"أموال السوريين وكفاءاتهم" بين حلم العودة للوطن واستقرار كلفهم "العمر""

بعد عودة سوريا إلى البيت العربي

"أموال السوريين وكفاءاتهم" بين حلم العودة للوطن واستقرار كلفهم "العمر""

تأتي عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية لتثير كثيراً من التساؤلات حول انعكاسات تلك الخطوة المهمة على الأوضاع الاقتصادية داخل البلد الذي أنهكته الأزمات المتعددة منذ عام 2011، وكذلك على الدول التي استضافت ملايين السوريين ومليارات الدولارات من الاستثمارات السورية طوال هذه الفترة وفي مقدمتها مصر وتركيا والأردن.

الاقتصاد السوري

يعاني الاقتصاد السوري جراء سنوات الصراع الأهلي والعقوبات الغربية، إلى جانب تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وتفشي الكوليرا، وما خلفه الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير الماضي، فضلاً عن الأزمات الدولية وانعكاساتها وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية.

ووفقا لتقارير وأرقام البنك الدولي حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا، في مارس الماضي توقع البنك انكماش الناتج الإجمالي المحلي للبلاد بمقدار 3.2% خلال عام 2023، مواصلا الانكماش الذي حقق العام الماضي بنسبة 3.5%.

وتشير التوقعات كذلك إلى ارتفاع معدل التضخم نتيجة نقص السلع المتوفرة، وزيادة تكلفة النقل وارتفاع الطلب الكلي على مواد إعادة البناء.

قانون قيصر

تتعدد التحديات أمام عودة الاقتصاد السوري، ولكن قد يكون أهمها "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2020 وهو قانون أعدته الولايات المتحدة الأمريكية، لتضع العديد من المحاذير الاقتصادية في التعامل مع سوريا، خاصة في التعاملات الكبيرة في قطاع الطاقة والنفط.

الهروب من العقوبات

مع عودة دمشق إلى الجامعة العربية، يبدو أن الدول العربية ستكون مُطالبة بأن تمارس ضغوطا على الدول الغربية خاصة على الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل رفع العقوبات أو الإجراءات أحادية الجانب، التي تعاقب أية شركة يمكن أن تأتي إلى سوريا، وكذلك من أجل دفع ملف إعادة إعمار سوريا.

ولحين إنهاء تلك العقوبات تستطيع الدول العربية أن تساعد سوريا بشكل آخر من خلال ضخ الاستثمارات في المناطق التي لا تعاني مشكلات أمنية، وتستطيع أيضا استئناف الاستيراد من سوريا، وهو ما سيشكل دعماً كبيرا للاقتصاد السوري بشكل كبير، خاصة أن المنتجات السورية معروف عنها الجودة، وكانت تلقى استحساناً من الشعوب العربية.

كما تستطيع الدول العربية استيراد الحبوب السورية، لا سيما في ظل معاناة كثير من الدول العربية من مشكلات الحبوب بسبب انعكاسات الحرب في أوكرانيا، فمن المعروف أن سوريا كانت في فترة ما هي سلة الغذاء العربية.

إلّا أن موضوع إعادة الإعمار يمكن تأجيله حالياً لأنه سيحتاج إلى أموال كثيرة، في الوقت الذي يوجد فيه العديد من الملفات أمام المانحين وجهات التمويل، في مقدمتها تمويل أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية وملف التغيرات المناخية عامة، وتمويل أزمة الجوع مع اقتراب الملايين من حافة المجاعة.

لذلك فسوف يعتمد إعادة الإعمار غالباً على القطاع الخاص، وهو الذي يحتاج إلى توفير الأمان وتجنب المخاطرة، وهي عوامل غير متوفرة حالياً في سوريا، لكن يمكن أن تسهم بعض الشركات الحكومية العربية أو الصناديق الحكومية خاصة ببعض الجهود في مجال إعادة البناء، بالنظر إلى قدرتها بشكل أكبر نسبياً على المخاطر مقارنة بالقطاع الخاص.

ورغم وجهة النظر المتفائلة بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وما يتوقعه البعض من انفتاح الأسواق العربية أمام المنتجات السورية وإعادة تفعيل الاتفاقات الثنائية والمشتركة مع العديد من الدول العربية بما في ذلك التسهيلات الجمركية، فإن ملف إعادة إعمار سوريا خاصة يواجه تحديات كبيرة في مقدمتها العقوبات الأمريكية.

ومن غير المتوقع أن يكون هناك انقلاب جذري في الاقتصاد السوري على المدى القريب، خاصة مع مؤشرات عدم عودة رجال الأعمال والشباب والعقول والكفاءات المهاجرة، خاصة بعد أن تمكن العديد منهم من الاستقرار في البلدان المجاورة محققين نجاحا اقتصاديا، إلا أن الدافع الوطني مع إعطاء بعض الضمانات والتطمينات قد يكون له انعكاسات إيجابية في هذا الاتجاه.

مصر

منذ اندلاع الصراع السوري، وقدوم السوريين إلى مصر، تعاملت معهم الحكومة المصرية، وأتاحت لهم الإقامة بشكل رسمي، ومنحتهم تيسيرات لخلق فرص استثمارية ساعدتهم على خلق سبل عيش ومشاريع اختلف حجمها من متناهي الصغر إلى مشروعات ضخمة لكبار المستثمرين، حيث سمحت مصر للسوريين بتأسيس شركات استثمارية سورية، بلغت ما يقارب 1254 شركة، بحسب إحصاءات رسمية من الهيئة العامة للاستثمار، لصالح أكثر من 30 ألف مستثمر سوري.

وفي نهاية 2016 أسست مجموعة من المستثمرين السوريين في مصر جمعية بهدف توطيد العلاقات الاقتصادية والصناعية بين سوريا ومصر وتكوين مظلة للصناعيين السوريين في مصر.

أسس الجمعية كل من رجال الأعمال السوريين: عمار صباغ، وباسل سماقية، ورضوان الخطيب، وفهد جبريني، وسميح سوسة، وحسان دعبول، وفراس ديري، وطلال عطار، وسامي طرفي، وفواز موصلي، وخالد المنجد، وبدور بو الخير، ومحمد فتيح، ولما قصيباتي.

وفي هذا الصدد، كشف المحامي المتخصص بقضايا السوريين في مصر يوسف المطعني، في تصريحات صحفية بنهاية 2022، عن "ارتفاع واضح" في عدد التراخيص الممنوحة للمستثمرين السوريين بقطاعات عدة.

وقال المطعني إن مكتبه فقط أسهم في إصدار 80 ترخيصاً لمستثمرين سوريين منذ بداية عام 2022، بقطاعات مختلفة، بينما سجل 50 منشأة في عام 2021، مؤكدا أن الاستثمارات السورية وفرت فرص عمل، وساهمت في الحد من البطالة في المجتمع المصري، وطورت من بيئة العمل ونوعيته، مقابل ما قدمته مصر من تسهيلات للسوريين.

ولفت المحامي المصري، إلى أن القيمة الكلية للاستثمارات السورية أكبر مما هو معلن، لأن الكثير منها غير مسجل.

من جانبها، ذكرت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير لها أنه يعيش على أرض مصر 9 ملايين شخص وفدوا إليها من 133 دولة، بما يمثل 8.7% من سكان مصر البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، يأتي الأشقاء السودانيون في المرتبة الأولى بنحو 4 ملايين، وذلك قبيل الأحداث الاخيرة في السودان، يليهم الأشقاء السوريون بـ1.5 مليون شخص، ومليون شخص لكل من الأشقاء اليمنيين والليبيين.

وأوضح تقرير المنظمة الأممية أن الجنسيات الأربع، تشكل نحو 80% من الوافدين المقيمين حالياً في مصر، بعد الزيادات المطردة المتوالية، بينما كانوا 5.5 مليون وافد يعيشون في مصر منذ أكثر من 10 سنوات.

وأشار البنك الدولي إلى أن توسع الاستثمارات السورية أفسح المجال لمزيد من العمالة المصرية، موضحاً أن السوريين يوظفون أكثر من نصف العاملين لديهم من المصريين.

يقول المهندس راسم الأتاسي، عضو هيئة اللاجئين التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو سوري، يعيش في مصر منذ عام 2012، إن مصر هو البلد الآمن الذي احتضن السوريين بشكل أخوي، دون اشتراطات.

وأكد الأتاسي أنه لم يسمع كلمة "لاجئ" مطلقاً في مصر خلال الفترة التي عاش فيها بمصر والتي تزيد على العقد من الزمان، سواء من المسؤولين أو المواطنين المصريين، مؤكدا أن أيا من الشعبين لن ينسى أننا كنا دولة واحدة في الجمهورية العربية المتحدة بقطريها الشمالي والجنوبي.

وأجمع أغلب أساتذة الاقتصاد على أن السوريين عملوا في مصر، استفادوا وأفادوا، وأنه في مقابل المعاملة الحسنة التي وجدوها من المصريين حكومة وشعبا قدموا أفضل ما لديهم من مشروعات، وتفانوا في العمل بجد، واستطاعوا في سنوات قليلة، تحقيق نقلة نوعية، لا سيما في مجال الملابس والمأكولات والحلويات، حتى إنهم استطاعوا توفير فرص عمل ليس للسوريين فقط بل من العمالة المصرية/ وشاركهم كذلك رجال أعمال مصريون.

وعن حجم استثمارات السوريين في مصر، أوضح رجل الأعمال السوري المهندس خلدون الموقع، رئيس تجمع رجال الأعمال السوري المصري بمصر، أن استثمارات السوريين حسب تقرير هيئة الاستثمار في حكومة مصر بلغت ما يقارب المليار دولار.

وأشار "الموقع" إلى أن هذا الرقم ليس دقيقا من حيث تحديد حجم الاستثمارات السورية الحالية بمصر لأسباب عديدة، منها أن القيمة لدى الهيئة العامة للاستثمار تمثل الحد التأسيسي الأدنى المطلوب، وأن أغلب هذه الاستثمارات طرأت عليها توسعات لاحقة، وأن بعض المشاريع السورية غير مسجلة في الهيئة العامة للاستثمار خصوصا الخدمية منها، مشيرا إلى أن بعض الوكالات الأممية قدرتها بـ23 مليار دولار.

 مجالات الاستثمارات السورية في مصر

وفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار، تدخل أغلب المشاريع السورية في مصر ضمن نطاق الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن عدد قليل منها يدخل ضمن نطاق الصناعات الكبيرة، وهي مختلفة ومتنوعة، وفي مقدمتها مصانع الملابس ومصانع الخيوط البوليستر والقطنية والمخلوطة، ومصانع الأقمشة المختلفة والمفروشات، ومصانع الأثاث، وبعض الصناعات التحويلية وإعادة التدوير، وكذلك صناعة الزجاج وصناعة الأحذية، والعديد من الصناعات غذائية، وكذا مطاعم ومحلات بيع الشاورما والمأكولات والحلويات السورية.

يقول سامر خلدون، الشهير بـ"سامر السوري" وهو يدير مطعم للمأكولات السورية وآخر للحلويات الشامية، لصالح عائلته التي جاء معظمها إلى مصر، أنه ذهب منذ 2011 إلى عدة دول ولكنه لم يجد الاستقرار إلا في مصر، قائلا: "المصريون فتحوا لنا بيوتهم وليس خيامهم".

ويتوقع "خلدون" أن يزيد عدد المطاعم السورية ومحال بيع الحلويات الشامية الشهيرة بمصر، لأكثر من 500 مطعم ومحل باستثمارات تتخطى ملايين الدولارات، وأيدٍ عاملة تقدر بالآلاف من السوريين والمصريين.

وتوافقه الرأي فاطمة توفيق، التي تعمل في تجارة الملابس، والتي جاءت إلى مصر مع والدتها وأولادها، بعد وفاة زوجها واثنين من أشقائها في بداية الأحداث السورية، مؤكدة أنها لم تخرج من مصر منذ 2011، وأنها تشعر طوال هذه الفترة وكأنها في بلدها بسبب حسن المعاملة.

تقول "توفيق": "حتى عندما ساءت الظروف الاقتصادية في مصر.. نعيشها كما يعيشها المصريون".

ملف العودة

ومع عودة سوريا للجامعة العربية، ظهرت الدعوات من جانب بعض المسؤولين السوريين للمستثمرين السوريين بالعودة لإصلاح منشآتهم المتضررة في سوريا، وطالب بعضهم بالإسراع بتبسيط الإجراءات أمام هؤلاء بتقديم كل التسهيلات الممكنة لهم لتحفيزهم على العودة.

وردا على هذه التصريحات من قبل العديد من المسؤولين، قال "الموقع" إن عودة المستثمرين والصناعيين السوريين من مصر يبدأ من سوريا، وإن على المسؤولين العمل على جذب هؤلاء ليسهموا في إعادة الصناعة السورية.

وشدد "الموقع" على أنه في ظل ما وصل إليه السوريون بمصر من استقرار مالي واستثماري، فيجب أن يتم تناول ملف عودتهم كمشروع وطني، يبدأ بتأسيس لجنة مشتركة تتفهم وتتابع المتغيرات الاجتماعية والاستثمارية للسوريين بمصر، وأن تضع لمشكلاتهم حلولا واقعية تنفيذية وليست إعلامية.

وأكد "الموقع" أن رغبة العودة من جانب السوريين إلى بلادهم هي حقيقة منذ اليوم الأول لمغادرتهم، قائمة على الانتماء والولاء وذكرياتهم التي ما زالت حاضرة أمام الجيل الأول منهم، لكن الوضع يختلف بالتأكيد مع الأجيال اللاحقة.

الأردن

كان للمملكة الأردنية نصيب من الاستثمارات السورية الهاربة من الأحداث السياسة داخل الأراضي السورية منذ 2011، حيث سارعت بيئة الاستثمار في الأردن بفتح أبوابها، لاستقبال المستثمرين السوريين الهاربين من التوترات الأمنية.

وعاملت السلطات الأردنية المستثمر السوري كما تعامل المستثمر الأردني، فمنحته الحق في التملك أو المشاركة أو المساهمة في أي مشروع استثماري.

وكان الأردن واحداً من أبرز الدول التي هاجرت إليها رؤوس الأموال السورية، بحكم القرب الجغرافي بين البلدين، خاصة بعد أن وفر لهم الأردن الكثير من التسهيلات لنقل شركاتهم ومصانعهم واستثماراتهم، حتى إن العديد منهم قد حصلوا على جوازات سفر مؤقتة وبطاقة الاستثمار "فئة أ وفئة ب" الذي من خلالها تمنح المستثمر عدداً من الإجراءات المريحة في التنقل داخل الأردن.

وبحسب التعديلات الجديدة التي أجرتها الحكومة الأردنية، يتم منح الجنسية الأردنية للمستثمر عند قيامه بإيداع وديعة بقيمة مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني دون فائدة، لمدة ثلاث سنوات، وعدم السحب منها خلال هذه المدة، أو شراء سندات خزينة بقيمة مليون دولار لمدة ست سنوات، بفائدة يحددها البنك المركزي الأردني، وذلك شريطة وجوده داخل أراضي المملكة لمدة لا تقل عن شهر قبل توقيع التوصية النهائية بمنحه الجنسية الأردنية.

كما جاء في التعديلات، بمنح المستثمر جواز سفر أردنيا مؤقتا لمدة ثلاث سنوات عند إنشاء وتسجيل مشروع أو مشاريع استثمارية في أي من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، بإجمالي رأسمال مدفوع لا يقل عن مليون دولار داخل حدود محافظة العاصمة، شريطة توفير (20) فرصة عمل حقيقية للأردنيين، ولا يقل عن 750 ألف دولار خارج حدود العاصمة، شريطة توفير (10) فرص عمل حقيقية للأردنيين، عند البدء الفعلي بتشغيل المشروع.

حجم الاستثمارات السورية في الأردن

تشير الأرقام الأردنية الرسمية، إلى أن عامي "2011 و2012" شهدا بداية تدفق المستثمرين السوريين إلى الأردن، حيث تم تسجيل ما يقارب 500 شركة استثمارية سورية، بحجم استثمار يقدر حينها بنحو 140 مليون دولار أمريكي.

وبحسب ذات الأرقام، فإن عام 2014 شهد أيضاً زيادة في وارادت قيمة رؤوس الأموال السورية بنسبة 10.9 مليون دينار أردني، وزيادة عدد المستثمرين إلى 191 مستثمراً.

وبقيت الاستثمارات السورية تتدفق إلى الأردن وحتى عام 2020 وقبل جائحة كورونا بأشهر، ليصل إلى أكثر من 4200 شركة، توزعت بشكل خاص على قطاعات الصناعية والغذائية والنسيج والتجارة والعقارات، وبلغ إجمالي قيمة رؤوس الأموال السورية الموظفة في تلك الشركات أكثر من 300 مليون دينار.

وبحسب الأرقام الأردنية الرسمية، يستضيف الأردن نحو 670 ألف لاجئ سوري.

من جانبه، قال مدير عام شركة المدن الصناعية الأردنية، عمر جويعد، في تصريحات صحفية بنهاية 2022، إن حجم الاستثمارات السورية وصل إلى 37 استثمارا صناعيا بملايين الدولارات.

وأكد أن حجم الاستثمارات السورية في المدن الصناعية الأردنية بلغ 190 مليون دولار، ووفرت قرابة 2500 فرصة عمل للأردنيين حيث تتعدد هذه الاستثمارات لتشمل مختلف القطاعات الصناعية كالغذائية والدوائية والنسيجية والهندسية والبلاستيكية وغيرها.

العودة من الأردن

تتجه الأردن لإعادة العلاقات والتطبيع مع النظام السوري، حيث اتصل الملك الأردني مع بشار الأسد هاتفيا، وحصلت زيارات مختلفة ومتبادلة لوزراء ومسؤولين من الأردن والنظام السوري.

وكان وزير الدفاع في حكومة النظام السوري، العماد علي أيوب، زار عمّان، ما يشير إلى أن الأردن يسير بإعادة تطبيع علاقاته مع النظام إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي، حيث تم فتح معبر نصيب/جابر الحدودي، وتم إعادة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وهو ما يشير لاحتمال عودة جزء كبير من الأموال والعمالة السورية إلى الوطن في حال وجود تطمينات لهؤلاء الذين أرهقتهم سنوات الصراع والغربة.

تركيا

رغم ارتفاع الأصوات المنادية بترحيل اللاجئين السوريين في تركيا، فإن العديد من خبراء الاقتصاد أكدوا أن الاقتصاد التركي كان أحد أهم المستفيدين بشكل كبير من الاستثمارات السورية التي فرّت من الصراع.

وبنهاية العام الماضي 2022، أصدرت غرفة تجارة إسطنبول دراسة إحصائية تضمنت قيمة استثمارات وعدد شركات السوريين وشركاتهم في إسطنبول وتركيا.

وكشفت صحيفة (Yeni Şafak) التركية بعد اطلاعها على دراسة (رواد الأعمال السوريين في اقتصاد إسطنبول) أن قيمة تلك الاستثمارات قدرت بملياري ليرة تركية.

ووفقا للصحيفة أجابت الدراسة عن العديد من الأسئلة، مثل: ما انعكاسات المهاجرين على العالم والاقتصاد التركي؟ وإلى أي مدى يؤثر المهاجرون على إسطنبول والاقتصادات الحضرية المماثلة؟ وهي مطروحة في الكتاب الذي يحمل توقيع الكاتبين بكير بيرات أوزبك، وفايق تانري كولو.

الشركات السورية في تركيا

وأفادت الدراسة بأن السوريين أسسوا 6 آلاف و176 شركة في إسطنبول منذ بداية عام 2018 وحتى إبريل 2021 الماضي، بينما يقدر عدد الشركات السورية بنحو 20 ألف شركة، بمن في ذلك رواد أعمال سوريون غير مسجلين. 

وتقدر الشركات ذات المشاريع المشتركة الأجنبية والتي يسهم فيها السوريون برأس المال قد بلغت 762 شركة في إسطنبول وحدها، و9 آلاف و131 شركة في عموم تركيا.

وتحتل ولاية "يالوفا" التركية أكبر نسبة من الشركات التي تم تأسيسها مع شركاء أجانب بمعدل 47.8%، وتليها ولاية غازي عنتاب بنسبة 30.7%، ومرسين بنسبة 21.1%، وإسطنبول بنسبة 19.3%.

وتعمل الشركات التي يكون فيها السوريون شركاء فيها بالعديد من القطاعات، من الأدوية إلى الأجهزة الطبية مروراً بتقنية المعلومات والمطاعم ووكالات السفر.

ويعمل 17.4% من رواد الأعمال السوريين في قطاع الأغذية، و12.4% بقطاع التجارة (المبيعات والتسويق)، و12.4% في الخدمات الاجتماعية والشخصية، و10.7% في المنسوجات والملابس الجاهزة والجلود.

خطاب الكراهية

أكد المحلل الاقتصادي التركي وعضو جمعية رجال الأعمال المستقلين الأتراك (موصياد) علاء الدين شنجولر، في تصريحات صحفية، أن المعارضة التركية ستجني ما زرعت من خطاب الكراهية المتنامي، وستُصدم تركيا بالنتائج، ولن يكون غياب السوريين عن مواقع العمل والمعامل سهلًا أبدًا على واقع الاقتصاد التركي.

واكد "شنجولر" أنه في حين تظهر الأرقام الرسمية نموًّا مطردًا في الاقتصاد التركي منذ أن قدم اللاجئون السوريون، دون الجزم بدور لهم في هذا النمو، فليس واضحًا بعد أي أثر ستتركه الحملات العنصرية على قطاعات العمل التي ينشط فيها السوريون داخل تركيا، نظرًا إلى غياب الإحصاءات، لكن بعض المهن والقطاعات التي يحجم الأتراك عنها لصعوبتها، سيكون لفقدان السوريين أثر فيها.

ويؤكد "شنجولر"، أنه منذ 25 عامًا، أدى إهمال الدولة التركية لتعليم وإعداد فئة من الشباب الحرفيين في ورشات العمل إلى نقص في الأيدي العاملة التركية الماهرة.

ولم تستدرك حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بل ركزت على بناء الجامعات والمعاهد، وهو ما خلق فجوة في السوق، كان السوريون حجر الزاوية فيها.

وحذّر الخبير الاقتصادي من تهميش إسهامات السوريين وقدرتهم على النهوض بأنفسهم، وترسيخ الاعتقاد بأن السوريين يعيشون على معونات الحكومة المستمدة من ضرائب الشعب، كما يجد أن التصريح بالمبالغ التي أُنفقت على اللاجئين السوريين مغالطة صريحة تتنافى مع الحقيقة، منتقدًا عدم إبراز حجم المساعدات الخارجية التي حصلت عليها الدولة مقابل إيواء اللاجئين.

وأكد الخبير الاقتصادي التركي، أن "الاقتصاد سيتأثر سلبيًا، ليس لقلة الكفاءة التركية عددًا ومهارة، إنما بسبب العدول عن القطاعات التي شغلها السوريون، ما تسبب بنوع من الخمول الذي يحتاج إلى وقت لانسجام اليد العاملة التركية، وهو ما سيؤذي أصحاب العمل".

ومنذ 2011، اتجه نحو أربعة ملايين لاجئ سوري إلى تركيا بحثًا عن الاستقرار والأمان، وبعد سنوات من محاولات تعويض خساراتهم، والعمل في مختلف المجالات، أصبحت محاولات الوصول إلى حالة الاستقرار حلمًا لمعظم السوريين اللاجئين في تركيا.

وخلال أربعة أشهر، انخفض عدد السوريين الحاملين لبطاقة "الحماية المؤقتة" بنحو 105 آلاف و778 شخصًا، إذ بلغ عددهم عند إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مشروع إعادة مليون لاجئ، ثلاثة ملايين و761 ألفًا و267 لاجئًا سوريًا.

وبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا بموجب "الحماية المؤقتة"، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 8 من سبتمبر 2022، ثلاثة ملايين و655 ألفًا و489 شخصًا.

العودة الطوعية أو الهجرة غير الشرعية

ومنذ تصاعد وتيرة التصريحات حول "العودة الطوعية"، وزيادة التضييق على اللاجئين السوريين بمختلف مجالات الحياة، سلك مئات الأشخاص طريق العودة إلى سوريا، فيما اختار العديد منهم طريق الهجرة غير شرعية إلى أوروبا، وفقًا لدراسة أجراها مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، بعنوان "العودة الطوعية وواقع اللاجئ السوري في تركيا".

وأسهمت العمالة السورية في نمو الاقتصاد عبر سنوات اللجوء في تركيا، وبلغ عدد العاملين في السوق التركية نحو مليون سوري منذ 2017، بحسب دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية في 2020.

وبحسب الدراسة، يعمل 97% من السوريين دون تصريح عمل، في حين أصدرت وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية حتى 2019 (أحدث تقرير للوزارة)، نحو 140 ألف تصريح عمل للسوريين.

ولم يُسمح للسوريين من حملة بطاقات "الحماية المؤقتة" باستصدار تصاريح العمل حتى 15 يناير 2016، أي بعد أكثر من خمس سنوات على بداية اللجوء السوري إلى تركيا، ما اضطر السوريين إلى العمل دون ضمان اجتماعي.

واستغل أرباب العمل الأتراك النسبة الكبرى من السوريين بسبب عدم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ما حرمهم من العديد من الميزات في ما يتعلق بالأجر وحقوق العمالة.

ولم يتأثر معدل البطالة في تركيا بشكل فعلي بقدوم السوريين، إذ بلغت نسبة البطالة 12% في 2021، مقارنة بـ11.9% في 2010، وفقًا لأرقام هيئة الإحصاء التركية.

وبحسب منظمة العمل الدولية، كان معظم العمال السوريين يعملون تحت الحد الأدنى للأجور، في حين تركّز عمل السوريين في قطاعات الملابس الجاهزة، والتجارة واستخراج الأوراق القانونية، والبناء، والزراعة، التي أحجمت العمالة التركية عن العمل بها، ليسد السوريون هذا العجز.

وعلى الجانب الآخر، يقول أستاذ العلوم المالية والمصرفية الدكتور، فراس شعبو، في تصريحات صحفية، إنه لا يعتقد أن هجرة أو رحيل السوريين قد تؤثر في الاقتصاد التركي بشكل يؤدي إلى انهياره، ولكن في حال غياب السوريين، سيحدث "خلل" في الاقتصاد التركي لفترة معينة، إلى حين إيجاد البديل من العمالة الإفريقية والآسيوية.

من جانبه، قال نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" لحقوق الإنسان والمتحدث باسم الحزب، ياسين أقطاي، على هامش فعالية لدعم رواد الأعمال السوريين، إن تأثير السوريين في الاقتصاد التركي إيجابي، وإن إسهام السوريين في الاقتصاد لا يقتصر على سوق العمل فقط، بل كان لهم دور كبير في تصدير المنتجات التركية إلى السوق العربية، بواسطة الموظفين السوريين في الشركات التركية.

وأضاف أن للسوريين دوراً مهماً في نمو الاقتصاد التركي، إذ استثمروا في تركيا ما يتجاوز عشرة مليارات دولار تقريبًا، في قطاعات اقتصادية متنوعة بالعديد من المدن التركية، ساعد ذلك في توفير فرص العمل للأتراك منذ عام 2012.

وبحلول مارس 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى يناير 2022، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة Takvim التركية.

استثمارات رجال الأعمال

وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة.

وفي تقرير صادر في سبتمبر 2019 عن "المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية" (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، وجد أن عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا من عام 2014 إلى عام 2016، ارتفع بنسبة 168%.

وفي نهاية عام 2017، كان لدى تركيا أربعة آلاف و793 شركة سورية برأس مال قدره 39.1 مليون يورو (نحو 42 مليون دولار).

وأوضح التقرير أن تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة للاجئين في الاقتصاد التركي، وصل إلى 4.3 مليار يورو (نحو 4.6 مليار دولار) بنهاية 2017، أو 1.96% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.

وتوقع أن ترتفع تلك القيمة إلى 4% في عام 2028 مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ بشكل نظامي في تركيا.

استطلاع رأي

وفي استطلاع رأي، أجراه موقع “عنب بلدي” حول احتمالية تأثر الاقتصاد التركي بخسارة اليد العاملة السورية مع موجات الهجرة والترحيل، صوّت 76% من المشاركين في الاستطلاع بـ"نعم"، في حين صوّت 24% بـ"لا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية