خلال 100 يوم.. أجساد النساء وهويات المتحولين في مرمى نيران الرئيس الأمريكي

خلال 100 يوم.. أجساد النساء وهويات المتحولين في مرمى نيران الرئيس الأمريكي

في الأيام المئة الأولى من رئاسته للولايات المتحدة، أطلق الرئيس دونالد ترامب سياسة داخلية أثارت قلقًا شديدًا في الأوساط الحقوقية على الصعيدين المحلي والدولي، فقد تحولت خطبه الانتخابية الحادة إلى قرارات تنفيذية مؤثرة في حقوق الأفراد، لا سيما حقوق النساء ومجتمع الميم، ما أشعل نقاشات واسعة حول تهديد مكتسبات حقوقية طالما تم الدفاع عنها لعقود.

وأصدر ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي استهدفت مباشرة حقوق النساء في الإجهاض، ففي فبراير الماضي، أعاد تفعيل سياسة "مدينة المكسيك"، التي تمنع تقديم أي تمويل أمريكي للمنظمات الدولية التي تقدم خدمات أو معلومات تتعلق بالإجهاض، ما تسبب في حرمان ملايين النساء في الدول النامية من الرعاية الصحية الآمنة. 

وبحسب تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في مارس الماضي، ارتفعت معدلات الوفيات المرتبطة بالإجهاض غير الآمن بنسبة 14% في الدول التي كانت تعتمد على الدعم الأمريكي.

وعلى الصعيد الداخلي، تبنت ولايات محافظّة قوانين أكثر تشددًا ضد الإجهاض، حيث أُصدر في ولاية تكساس قانون يحظر الإجهاض بعد الأسبوع السادس من الحمل، بما في ذلك في حالات الاغتصاب وسفاح القربى، ووصف تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذا التشريع بأنه "نكسة كبيرة" لحقوق النساء في الولايات المتحدة.

وشهدت برامج الحماية من العنف ضد النساء تراجعًا حادًا، حيث قامت الإدارة بتعطيل تجديد "قانون مكافحة العنف ضد المرأة" الذي أُقر في عام 1994، ما أدى إلى تقليص التمويل الفيدرالي للعديد من ملاجئ النساء في بعض الولايات الريفية، ما دفع بعض هذه الملاجئ إلى الإغلاق.

وبالنسبة لمجتمع الميم، جاء قرار ترامب في مارس الماضي بإلغاء التوجيهات التي تضمن للطلاب المتحولين جنسيًا الحق في استخدام الحمامات المتوافقة مع هويتهم الجندرية، وأعاد السماح للولايات والمدارس بتحديد سياسات استخدامها. 

وأشارت تقارير من الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) إلى أن 28 ولاية أمريكية سنّت أو بصدد سن قوانين تمنع الطلاب المتحولين من استخدام الحمامات أو المشاركة في الأنشطة الرياضية بما يتماشى مع هويتهم الجندرية.

احتجاجات ودعاوى قضائية

تسببت هذه السياسات في احتجاجات واسعة داخل الولايات المتحدة، حيث نظمت "مسيرة النساء" في أبريل الجاري احتجاجًا في واشنطن ضم أكثر من مليون شخص، في حين رفعت منظمات حقوق الإنسان 45 دعوى قضائية ضد قرارات إدارة ترامب.

وعلى الصعيد الدولي، عبرت العديد من الحكومات الأوروبية والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة عن قلقها من تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك اتفاقيات دولية مثل اتفاقية "سيداو" والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويعكس هذا التحول في السياسات الأمريكية تغييرًا في الخطاب السياسي الأمريكي، الذي أصبح أكثر شعبوية ويميل إلى تعزيز القيم المحافظة في مواجهة التغيرات الديموغرافية والعرقية داخل المجتمع الأمريكي، مما يثير مخاوف من تصعيد القلق حول هوية البلاد المستقبلية.

تقويض الحقوق الفردية

قالت الحقوقية أسماء رمزي، مسؤولة الرصد والتوثيق في مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية بمصر، إن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعكس تخوفًا عميقًا من التحولات الديموغرافية المتوقعة داخل الولايات المتحدة، وهو تخوف لا يقتصر على ترامب وحده، بل يمتد ليشمل قطاعات واسعة من المحافظين الأمريكيين. 

وأوضحت رمزي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هذا التخوف يتمحور حول فكرة "تغيير الهوية الديموغرافية"، إذ يخشى هؤلاء من أن يتحول المهاجرون القادمون من أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا إلى الأغلبية السكانية، على حساب "الأمريكيين الأصليين البيض" من أصول أوروبية.

وذهبت رمزي إلى أن بعض السياسات التي انتهجتها الإدارة، مثل تقييد الحق في الإجهاض وتقديم حوافز للنساء البيض الأمريكيات لزيادة معدلات الإنجاب، ليست قرارات معزولة عن هذا القلق، بل تأتي في سياق محاولة الحفاظ على التركيبة السكانية البيضاء والمحافظة، وهذا التوجه مرتبط بمفهوم يعرفه بعض الباحثين بـ"القلق الديموغرافي"، الذي يعبر عن الخوف من أن تؤدي التغيرات العرقية والدينية إلى تبدل في القيم الثقافية والاجتماعية السائدة.

وأضافت أن سياسات تقييد الإجهاض ومكافأة الإنجاب ليست مدفوعة فقط بدوافع دينية أو أخلاقية كما يحاول البعض تصويرها، بل تحمل أبعادًا استراتيجية تهدف إلى السيطرة الاجتماعية والسياسية في المستقبل. إذ يُنظر إلى التحكم بمعدلات الإنجاب والهويات السكانية بوصفه وسيلة لضمان بقاء الهيمنة الثقافية والسياسية لفئات بعينها داخل المجتمع الأمريكي.

وأوضحت رمزي أن بداية حكم ترامب شهدت خطوات واضحة لتقويض الحق في الإجهاض، حيث أعاد تفعيل "سياسة المكسيك"، التي تحظر تقديم التمويل الفيدرالي للمنظمات الدولية التي توفر خدمات الإجهاض أو تروج لها، ما انعكس سلبًا على الصحة الإنجابية للنساء في دول عدة. 

داخليًا، دعم ترامب تعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا، وهو ما مهد لاحقًا لإصدار أحكام مقيدة للحق في الإجهاض، أبرزها قرار المحكمة بإلغاء سابقة "رو ضد ويد"، التي كانت تحمي هذا الحق منذ عقود. 

وتابعت: أما في ما يخص حماية النساء من العنف، فقد تباطأت الإدارة في تجديد "قانون العنف ضد المرأة"، لا سيما بعد محاولات تعديله لتوسيع نطاق الحماية ليشمل المثليين والمهاجرين، مما أدى إلى تراجع شبكة الأمان القانونية المتاحة للضحايا.

وعن سياسات الإدارة تجاه المتحولين جنسياً، قالت رمزي، إن إدارة ترامب ألغت توجيهات سابقة كانت تضمن للطلاب المتحولين استخدام الحمامات وغرف الملابس بما يتناسب مع هويتهم الجندرية، مما اعتبر انتهاكًا صارخًا لمبادئ المساواة المنصوص عليها في Title IX، الذي يحظر التمييز على أساس الجنس في المؤسسات التعليمية الممولة اتحاديًا، معتبرة أن حقوق المتحولين جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية، وأن حرمانهم من هذه الحقوق يُعد ضربًا لمبدأ تكافؤ الفرص.

وفي ما يتعلق بالتوافق مع المواثيق الدولية، أكدت رمزي أن هذه السياسات تمثل خرقًا واضحًا للعديد من الاتفاقيات، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إذ إن تقييد الحق في الإجهاض، وتجاهل حماية الفئات الأكثر هشاشة، ينتهك المبادئ الدولية الراسخة في عدم التمييز وحق الإنسان في الصحة والحياة الكريمة.

وفي مواجهة هذه السياسات، بينت رمزي أن منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة والعالم قد تحركت بقوة، حيث قادت منظمات مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) وبلاند بيرنتهود حملات قانونية وشعبية لإبطال قيود الإجهاض، فيما رفعت منظمات حقوق المتحولين مثل Lambda Legal دعاوى لوقف السياسات التمييزية في التعليم والجيش.

واختتمت رمزي تصريحها بالتأكيد أن صراع الحقوق والحريات في أمريكا لم يعد مجرد معركة قانونية أو سياسية، بل أصبح معركة وجودية تحدد ملامح المجتمع الأمريكي للأجيال القادمة، داعيةً المجتمع الدولي إلى متابعة هذا التحول بقلق ويقظة.

100 يوم تهدد حقوق الإنسان

من جانبها، قالت الدكتورة نجوان مهدي، أمين الإعلام بحزب الشعب الجمهوري في مصر، إن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب هجمة شرسة وغير مسبوقة على منظومة حقوق الإنسان ونظام العدالة، فبعد مرور مئة يوم على ولايته الثانية التي بدأت في 20 يناير الماضي، وثقت منظمات حقوقية محلية ودولية تراجعاً مروعاً في مستوى الحريات الأساسية، تميز بتغول المؤسسات الحكومية على مكتسبات طالما شكلت ركائز أساسية للمجتمع الأمريكي.

وأضافت مهدي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"اتحاد الحريات المدنية الأمريكي" تؤكد وقوع ما لا يقل عن مئة انتهاك خطير لحقوق الإنسان في هذه الفترة القصيرة. وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات طالت حرية التعبير، وحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، والحماية البيئية والصحية والاجتماعية، وحقوق التعليم، وصولاً إلى تدخلات تمس سيادة القانون ذاته.

وتابعت: رصدت التقارير استهدافاً متعمداً لشرائح بعينها، منها العمال والمهاجرون وأفراد مجتمع الميم، في انتهاك صارخ للتعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي والقوانين الفيدرالية الراعية للحريات.. إذ وقع ترامب، في أيامه الأولى، قرابة أربعين أمراً تنفيذياً، ركز كثير منها على تقييد الهجرة، وتجميد التمويلات الفيدرالية للعديد من المؤسسات التعليمية والصحية والبحثية، في خطوة عدّتها المنظمات الحقوقية تهديداً صريحاً لحق المواطنين في الاستفادة من الخدمات الأساسية.

وقالت إن انتهاكات ترامب لم تتوقف عند الداخل الأمريكي فقط، بل امتدت تداعياتها إلى الساحة الدولية، عبر فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وتهديد المدافعين عن حقوق الإنسان عالمياً، كما واجهت سياساته معارضة واسعة من منظمة العفو الدولية التي وثقت محاولات لتقويض حقوق المرأة في الصحة الإنجابية، والتضييق على مجتمع الميم، فضلاً عن ممارسات عنصرية بحق طالبي اللجوء عند الحدود المكسيكية.

وفي قراءة أعمق للمشهد، أكدت الدكتورة نجوان، أن هذه السياسات لم تكن مجرد تجاوزات عابرة بل تعبر عن تحول جذري في توجهات السلطة نحو تحجيم الحريات وتوسيع صلاحياتها التنفيذية على حساب الضمانات الدستورية.. وقد وصل الأمر إلى تهديد البنى الاقتصادية والاجتماعية، إذ تشير تقارير اقتصادية إلى أن السياسات الحمائية والممارسات الاستبدادية بدأت تدفع الشركات إلى تقليص أنشطتها وتسريح عمالها، مما يهدد بدورة كساد جديدة.

واختتمت تصريحاتها قائلة، إن أول مئة يوم من حكم ترامب الثاني مثلت جرس إنذار للعالم أجمع، إذ أظهرت أن حتى أعمدة الديمقراطية العريقة يمكن أن تتعرض لهزات عنيفة تحت وطأة سياسات لا تحترم الحريات ولا تلتزم بالقوانين الدولية، ما يفرض على المجتمع الدولي مواصلة الضغط من أجل حماية المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية