الأمم المتحدة تحذر من انهيار هايتي وسط سيطرة شبه كاملة للعصابات
الأمم المتحدة تحذر من انهيار هايتي وسط سيطرة شبه كاملة للعصابات
حذّرت الأمم المتحدة، في تقرير أمام مجلس الأمن، من أن الجماعات الإجرامية في هايتي فرضت سيطرة شبه تامة على العاصمة بورت أو برنس، وسط تحذيرات من أن غياب تحرك دولي عاجل قد يؤدي إلى انهيار كامل لسلطة الدولة في البلاد، ويُغرقها في فوضى شاملة.
وأكدت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، اليوم الخميس، أن نحو 90% من العاصمة بات خاضعًا لسيطرة جماعات إجرامية توسع نفوذها بشكل ممنهج، لتشمل الضواحي والمناطق التي كانت تُعد آمنة نسبيًا، وفق صحيفة "الإندبندنت".
وقالت والي، خلال جلسة مجلس الأمن في نيويورك، إن الجماعات المسلحة في هايتي "لا تسيطر فقط على الأراضي بل تبني هياكل حكم موازية وتستغل الفراغ الأمني لتفرض أوامرها مكان الدولة".
وأشارت إلى أن جنوب هايتي، الذي كان يعتبر مستقرًا نسبيا، بات يشهد تصاعدًا كبيرًا في الهجمات والاضطرابات، خصوصًا على طريق بيليدير ومالباس على الحدود الشرقية، حيث سُجلت اعتداءات على عناصر من الشرطة ومسؤولي الجمارك.
انفلات أمني وتدهور اقتصادي
ووصفت والي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في هايتي بأنها على وشك الانهيار التام، موضحة أن العصابات تتحكم اليوم في الطرق التجارية والموانئ والمنافذ الحدودية، ما أدى إلى شلل شبه كلي في حركة البضائع وارتفاع حاد في أسعار المواد الأساسية مثل وقود الطهي والأرز.
وقالت: "مع تآكل مؤسسات الدولة، أصبحت العصابات تقدم بديلاً قسريًا للخدمات العامة، ما يعمّق حالة الانهيار المؤسسي والاجتماعي".
من جانبه، قال ميروسلاف ينكا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، إن الأوضاع في العاصمة وصلت إلى مرحلة حرجة، مع استمرار "الحصار المفروض من العصابات على بورت أو برنس".
وأضاف ينكا: "نحن نقترب بسرعة من سيناريو واقعي يتمثل في انهيار كامل لوجود الدولة في العاصمة، ما سيقود إلى أزمة إنسانية وأمنية شاملة إذا لم يُتحرك بشكل فوري".
فراغ سياسي وأزمة مستمرة
وتأتي هذه التطورات وسط فراغ سياسي كبير تعيشه البلاد منذ اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في يوليو 2021، دون أن يُنتخب رئيس جديد حتى الآن، ما عزز قبضة العصابات التي كانت أصلاً تسيطر على نحو 85% من العاصمة في السنوات الماضية.
وكان مجلس الأمن الدولي قد وافق في أكتوبر 2023 على نشر بعثة أمنية متعددة الجنسيات بقيادة كينيا، بدعم لوجستي من الأمم المتحدة، للمساعدة في استعادة الأمن، لكن البعثة لا تزال تُعاني من نقص حاد في الموارد والتمويل.
وحتى الآن، تم نشر 405 عناصر فقط من أصل 2,500 كانوا مقررين، بحسب مصادر في المنظمة الدولية. كما لم يتم بعد تنفيذ مقترحات الأمين العام أنطونيو غوتيريش المقدمة في فبراير، والتي تشمل توفير طائرات مسيرة، ووسائل نقل برية، ووقود، ومعدات غير فتاكة لدعم المهمة.
وما زالت هذه المقترحات عالقة داخل مجلس الأمن نتيجة خلافات سياسية بين الدول الأعضاء بشأن أولوية التدخل والدعم المالي واللوجستي.
تحذيرات حقوقية من كارثة
وحذرت تقارير أممية ومنظمات غير حكومية من أن استمرار تدهور الأوضاع سيؤدي إلى كارثة إنسانية، خاصة مع فرار مئات الآلاف من السكان من بيوتهم، وتزايد معدلات الجريمة، وتجنيد الأطفال، وارتفاع حالات العنف الجنسي والقتل الجماعي.
وارتفعت الدعوات من داخل الأمم المتحدة وخارجها، مطالبة بضرورة تحرك دولي حازم وسريع لإنقاذ هايتي قبل فوات الأوان.
وتبقى هايتي، أقدم دولة سوداء مستقلة في نصف الكرة الغربي، محاصرة بالأزمات منذ سنوات، من زلازل مدمرة إلى اغتيالات سياسية وانهيار اقتصادي، لتجد نفسها اليوم في مواجهة واقع مرير تفرض فيه العصابات قوانينها بالسلاح وسط صمت دولي يثير القلق والخوف من أن تتحول البلاد إلى دولة فاشلة بشكل تام.