الجميع يعاني.. موائد الرحمن في الدول العربية تئن من الغلاء والتضخم
تأثرت بتبعات وباء كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية
لم يكد فقراء المسلمين في بقاع الأرض يتنفسون الصعداء بعد انتهاء جائحة كورونا، حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتصيب مواردهم المالية في مقتل.
ومنذ مطلع 2020 حرم فيروس كورونا العالم من التجمعات سواء في المساجد الكبرى أو على موائد الرحمن التي ينتظرونها من العام إلى العام.
وموائد الرحمن، اسم دارج لموائد إفطار المسلمين، التي تقام طوال شهر رمضان الكريم أو في يوم عرفة، وعادة ما تستهدف إطعام الفقراء والمحتاجين أو المضطرين إليها.
وفي اللحظة التي حل فيها شهر رمضان المبارك ليعم العالم الإسلامي، وجدت عائلات كثيرة نفسها عاجزة عن توفير تكلفة موائد الإفطار الغنية بأطباقها، بعدما فاقمت تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أزمة نقص الغذاء الموجودة أساساً في عدة دول بالمنطقة العربية.
وأدت تلك العملية العسكرية إلى ارتفاع كبير في أسعار المنتجات والسلع الرئيسية، ما أثر سلبا على القدرة الشرائية لمعظم الأسر في الوطن العربي.
وأفادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) بارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية في عام 2022 مقارنة بالسنوات الماضية ليصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة.
ارتفاع جنوني للأسعار بمصر
بدوره، قال محمد البطاح، رجل أعمال مصري يقوم بإعداد مائدة للفقراء في رمضان بمنطقة وسط القاهرة، إن "الوضع هذا العام أصبح من الصعوبة بما يجعل إقامة مائدة الرحمن كما في السنوات السابقة ضرباً من ضروب المغامرة الكبيرة".
وأوضح البطاح في تصريح لـ"جسور بوست"، أن أسعار السلع زادت على العام الماضي ثلاثة أضعاف، فكيلو اللحم زاد من 120 جنيهاً ليقترب من الـ300 جنيه إن لم يكن قد تخطاها، والأرز زاد من 10 جنيهات إلى أكثر من 20 جنيهاً، حتى الخبز زاد في السعر وانخفض في الوزن".
وأضاف: "في سنوات كورونا عندما أصدرت الدولة قراراً بمنع إقامة موائد الرحمن كنا نرسل الوجبات مغلفة إلى المنازل وكانت الأمور مستقرة، وبعد أن عادت العام الماضي كان الأمر جيداً والأسعار معقولة وكنا في المائدة التي نعدها نقدم وجبات لما يزيد على ألف شخص".
وتابع: "أما هذا العام فالتكلفة مع هذا العدد زادت لأكثر من ثلاثة أضعاف، وهو ما يعني أن العدد سوف يقل عما سبق، ما يؤثر بالطبع في تقديم الخدمة للكثير من المحتاجين، لكن نأمل أن الأمور تسير إلى الأفضل حتى نستطيع أن نقدم خدمة مائدة الرحمن بما يرضى فئة عريضة من الناس خاصة في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار، وهو ما يعني زيادة عدد المحتاجين لإقامة المائدة".
وبشأن تأثر موائد الرحمن بالأزمة الروسية الأوكرانية، قال: "بالطبع التأثير كان قوياً خاصة في المنتجات التي تعتمد على القمح الذي نستورد أغلبه من هذين البلدين، مثل الخبز والمكرونة والتي زاد سعرها لأكثر من الضعف".
واستطرد: "بعد أن كنا نشتري كيلو المكرونة ما بين 7 و8 جنيهات في الجملة وصل إلى 20 جنيهاً، كما أثر سعر استيراد الأعلاف على سعر الدواجن في مصر، والتي وصل سعر الكيلو منها لأكثر من 80 جنياً بعدما كان يتراوح بين 30 و35 جنيهاً، وكل هذا سوف يؤثر بالطبع في إقامة العديد من موائد الرحمن التي اعتاد الناس على وجودها".
إفساد للبهجة في تونس
قالت خولة الورباني من تونس: "أصبح غلاء الأسعار يؤثر على الناس وأفسد أجواء رمضان، ولا نعرف كيف سيعدّ الصائمون مائدة رمضان؟".
وأوضحت: "الطحين (الدقيق) والخبز ارتفع ثمنهما، وتكلفة زيت الطهي والسكر والحلويات مرتفعة، فالأسعار زادت بشكل مبالغ فيه ما جعل التونسيين يشعرون بحالة من الإحباط".
وأضافت: "توفّر روسيا وأوكرانيا نحو 30 بالمئة من صادرات القمح عالمياً، وبعد الحرب ارتفعت أسعار الحبوب وزيوت دوار الشمس والذرة، وأوكرانيا هي المصدّرة الأولى للأول والرابعة للثاني عالمياً".
وارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل حاد، وبلغت مستويات لم تعهدها منذ أعوام، نظراً لدور روسيا في مجال الطاقة، وهذا كله أثر بشكل كبير على الأسر التونسية، لكنه كان تأثيره أكبر على الفقراء.
وتابعت: "كثير من الذين كانوا يقيمون الموائد في رمضان لإطعام الفقراء قررا هذا العام إلغاء الأمر أو إقامته في أضيق الحدود، وهو ما سيؤثر بالطبع على عدد كبير من الذين لا يستطيعون إيجاد قوت يومهم وأغلبهم كان ينتظر الشهر الكريم لتناول وجبات محترمة".
ومضت قائلة: "بدأت الجمعيات الخيرية مبكراً وقبل دخول شهر رمضان في جمع التبرّعات للعائلات الفقيرة، عبر نشر متطوعين أمام المحال التجارية مع قوائم بالمواد الغذائية الأساسية المطلوبة".
وأضافت أن "وتيرة جمع التبرعات مختلفة هذا العام، على وقع تدهور الوضع الاقتصادي وانخفاض القدرة الشرائية وتسجيل نقص في العديد من المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والدقيق خلال الأسابيع الأخيرة".
مذاق الصراع في سوريا
وفي سوريا لا تختلف الأوضاع عن غيرها من الدول العربية، إن لم يكن أسوأ، في ظل دخول النزاع على السلطة عامه الثاني عشر.
وأكدت تقارير الأمم المتحدة، أن 60 بالمئة من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي، وزاد الأمر سوءاً على وقع الحرب في أوكرانيا، حيث باتت بعض المواد التموينية شبه مفقودة لا سيما زيت الطهي الذي تضاعف ثمنه.
وتعمل الحكومة السورية التي تعتمد على حليفتها روسيا في توفير القمح، على تقنين توزيع سلع محددة خصوصاً الطحين والسكر وسط خشية من عدم وجودهما.
بدوره، قال ناصر الدجاني من دمشق: "العام الماضي كنا نظن أنه الأكثر صعوبة والأفقر لنا في موائد الرحمن التي قل عددها كثيراً، لكن الأمر هذه السنة سوف تكون أسوأ من سابقاتها".
وأضاف: "لم يعد في مقدور الأسرة المتوسطة توفير أكثر من وجبة واحدة في اليوم، فما بالنا بالأسر الفقيرة التي لا تستطيع أن توفر تلك الوجبة والتي كان اعتمادها على موائد الرحمن".
لا رفاهية في لبنان
وفي لبنان، قلبت الأزمة الاقتصادية التي تغرق بها البلاد الوضع رأساً على عقب، خاصة بعدما بات 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.
وكانت المنظمات الخيرية تكثف مساعداتها للمحتاجين خلال شهر رمضان، لكن تأزم الأوضاع ساهم في أن يكون العثور على الدقيق في المحال التجارية صعباً ونادرا.
وتسجل أسعار الخضار ارتفاعاً غير مسبوق بات معه إعداد أطباق السلاطة ترفاً لا يقوى على توفيره الكثيرون.
ويرى أمين بو خوجة (مواطن لبناني)، أن "التضخّم المفرط وارتفاع أسعار المواد الغذائية سيجعلان شهر رمضان الذي تنتظره عائلات كثيرة بمثابة تحدٍ كبير".
وأضاف خوجة: "سيكافح الكثيرون من أجل إحضار وجبات الإفطار إلى المائدة، خاصة بعد أن ارتفع أسعار الخبز إلى أكثر من 150 بالمئة منذ بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وفقدت العملة المحلية الكثير من قيمتها".
وأصبح شهر رمضان يمر على الملايين في بعض دول المنطقة العربية، وخاصة تلك التي تعاني الحروب، وهم لا يملكون سوى القليل من الطعام أو أي سبب للاحتفال.
ويتسم شهر رمضان بالعديد من العادات والطقوس التي يجتمع العائلات حولها، والتي كان أبرزها إعداد موائد الإفطار، حيث بات الوقت عصيبا على أولئك الذين يكافحون للعثور على الطعام اللازم لوجبة الإفطار.
وتصاعدت المعاناة الإنسانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وقع الصراعات والأزمات المتفاقمة على جبهات متعددة.
وأصبح على شعوب المنطقة التي تتعامل مع تأثيرات جائحة كورونا أن تكافح المصاعب الاقتصادية والارتفاع غير المسبوق في تكلفة المعيشة.
وبات الصراع الروسي الأوكراني شوكة في ظهر العالم، لا سيما في الدول النامية والفقيرة والتي تعاني أزمات أو صراعات أدت إلى انعدام الأمن الغذائي.
وعادة ما ينظم موائدَ الرحمن في شهر رمضان أفرادُ متطوعون أو شخصيات اعتبارية وجمعيات خيرية وأحيانا طوائف دينية، لتقديم الطعام للصائمين من المحتاجين أو العاجزين عن تأمين قوت إفطارهم.
ويقصد بالتكافل الاجتماعي تعاون الأفراد والحرص على تبادل المنفعة والتشارك في الأموال والمعيشة وأساسيات الحياة، ويهدف الإسلام من مبدأ التكافل إلى بناء مجتمعات متعاونة وراقية، يسودها الأمن والسلام.