترشحت 1713 قائمة تضم أصحاب الهمم، من جملة 2074 قائمة مترشحة، مع تسجيل 17 منهم رؤساء قوائم، فيما الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون خالية من أصحاب الهمم سواء بالمشاركة أو الترشح نظراً لعديد الصعوبات التي تحول دون مشاركة هذه الفئة في الانتخابات. 

وقبل أقل من شهرين من الانتخابات المقررة في 17 ديسمبر 2022، لن يتمكن أصحاب الهمم من الولوج بشكل سلس إلى مراكز الاقتراع، ولم ينصفهم المرسوم عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي، حيث لم يهتم بتمثيل هذه الفئة من المجتمع التونسي في مجلس النواب المقبل، ولم يتضمن القانون إجراءات تيسيرية تضمن مشاركة سهلة ومستقلة للأشخاص أصحاب الهمم في العملية الانتخابية. 

وبدورها، قامت “المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق أصحاب الهمم”، بتحركات عدة من أجل مناصرة حقوقهم في المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وطالبت رئيس الجمهورية قيس سعيد، بتمكين هؤلاء الأشخاص من حقهم في المشاركة الفعلية والناجعة في الحياة السياسية والعامة. 

ولأن أصحاب الهمم فئة من الشعب التونسي، فيحق لهم التصويت في ظروف مناسبة، ودعا "رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة" حسام العلوي، هيئة الانتخابات إلى "ضرورة وضع الآليات الضرورية التي تضمن مشاركة واسعة وفعالة لأصحاب الهمم في الانتخابات المقبلة، ومنها تهيئة الممرات الخاصة بهم ووضع اللافتات التي تفسر سير العملية الانتخابية بلغة الإشارة".   

مساندات ضرورية

أعدت جمعية "إبصار" التي تُعنى بالمكفوفين مجموعة من الكتب بطريقة "برايل" حول الدستور الجديد للجمهورية التونسية، وقانون الانتخابات، ووضعتها على ذمة الإدارة المركزية لهيئة الانتخابات والهيئات الفرعية التابعة لها في مختلف ولايات الجمهورية، لتتولى نشرها وتوزيعها، في محاولة منها لإدماج الكفيف في الحياة السياسية ودفعه إلى المشاركة السياسية. 

وأكد رئيس جمعية "إبصار" محمد المنصوري -في تصريحات إعلامية- أن "القوانين يتم إنتاجها بشكل لا يسمح لأصحاب الهمم بالاطلاع عليها أو فهمها"، معتبراً أن "أصحاب الهمم في قطيعة تامة مع كل ما يحدث في الشأن السياسي في تونس". 

مجلة إنجاز : التنمر وأثاره السلبيه علي الطفل العادى وذوى الاحتياجات الخاصه

ويعتقد المنصوري أن "القوانين في تونس لا تنصف أصحاب الهمم، مذكراً بأن شرط تحصيل 400 تزكية هو شرط تعجيزي بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص الذين يصعب عليهم تجميع هذا العدد". 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية