لكسب قوت يومهم.. لاجئون سوريون يجمعون البلاستيك من القمامة في بيروت
لكسب قوت يومهم.. لاجئون سوريون يجمعون البلاستيك من القمامة في بيروت
ينقب ديري فياض في صناديق القمامة بالعاصمة اللبنانية بيروت بحثا عن البلاستيك وغيره من المواد التي يمكن إعادة تدويرها، ورغم الأجر الزهيد مقابل هذا العمل، إلا أن ديري الذي لديه 3 أبناء ليس أمامه خيار آخر لإطعام أسرته.
يقول، بينما يواصل بحثه في النفايات: "أبدأ مبكرا في الساعة 8:30 صباحا، وأعمل على مدى 12 ساعة"، وفق "بي بي سي".
لا يرتدي ديري قفازات أو ملابس واقية، ومع ذلك يدفع بجسده إلى داخل الصندوق، ويفتح أكياس القمامة البلاستيكية ليرى ما الذي يمكن أن يعثر عليه، يكسب ديري حوالي 250 ألف ليرة لبنانية (1.63 دولار) في اليوم.
كان ديري البالغ من العمر 26 عاما من سكان مدينة الرقة السورية، وهو الآن من بين مليون شخص سوري لجؤوا إلى دولة لبنان المجاورة بسبب الحرب الأهلية الضارية التي بدأت في بلادهم قبل 12 عاما.
ولكن لبنان في الوقت ذاته يواجه أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة منذ ما يقرب من 4 سنوات، ويعاني مئات الآلاف من اللبنانيين حاليا من الفقر، ويجد الكثير منهم صعوبة بالغة في تحمل نفقات الطعام والدواء.
في عام 2019، عجزت الحكومة عن سداد ديونها الخارجية وانهارت عملة البلاد، وفي مارس من العام الحالي، بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث أصبح الدولار الواحد يساوي حوالي 110 آلاف ليرة لبنانية، وهو ما يعني أنها فقدت كل قيمتها تقريبا منذ عام 2019.
ورغم أن الجميع هنا في لبنان تأثروا بشكل كبير جراء تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية، فإن اللاجئين السوريين يقبعون في أدنى سلم الفقر.
الكثير من هؤلاء اللاجئين، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 11 عاما، لجؤوا إلى إعادة تدوير النفايات في محاولة لإطعام أنفسهم.
وبينما توجد منظمات غير حكومية تشجع سكان بيروت على إعادة التدوير، فإنه لا يعتبر ممارسة شائعة هنا، وقد أسست مشروعات تجارية لمعالجة المنتجات البلاستيكية وإعادة استخدامها في تصنيع منتجات تجارية وزراعية، على سبيل المثال.
بابتسامة تملأ وجهه يملأ ديري حقيبته البلاستيكية الضخمة بزجاجات المياه الفارغة، رغم الرائحة الكريهة المنبعثة من صندوق القمامة التي تسبب صعوبة في التنفس.
يعمل ديري لساعات طويلة، ويقضي بعض وقته مع القطة أمبر التي تعيش في المنطقة، ويطعمها ما يجد من بقايا طعام في صناديق القمامة.
يعيش ديري مع زوجته يمامة وأبنائه الثلاثة في غرفة داخل شقة يتقاسمونها مع أسرتين أخريين، في مبنى لا يبعد كثيرا عن الكورنيش البحري الشهير حيث يقوم بجمع البلاستيك، وينفق ديري غالبية ما يكسب من مال كل شهر على الإيجار.
الغرفة صغيرة، وبها مصباح كهربائي واحد وغطاء أرض بلاستيكي، وبعض المراتب والفرش الموضوعة جانبا، لديهم زجاجات من المياه في الشرفة يستخدمونها للاغتسال، وموقد طبخ صغير يعمل بالغاز.
بمجرد أن يصل إلى بيته، يحتضن ديري أبناءه بحرارة.
يقول: "لا أستطيع تحمل تكلفة إلحاق أبنائي بالمدرسة، أو توفير حياة كريمة لهم، إنني بالكاد أدبر ما يسد رمقنا، لكن ذلك أفضل من أن أهين نفسي وأتسول في الشوارع".
الكثير من زملاء ديري في العمل أتوا أيضا من مدينة الرقة في شمال سوريا، لقد فروا جميعا من الحرب ومن تنظيم داعش، لكن الحياة صعبة في لبنان، وهذه هي الوظيفة الوحيدة التي استطاعوا الحصول عليها.
في الأعوام الأخيرة، وبسبب الأزمات المالية، حل عمال سوريون، يحصلون على رواتب زهيدة بالعملة المحلية، محل العمال القادمين من بنغلاديش والذين كانوا يقومون بتلك الأعمال.
وفي أحد مكبات النفايات، حيث تجري إعادة تدوير البلاستيك وتخزينه قبل بيعه، من الصعب وصف الرائحة، إنها خانقة، ولا يمكن تخيل أن العمال يتعرضون لها بشكل يومي وبدون أي إجراءات واقية على ما يبدو.
ويعيش في المبنى الذي يعلو المكب عدة رجال، جميعهم من الرقة. يشعرون بالخوف من التحدث إلينا، يقولون إنهم يخشون أن يتم ترحيلهم إلى سوريا.
تنتشر مبانٍ مثل هذا عبر أنحاء المدينة، يعيش بها حوالي 15 إلى 20 رجلا في شقق مزدحمة سيئة التجهيز لكي يتشاركوا في تحمل نفقة الإيجار.
وفي نهاية كل دوام عمل، يجمع ديري وزملاؤه ما عثروا عليه خلال اليوم من بلاستيك في مخزن مخصص لذلك الغرض، أو يسلمونه لمدير لبناني في واحد من المراكز، الذي يقوم بوزن حقائبهم قبل دفع أجورهم.
ومثل كثيرين غيره، لبنانيين كانوا أم سوريين، يتحرق ديري للرحيل من البلاد، وبعد أن تضاءلت آماله في العودة إلى سوريا آمنة، يتوق الشاب السوري إلى حياة جديدة في مكان بعيد عن هنا.
يقول ديري: "أوروبا هي الحلم.. لكن هذا هو الواقع، أتمنى أن يعيننا الله على الرحيل، كل ما أريده هو أن أوفر لأبنائي حياة أفضل وقدرا من التعليم".